الإسلاميون.. محافظون بفكر ليبرالي
تأسست الحركة الإسلامية الأكبر (الإخوان المسلمون) قبل ظهور الدولة القُطرية الحديثة في العالم العربي، مما ساهم في تبنيها فكرًا وأفكارًا تنظيمية كانت لها آثار سلبية على نضج السياسة الحزبية الإسلامية خلال التجربة الديمقراطية. هذه المشكلة أثرّت على العديد من الحركات الإسلامية الوسطية الأخرى في الدول المختلفة.
يتجلى الجديد في دولة الاستقلال والممارسة الديمقراطية، ما أدى إلى تحديات وتوترات أمنية عانت منها هذه الحركات، مما كشف عدم جاهزيتها للتفاعل مع الأنظمة الجديدة التي تزامنت مع التجارب الديمقراطية.
بدأت الواجهة الفكرية والتنظيمية للحركة تتحول من رجال الدعوة إلى رجال الدولة، مما أفسح المجال لقيادات أكثر انفتاحًا تتماشى مع القيم الليبرالية التي اتسمت بها وساهمت في تجربتها بالعيش في الغرب أو التعلم من أنظمته.
تأثير التيارات الاشتراكية
تأثرت الحركة الإسلامية بشدة بانتشار التيارات الاشتراكية والشيوعية والناصرية خلال القرن العشرين. في بداياتها، سعت إلى تحقيق “العدالة الاجتماعية في الإسلام” وعودة “اشتراكية الإسلام”، مما أثر على تصوراتها حول تطبيق الشريعة.
الصدام المبكر لها مع الأنظمة الاستبدادية، ورحيل الكثير من قيادتها إلى دول أوروبا وأمريكا، جعلها تتبنى لاحقًا قيم الديمقراطية الليبرالية، في ظل الهيمنة الغربية في تلك الفترة.
ترافق هذا التحول الفكري مع إدراك حقيقة الدولة القومية، مما ساهم في تغير التركيب التنظيمي للحركة، وتحول القيادة بما يتلاءم مع القيم العالمية الجديدة.
التفاعل مع البيئة ومفاهيم الحكم
إنّ معرفة النخب الإسلامية بتجارب الغرب، ولا سيما في مجالات السياسة، أثرت عليها كثيرًا. تجارب مثل الانفتاح على اليسار، وتقبل التنوع الديني والعرقي، جعل من الأحزاب اليسارية وجهة جذابة للعديد من المسلمين.
أدى هذا التفاعل إلى تغيير في الأفكار السياسية في الساحة الإسلامية، حيث أصبحت القيم الليبرالية أكثر هيمنة، مما جعل الحركات الإسلامية تبدو كتيارات محافظين بفكر ليبرالي.
رجال الدين الإسلامي تخلوا عن شعارات مثل “الإسلام هو الحل”، وبدأت التيارات تطالب بتقديم الشرعية السياسية بدلاً من الشريعة الإسلامية، ودعت لوضع تمييز بين الدين والسياسة.
تحديات الديمقراطية الليبرالية
التغيرات السياسية والاقتصادية نتيجة الربيع العربي، والواقع الحالي للديمقراطية في الشرق الأوسط، يظهر أن مراحل الحكم الإسلامي تواجه تعقيدات وصعوبات مؤسسية.
دخل الإسلاميون في صراع داخلي حول قيادتهم، مما أعاق قدرتهم على تقديم خطاب عصري متجدد يتماشى مع التغيرات السياسية.
هناك خوف لدى الحركات الإسلامية من فقدان السلطة بسبب عدم التكيف مع الأنظمة الديمقراطية، مما يؤدي إلى فقدان فرص الحكم والانخراط في الصراعات الداخلية.
العودة إلى الجذور
يجب على القيادات الحالية أن تعيد نظرها في أسس الحكم، وتطور رؤى تتماشى مع تطلعات الشعب، وتحديدًا في ظل التحولات السياسية المتوقعة.
السبيل للنجاح يكمن في تقديم رؤية ديمقراطية محافظة تستند إلى القيم والمبادئ الإسلامية، مع الأخذ بعين الاعتبار خصائص المجتمعات الإسلامية.
على الإسلاميين أن يتجاوزوا مرحلة التقليد وأن يعملوا على تقديم مشروع شامل يوازن بين ضروريات الحداثة وأصالة الإسلام، مع التأكيد على أهمية الدين في كل مناحي الحياة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
رابط المصدر