الاثر الألماني في نزاع غزة.. تداعيات الاتفاقية بين شتراوس وبيريز تظهر في خان يونس

Photo of author

By العربية الآن



الاثر الألماني في الصراع بين اسرائيل وغزة

في ديسمبر 1957 بدأ التعاون العسكري الألماني مع إسرائيل (الجزيرة)
في زمن بارد من فصل الشتاء خلال سنة 1957 وتحديدًا في يوم 27 من شهر ديسمبر، اعتلى موظف يعمل في وزارة الدفاع الإسرائيلية يحمل اسم شائع بيريز سيارته في باريس وانطلق في رحلة إلى مدينة ميونيخ بولاية بافاريا الجنوبية في ألمانيا. قبل وصوله إلى هدفه بقليل، ضلّ طريقه في جبال البافاريا المغطاة بالثلوج. بسبب عدم استعماله لخريطة، اضطر إلى التوقف بجوار أحد المزارعين للاستفسار عن الطريق إلى إحدى القرى. بيريز فتح نافذة السيارة واستفسر من المزارع بسرية وبلغة إنجليزية غير متقنة عن الاتجاه نحو (روت أمّ إنّ) Rott am Inn، فاستغرب المزارع: “آه… يبدو أنك متجه إلى وزير الدفاع شتراوس”.

نعم. شائع بيريز الذي كشف هذا المزارع الألماني البسيط سرّه كان فعلًا في طريقه صوب وزير الدفاع الألماني آنذاك، فرانس يوزف شتراوس الذي سرد في سجلاته التي نُشرت عام 1989 جزءًا من قصة لقائه بشائع بيريز، رئيس وزراء إسرائيل مرتين.

كتب شتراوس في سجلاته أنه تلقى رسالة مشفرة تطلب منه استقبال وفد إسرائيلي بقيادة موشي ديان، رئيس الأركان حينها و”بطل معارك سيناء” وقد وافق على ذلك على الفور.

لأسباب مرتبطة بالسرية اللازمة للانعقاد -حسبما سجل شتراوس- لم يحضر موشي ديان واحتل مركزه الجنرال حاييم لاسكوف،قائد وحدة المركبات المدرعة في “حملة سيناء” وضابط ذو رتبة عالية آخر بالإضافة إلى زعيم الوفد شيمون بيريز.

تجمع فرانس يوزف شتراوس مع شمعون بيريز وبعضها مع موشي ديان:
فرانس يوزف شتراوس مع شمعون بيريز ويظهر موشي ديان على يمين الصورة (وكالة الأنباء الألمانية)

قدم شتراوس وصفاً مختلفاً لهذا اللقاء الذي يشير إلى أنه جرى في أجواء استثنائية. حيث أدلت المشاورات التي جرت لمدة خمس ساعات في “منزله الخاص” – كما أفاد وزير الدفاع الألماني – وليس في العاصمة الألمانية آنذاك بون، و”عندما امتد الحديث، أعدت زوجته العشاء وتبادلا الحديث حتى نصف الليل (…). الجو كان بارداً في الخارج فقط، أما بيريز وأنا، فلم نواجه أي تحديات لبدء حديث صريح وإنساني (…). منذ البداية، كان هناك أساس من الثقة قائم أظهر جدارته في الصمود على مدى عدة عقود، ومنذ البداية عرفت أن الإسرائيليين يميزون بين صداقات الأقوال الفارغة والأفعال الجريئة”.

فهم شتراوس وضيوفه أن تلبية طلبات الجانب الإسرائيلي يتطلب قرارات جريئة. إذ كانت القائمة مطولة: طائرات نقل ومروحيات ومدافع وصواريخ مضادة للدبابات. بالإضافة إلى ذلك، كان الجيش الألماني في مرحلة الإعمار وكانت مخزوناته من الأسلحة متواضعة و”لكني – وفق قول شتراوس – كنت استعد لطلبات بيريز وفريقه وكنت مستعدًا للتنازل بعض الشيء لأنني رأيت في ذلك واجبًا يلزمني تقديم المساعدة لإسرائيل المهددة التي تعيش في زمن صعب”.

وبسبب أن توريد الأسلحة لإسرائيل في تلك الفترة “لم يكن طريقًا واضح المعالم” حسب قولة ألمانية شهيرة ويخالف جميع قوانين ميزانية الدولة الألمانية، وبسبب عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين، يقول شتراواس إنه أراد “حماية نفسه”، وقد أطلع المستشار الألماني في ذلك الحين كونراد آدناور على اللقاء وطلبات إسرائيل، “وافق آدناور على الفور وبدأنا في تفريغ مخازن الجيش الألماني من الأسلحة وأعلنا للشرطة أنها تعرضت للسرقة (…) أما الطائرات والمروحيات والمعدات الثقيلة فقد تم نقلها بعد إزالة رموز ألمانيا الاتحادية عنها إلى فرنسا لنقلها من مرسيليا إلى الموانئ الإسرائيلية”.

