الأدب وحروب الثقافة.. كيف يدافع فكر المقاومة عن القدس؟
تُعتبر القدس قبلة المسلمين الأولى، حيث تجمع فيها الأرواح والنيات والآمال. ولها دور مؤثر في حادثة الإسراء والمعراج بوصفها نقطة الانطلاق إلى العالم الآخر، وقد أشار إليها القرآن، حيث جاء في سورة الإسراء: “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير”.
وعن ارتباطها بعمر بن الخطاب رضي الله عنه، تجسد دخولها في الإسلام عملية صلح احتفظت فيها على هويتها المسيحية وحرية عباداتها. ومنذ ذلك الحين، أصبحت القدس رمزًا للتسامح والتوافق بين المسلمين والمسيحيين، حيث ظل المسجد والكنيسة جاريين يتبادلان التحية كل يوم. هي بذلك تمثل المكان والزمان، والتاريخ والجغرافيا، وتجمع بين كل الثنائيات المتناقضة.
المكان والزمان
انتبه الكاتب جبرا إبراهيم جبرا إلى دلالة المدينة فذكر عام 1965 أن “مدينة القدس ليست مجرد مكان، بل هي زمان أيضًا. ففهم المدينة يحتاج لرؤيتها في بعد تاريخي، حيث يتجمع تاريخ يمتد لآلاف السنين في لحظة واحدة. التاريخ هنا حي، يتحدث به كل حجر، مليء بالتناقضات والأحداث. لقد كانت دائمًا مدينة حلم وجذب النفوس إلى الله”.
نشرت الباحثتان حذام قدورة وسهام ملكاوي أفكارهما حول شخصية القدس مستعينتين برؤى عدة، مما يساعد على فهم تعقيدات المدينة. يشير حمدان إلى أن المدن ذات المواطنة الخاصة تعيش واقعاً يتجاوز الحتم الجغرافي. إذا كانت فلسطين في قلب البلدان العربية، فإن القدس تمثل قلب الفلسطين؛ وهنا يتداخل الموقع مع الهوية.
تعرضت القدس للاحتلال القريب، مما أدّى الى تغييرات جسيمة في واقعها وتاريخها. فالحرب لم تتوقف عند الجغرافيا، بل امتدت إلى الذاكرة والثقافة، حيث تم تزوير كبير للحقائق من قبل الأدب والفكر الصهيوني الذي سعى لتغييرات ثقافية ولغوية تهدد هوية المدينة، عبر أساليب متنوعة من الأدب والفن. الرؤية الثقافية للقدس تشكل جزءًا أساسيًا من صراعها في مواجهة الاحتلال.
حرب ثقافية
الصراع الثقافي حول القدس يجري بأسلحة متعددة، وينبغي أن يتسائل الجميع حول من يدير هذه المعركة ومن المعني بالقتال من أجلها، فهي ليست معركة تخص المقدسيين وحدهم؛ بل إنها معركة تخص الأمة العربية والإسلامية. هل يمكن أن نكون مهزومين ثقافياً مثلما نحن مهزومون عسكريًا؟
تتطلب القدس دعامات ثقافية لا حصر لها, تتيح للثقافة العربية أن تقاوم الاحتلال وتحقق إنجازات تساهم في الحفاظ على هويتها الثقافية. ينبغي الاعتناء بالأدب العربي والفن اللذين يقومان بدور محوري، ويجب تنظيم الجهود وتوجيهها نحو القدس. يعمل المبدعون على إحياء روح المقاومة عن طريق تقديم أعمال فنية وأدبية تعكس معاناة المدينة.
بحاجة إلى تنظيم دقيق في توثيق تراث القدس يعبر عن جوانبها الثقافية المختلفة، وتقديم صورة دقيقة عن التهديدات التي تواجهها المدينة. يجب أن تشمل هذه التوثيقات الفنون المختلفة، والدراسات الأكاديمية حول القدس، لتهيئة فهم أعمق لتاريخها وثقافتها.
تواجه اللغة أيضًا تحديات جراء التهويد المستمر، ومن الضروري الحفاظ على اللغة العربية في القدس وتحليل المخاطر المرتبطة بتأثيرات الاحتلال اللغوي. المطالبة بمعاجم شاملة للثقافة المقدسية تتضمن المفردات ذات الصلة بالهوية.
أخيرًا، يجب أن نذكر أن القدس ليست مجرد شعار سياسي، بل هي مركز ثقافي يتطلب انتباه كل المثقفين والكُتّاب في دفاعهم عنها، في انتظار الاحتفاظ بمعالمها الثقافية والمادية حتى يتم التحرير الكامل من الاحتلال.
- الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
رابط المصدر