الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: قيم كونية أم أداة استعمارية؟
9/12/2024
### غياب دول الجنوب وهيمنة الفلسفة الغربية
بعد مرور 76 عامًا على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لا يزال السؤال حول فعالية هذا الإعلان قائمًا، خاصة في ظل الحروب المستمرة التي تعصف بالشرق الأوسط. وعند العودة إلى الجذور التاريخية لهذا الإعلان، نجد أن معظم الدول التي شاركت في صياغته كانت دولاً غربية، بينما كانت هناك غياب شبه تام للدول الأفريقية والآسيوية ودول الجنوب بشكل عام، التي كانت تعاني من الاستعمار آنذاك.
هذا الواقع يجعل من القيم والمبادئ التي يحملها هذا الإعلان موضع شك؛ إذ يتم اعتبارها انعكاسًا للفلسفة الغربية لمفهوم حقوق الإنسان، والتي تستند إلى التطورات التاريخية والسياسية التي مر فيها الغرب، كالثورة الفرنسية، والثورة الأمريكية، والثورة الصناعية.
وفي هذا الصدد، يحذر العديد من النقاد والفقهاء وحتى الفلاسفة من أن هذا الإعلان يصور فقط مفهوم الغرب، مع تجاهل تام للتنوع الثقافي والديني لشعوب دول الجنوب. ونتيجة لذلك، تنظر هذه الشعوب إلى منظومة حقوق الإنسان الدولية كأداة استعمارية تستخدمها الدول الغربية لتحقيق مصالحها السياسية، حيث يصبح مفهوم حقوق الإنسان من قيمة كونية إلى أداة سياسية تخدم مصالح القوى العظمى.
> صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان متأثرة بشكل كبير بالمدرسة الليبرالية الغربية التي تعلي من الفردانية وتهمش الحقوق الجماعية والثقافية والاقتصادية، وهي ذات المدرسة التي بررت تاريخيًا سياسة الاستعمار والاستغلال التي نفذتها دول أوروبا تجاه شعوب آسيا وأفريقيا.
### ازدواجية المعايير في تطبيق مبادئ حقوق الإنسان
كل متتبع للخطاب السياسي والدبلوماسي الغربي يجد أنه يوجد احتكار واضح لمفهوم حقوق الإنسان، حيث تقود الولايات المتحدة ودول ما يعرف بـ “العالم الحر” هذا الخطاب، مدعية أنها الحامية لهذه القيم. ولكن الواقع يكشف عن ازدواجية معايير صارخة في سياسات هذه الدول.
فمثلًا، استخدمت الولايات المتحدة حقوق الإنسان كذريعة للتدخل العسكري والسياسي في عدة مناطق حول العالم، بما في ذلك أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا. وقد بررت غزوها لأفغانستان بدعوى “تحرير المرأة الأفغانية” ونشر الديمقراطية، والذي أسفر عن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وخلق حرب أهلية ما زالت تمزق نسيج المجتمع الأفغاني.
كما غزت العراق تحت شعار “دمقرطة العراق” وإنهاء الاستبداد، لكن النتائج كانت مأساوية للمدنيين والبنية التحتية، مع انتهاكات واضحة لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وفيما يتعلق بفرنسا، فقد أفلتت من المساءلة عن الجرائم التي ارتكبتها أثناء استعمارها للجزائر، بما في ذلك التعذيب والقتل الجماعي. هذا التاريخ المليء بالتناقضات يجعل شعوب آسيا وأفريقيا تنظر إلى منظومة حقوق الإنسان الدولية بعيون مليئة بالشك، حيث إنها لا تعكس رؤيتهم لحقوق الإنسان ولا تأخذ في الحسبان خصوصياتهم الثقافية والدينية، بل تكون أداة سياسية تعكس الهيمنة الإمبريالية الغربية.
وفي هذا السياق، نجد أن صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان متأثرة بشكل كبير بالمدرسة الليبرالية الغربية التي تبرز الفردانية وتغفل الحقوق الجماعية والثقافية والاقتصادية. هذه المدرسة هي نفسها التي بررت تاريخيًا سياسة الاستعمار والاستغلال التي قادتها دول أوروبا تجاه شعوب آسيا وأفريقيا، معتبرة تلك الشعوب متخلفة وجاهلة تحتاج إلى “الرجل الأبيض” الذي سيأتي ليقدم لها الحضارة والتمدن، مما يفرض مصالح طبقية برجوازية.
وفي السياق الراهن، تأتي القضية الفلسطينية، خاصة في ظل الأحداث الأخيرة التي تمر بها المنطقة، لتؤكد الازدواجية والانتقائية في تطبيق المعايير.
### حقوق الإنسان بين الهيمنة الغربية والتاريخ الاستعماريتظهر الوقائع أن الإعلان عن حقوق الإنسان قد تم صياغته كأداة للهيمنة الغربية على بقية دول العالم. إذ يعتبر بمثابة وسيلة استعمارية وإمبريالية تُستخدم لاستغلال الشعوب والتدخل في شؤونها الداخلية.
#### تجاهل حقوق الإنسان في أماكن معينة
في الوقت الذي يتم فيه التركيز على انتهاكات حقوق الإنسان في أوكرانيا، تُغض الطرف عن الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين، بما في ذلك الاستيطان والإبادة الجماعية. هذا التجاهل ليس مجرد صدفة، بل هو نتيجة لنهج استعمار تاريخي استخدم لتبرير السيطرة على شعوب آسيا وأفريقيا.
#### الموقف الغربي: استعماري تاريخي
الموقف الغربي تجاه المنطقة العربية يتضمن اعتبارها منطقة نفوذ، حيث يظل هذا الموقف مرتبطًا بالاستعمار. لذا، لا يُستغرب أن تتجاهل حكومات الدول الغربية الجرائم المتواصلة في قطاع غزة. المشروع الصهيوني في فلسطين هو أداة أوروبية غربية، إذ أن الدول الأوروبية قد أسست هذا المشروع.
#### شعارات حقوق الإنسان كغطاء
شعارات حقوق الإنسان التي يستخدمها الغرب تُعبر عن محاولة لتغطية تاريخه الاستعماري الدموي. في حال سقوط إسرائيل، ستتأثر مكانة الغرب في المنطقة، إذ أنها تعتبر الحصن الأخير لمصالحه.
#### ازدواجية في تطبيق قواعد حقوق الإنسان
تتجلى الازدواجية في تطبيق حقوق الإنسان في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، حيث يتم التركيز على محاكمة الدول الأفريقية والعربية، بينما لا يُحاسب الغربيون على جرائمهم. هذا يشير إلى أن حقوق الإنسان وُضعت في الأصل للاستهلاك الداخلي في الغرب، ولم تُصمم لتُطبق على الشعوب المقهورة.
#### شكوك حول مصداقية حقوق الإنسان عالمياً
يتضح من ذلك أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، رغم ترويجه كقيمة كونية، يكتنفه الشك في تطبيقه عالميًا. في ظل الهيمنة الغربية الحالية، يبدو أن هذه المبادئ ليست إلا أداة تخدم المصالح السياسية والإستراتيجية للدول الكبرى.
هذا الالتباس في المواقف وتجاهل الانتهاكات المستمرة، مثل تلك في فلسطين، يكشف عن ازدواجية في تطبيق المبادئ واستبعاد التنوع الثقافي والسياسي لشعوب الجنوب، مما يجعل من هذه المبادئ غطاءً لتبرير السياسات الاستعمارية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.