مقال ضيف في الصحيفة الألمانية بايرن كوريير من عام 1985 بعنوان كيف تحول علاقة معرفة إلى صداقة
مقال في صحيفة بايرن كوريير حول جذور التعاون العسكري الألماني الإسرائيلي يعود للعام 1985 (أرشيف الصحيفة)

كانت قيمة هذه الأسلحة بالنسبة للجانب الإسرائيلي هامة من الناحية الروحية، وكانت تندرج ضمن التعويضات التي تعهدت ألمانيا بتقديمها لإسرائيل وفقًا لاتفاقية لوكسمبورغ (1952) التي التزمت فيها ألمانيا بسياسة دفع تعويضات لليهود الناجين من جريمة الهولوكوست (Wiedergutmachungspolitik) ولدولة إسرائيل باعتبارها وريثة حقوق الضحايا اليهود. هنا، يسجل شتراوس أن القيمة الإجمالية للأسلحة التي تم الاتفاق عليها في هذا اللقاء بلغت 300 مليون مارك ألماني غربي، وحدث ذلك كله بدون مقابل لسبع سنوات متتالية بسرية تامة حتى عام 1964 عندما تم الكشف عن سر شتراوس وبيريز خلف صفقة المركبات المدرعة. وفي ذلك الوقت، كان لودفيغ إيرهارد يشغل منصب المستشار لألمانيا.

(Limited rights for specific editorial clients in Germany.) 1910Politician, Dim Bundeshaus, Bonn1966 (Photo by ullstein bild/ullstein bild via Getty Images)
شرودر قام بتصنيف التعاون العسكري مع إسرائيل كأمر ضار بالصلات مع العرب (غيتي)

في نهاية المطاف، اعتبر شتراوس التعاون العسكري مع الإسرائيليين مُلفت للانتباه كونه قد أدى إلى استقالته من وزارة الدفاع نتيجة الضغوط التي مارسها عليه غيرهارد شرودر الذي أصبح في عام 1961 وزيرًا للخارجية (…). اعتبر شرودر أن التعاون العسكري مع الإسرائيليين يضر بالعلاقات مع الدول العربية.

ومع ذلك، تولى الكشف عن هذه الصفقات السرية مسؤولية كشف فقد الصحفيين الألمانيين: الأول من جريدة فرانكفورتر روندشاو في 26 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1964 والثاني من جريدة نيويورك تايمز الأمريكية في 31 أكتوبر من نفس العام. تم استقبال هذا الكشف بعد واسع من قبل الصحف المصرية التي قامت بتسليط الضوء على القصة ودفعت بالعلاقات بين ألمانيا الاتحادية والدول العربية – ولا سيما مصر – إلى مرحلة غير مستقرة. وهذا ما دفع مصر في 9 نوفمبر/تشرين الثاني إلى طلب واضح للحكومة الألمانية بتوضيح الأمور.

وصل الخلاف الدبلوماسي أخيرًا إلى مرحلته العنيفة التي قام فيها الرئيس جمال عبد الناصر بدعوة زعيم ألمانيا الديمقراطية الشرقية السابق والتي كانت تستدعي والتر أولبريخت لزيارة القاهرة، كما هددت بعض الدول العربية، بما في ذلك سوريا، بإقامة علاقات دبلوماسية مع ألمانيا الشرقية. بعد مناقشات طويلة في البرلمان الألماني تحولت إلى إمكانية تبني “عقيدة هالشتاين” التي تنص على قطع العلاقات الخارجية مع أي دولة تتعاون مع ألمانيا الشرقية. بعد مرور هذه الأحداث، دخلت ألمانيا في أول أزمة دبلوماسية خارجية منذ قيامها كدولة في مايو/أيار من عام 1949. وفي النهاية، اتخذت حكومة بون قرارًا بوقف تصدير الأسلحة إلى أي دولة تتورّط في صراعات بمنطقة الشرق الأوسط.

