أوموغاندا: تجربة فريدة في رواندا
كيغالي – في صباح يوم السبت الموافق 31 أغسطس/آب، بدأ اليوم في كيغالي عاصمة رواندا، عندما اتصل بي الزميل الصحفي ستيفن سيباسوري ليقترح عليّ الانضمام إليه في رحلة صباحية مفاجئة.
سرعان ما وافقته بسبب حماسه، حيث أراد أن يطلعني على سِرّ جديد يخص هذه المدينة الجميلة والنظيفة. وعندما استفسرت عن وجهتنا، أخبرني أننا في يوم “أوموغاندا”، ثم انطلق بسيارته تاركًا وراءه مجموعة من التساؤلات في ذهني.
شوارع المدينة كانت شبه خالية من السيارات، فيما انتشر رجال الشرطة بكثافة وسط تواجد عناصر من الجيش، وتعرضنا لنقطة تفتيش، تحدث الشرطة فيها مع ستيفن بلغة كينارواندا، ثم سمح لنا بإكمال رحلتنا، وحدث الأمر نفسه عدة مرات.
وصلنا إلى قرية صغيرة في محيط المدينة، حيث رأيت السكان يتجمعون في شارع ترابي تضرر بفعل الأمطار، وقد أحضر كل منهم ما هو متاح له، كالفئوس والمجارف والمكانس.
انضممت إليهم، في انتظار وصول رئيس المجلس المحلي السيد سيلستين، الذي أعلن بمجرد وصوله بدء العمل على إصلاح وتنظيف الشارع.
وأوضح لي ستيفن أن البلاد تشهد إغلاقًا شبه كامل، حيث تتوقف حركة السير بين الساعة 8 و11 صباحًا للتنفيذ برنامج “أوموغاندا” الشهري.
عندما لاحظ ستيفن الحيرة ظاهرة في عيني، قدمني إلى السيد سيلستين الذي تحدث بحماسة عن هذا اليوم.
بدأ سيلستين بتفسير معنى كلمة أوموغاندا (Umuganda)، موضحًا أنها تعني “الاجتماع لتحقيق هدف مشترك” في اللغة المحلية كينارواندا. كما ذكر أن البلاد تكون في عطلة شاملة كل صباح يوم السبت الأخير من كل شهر لأداء الخدمة المجتمعية.
أضاف أن المشاركة في يوم أوموغاندا إلزامية بموجب القانون، مشيرًا إلى أن هذه الفكرة قديمة لكنها تطورت إلى هذا الشكل الحالي في عهد الرئيس بول كاغامي عام 2009.
أعجبتني الفكرة وقررت المشاركة، وأخبرني معلم في مدرسة ثانوية أن السلطات تشجع غير الروانديين المقيمين في البلاد على الانضمام لهذا اليوم.
علمت من المشاركين أن المجتمع يتجمع في هذا اليوم للقيام بأعمال تطوعية، تشمل تحسين البنية التحتية وحماية البيئة، وإصلاح المدارس والمراكز الطبية والمباني العامة.
في بعض الأحيان، يخصص هذا اليوم لمساعدة أحد سكان الحي في مشاريعه، مثل إعادة بناء منزله أو إصلاح أرضه.
بعد الانتهاء من الأعمال الميدانية، يتحول اليوم إلى منتدى يلتقي فيه السكان لمناقشة القضايا المهمة وتقييم الأنشطة، بالإضافة إلى مناقشة الفعاليات المستقبلية.
يوفر هذا الاجتماع أيضًا فرصة للقادة من مختلف مستويات الحكومة للتواصل مع المواطنين، حيث يكشف ستيفن أنه يمثل منصة للمسؤولين لإطلاع الناس على أخبار مهمة.
في ختام الفعالية، تذكرت ما قاله لي الناشط المجتمعي فريدي موتانغوها -نائب رئيس الرابطة الوطنية الشاملة للناجين من الإبادة الجماعية في رواندا- خلال زيارتي الأولى للبلاد، حيث أكد أن “النظافة في شوارع كيغالي تعكس ما يشعر به الروانديون، وتعتبر محاولة لمحو آثار الماضي من قلوبهم”.
تنبع الحاجة إلى أوموغاندا من أهمية تعزيز الثقافة التصالحية التي تساعد السكان على نسيان آثار الإبادة الجماعية في عام 1994، وتساهم في إشراكهم في “عملية صنع القرار” وتعزيز المشاركة المجتمعية.
رابط المصدر