رحلة البحث عن تركيا الجديدة من لوزان إلى أرض الصومال
صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم السبت 24 أغسطس/ آب الماضي خلال احتفال أقيم في إقليم موغلا بجنوب غربي تركيا، بمناسبة افتتاح قيادة حوض أكساز لبناء السفن وتسليم منصات بحرية للقوات التركية، بأن “حكومته تدرك أهمية تعزيز أسطول تركيا، سواء في مياهها الإقليمية أو في الأمن البحري في مناطق بعيدة، لضمان العيش بسلام داخل الأراضي التركية”.
استراتيجية التوسع التركي
كان خطاب الرئيس يشير بوضوح إلى الاستراتيجية البحرية لتركيا، التي توسعت منذ إبرام معاهدة لوزان عام 1923. حيث وقعت حكومة الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا في 24 يوليو/ تموز 1913 على الاتفاقية بعد إلغاء معاهدة “سيفر” التي وُقعت عام 1920 تحت ضغط الحلفاء.
في 10 أغسطس/ آب الماضي، اتهم الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إثيوبيا برفض الاعتراف بالصومال كدولة ذات سيادة، بينما تتوتر العلاقات بين البلدين منذ توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع منطقة أرض الصومال الانفصالية.
معاهدة لوزان والتوترات الإقليمية
تتضمن معاهدة لوزان 143 مادة، قسمت إلى عدة أقسام، ومنها ما يتعلق بالمضائق التي لم يسمح لتركيا بالإشراف عليها ووضعت تحت إدارة عصبة الأمم. ومع تصاعد التوترات قبل الحرب العالمية الثانية، طالبت تركيا بتعديل اتفاقية لوزان وأبرزته خلال مؤتمر مونترو الذي عُقد عام 1936، حيث تم بحث قضايا تتعلق بحرية الملاحة وتواجد القوات العسكرية.
لا يحتاج أردوغان اليوم إلى مؤتمرات جديدة لتحقيق أهدافه بعد مرور 100 عام على لوزان “الجمهورية الثانية”، حيث يشهد العالم ظروفًا معقدة تسودها الانقسامات السياسية، مما دفع تركيا إلى إجراء مبادرات لرسم مسار للتسوية خارج التفاصيل الإدارية التقليدية.
التحديات في القرن الأفريقي
المنطقة المتاخمة للبحر الأحمر، المعروفة بالقرن الأفريقي، تتميز بتوترات متعددة الأبعاد. فلم تعترف دولة الصومال بانفصال أرض الصومال، التي تستضيف قاعدة بحرية تركية ضخمة، بينما تسعى إثيوبيا للحصول على منفذ إلى البحر الأحمر عبر الأرض الانفصالية.
في فبراير/ شباط الماضي، وقّعت تركيا اتفاقية تعاون دفاعي واقتصادي مع الصومال بهدف تعزيز العلاقات بين البلدين.
تعتزم السلطات الانفصالية في أرض الصومال أن تكون إثيوبيا أول دولة تعترف بها رسميًا مقابل دعمها للوصول إلى البحر.
الوساطة التركية والمستقبل
دخلت تركيا في نزاع الصومال وإثيوبيا كوسيط، مع آمال في حل النزاع حول الساحل. وتستعد تركيا لاستضافة جولة ثالثة من المفاوضات في 17 سبتمبر/ أيلول، وسط تفاؤل حذر من تطورات إيجابية.
تخطط تركيا أيضًا لإرسال سفينة الأبحاث “أوروتش رئيس” لاستكشاف مناطق النفط البحرية في الصومال، وهو جزء من استراتيجيتها لتوسيع نفوذها وتعزيز الأمن في هذه المنطقة الحيوية.
تخشى أنقرة من أن تعوق طموحات إثيوبيا في الوصول إلى البحر الأحمر مصالحها في أفريقيا، لذا تسعى إلى تهدئة الأمور.
تعتبر تركيا أن أمنها القومي مرتبط بتعزيز وجودها في البحر الأحمر، خاصة في ظل التوترات القائمة والتي تؤثر على حركة الملاحة، بالإضافة إلى التقنيات الدفاعية المتزايدة في هذه المنطقة. يعد وجودها العسكري في الصومال جزءًا من استراتيجيتها التي تسعى إلى تحقيق الاستقرار واستعادة النفوذ.
العوامل الدولية وتأثيرها على النزاع
رغم الجهود التركية، يبقى تأثير الولايات المتحدة محوريًا في سير المفاوضات. فالخطوات التركية قد تتأثر بالنوايا الأميركية التي تسعى لتعزيز الشراكة مع أنقرة في مواجهة نفوذ الصين وروسيا في المنطقة.
يبقى السؤال قائمًا: هل ستؤثر الشروط الأميركية على المسار التركي في البحر الأحمر وأمن المنطقة؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
رابط المصدر