الصحيفة الألمانية نويس دويتشلاند، وهي واحدة من أبرز الصحف في ألمانيا الديمقراطية الشرقية (الشرقية)، تحتفي بزيارة أولبريخت إلى القاهرة. المصدر: أرشيف صحيفة نويس دويتشلاند
الصحيفة الألمانية نويس دويتشلاند تحتفي بزيارة أولبريخت إلى القاهرة (أرشيف نويس دويتشلاند)
بالرغم من أن قرار وقف صفقات الأسلحة الخفية بين الجانبين كان يَنتَج عنه على إلغاء الالتزام ببعض عقود التسليح، إلا أن المستشار الألماني آنذاك، إيرهارد، كان واثقًا من قراره وقرر بأنه في 12 مايو/أيار من سنة 1965 سيُقيِّم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

بعد سبع سنوات من توقيع اتفاقية بيريز وشتراوس وتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، وصل التعاون العسكري بينهما إلى نقطة ذروته اعتبارًا من عام 2003، حيث باتت ألمانيا تحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة – وفي بعض السنوات المرتبة الأولى – في توريد الأسلحة إلى إسرائيل.

رسالة من شيمون بيريز لفرانس يوزف شتراوس ترجع لعام 1974 المصدر صحيفة بايرن كوريير
رسالة من شيمون بيريز لفرانس يوزف شتراوس تعود إلى عام 1974 (أرشيف صحيفة بايرن كوريير)

زيادة 10 أضعاف بالرغم من النزاع على غزة

من الهيئات الغير ربحية والمنظمات غير الحكومية التي سجلت صادرات السلاح الألماني إلى إسرائيل في الأعوام الأخيرة من القرن الماضي منظمة الأبحاث الفورنس (Forensis). ووفقًا لتصريحات المشرفة على الدراسة الأخيرة التي نشرتها المؤسسة، دميترا أندريتسو لقناة الجزيرة، فقد منحت حكومة برلين منذ عام 2003 ما مجموعه 4427 ترخيصًا لصادرات أسلحة إلى إسرائيل بقيمة 3.3 مليارات يورو (3.5 مليارات دولار)، ورفضت الموافقة على 56 ترخيصًا فقط، مما يعني أن نسبة الموافقة على الطلبات الإسرائيلية بلغت 99.75%، وذلك رغم أن إسرائيل تعتبر دولة محتلة قامت في السنوات الأخيرة بشن حروب مدمرة على قطاع غزة.

وبخصوص التراخيص التي منحتها وزارة الاقتصاد الألمانية لتصدير أسلحة إلى إسرائيل في العام الماضي، تشير تقارير البرلمان الاتحادي (البوندستاغ) ومؤسسة فورنسِس (Forensis) ومعهد ستوكهولم لأبحاث السلام (سيبري) إلى أن هذه التراخيص شهدت عام 2023 ارتفاعا قياسيا.

ففي العام المذكور وحده، منحت وزارة الاقتصاد الألمانية بحسب المشرفة على دراسة مؤسسة فورِنسِس 308 تراخيص تم بموجبها تسليم إسرائيل أسلحة بقيمة أكثر من 326 مليون يورو (348 مليون دولار) بارتفاع 10 أضعاف مقارنة بعام 2022.

ومن اللافت أن 88% من هذه الأسلحة تمت الموافقة عليها في النصف الثاني من العام الماضي وتحديدا بعد السابع من أكتوبر. فوفقًا للقناة الألمانية الأولى “إيه آر دي” (ARD) منحت الحكومة الألمانية بين السابع من أكتوبر/تشرين الأول والثاني من نوفمبر/تشرين الثاني، أي في غضون 26 يوما فقط، 185 ترخيصا لتسليم إسرائيل أسلحة جديدة.

وإذا استثنينا التراخيص المخصصة لتسليم إسرائيل في العقدين الماضيين سفنا حربية كبيرة وغواصات وقوارب حربية، فيمكن القول إن عام 2023 شهد تسليم إسرائيل أكبر حجم من المعدات العسكرية الألمانية في غضون عقدين.

وبحسب التقرير رقم (WD 5 – 3000 -004/24) الصادر عن البرلمان الألماني في أبريل/نيسان الجاري ودراسة فورنسِس، شملت صفقات الأسلحة في العام الماضي تسليم إسرائيل أسلحة مختلفة توزعت على الشكل التالي: عربات مجنزرة ومدولبة (65 تصريحا) وتكنولوجيا عسكرية (57 تصريحا) وإلكترونيات عسكرية (29 تصريحا) وقنابل وطوربيدات (صواريخ مضادة للسفن) وصواريخ ومقذوفات ومتفجرات متنوعة (17 ترخيصا)، إضافة إلى كميات قليلة من الذخائر والمتفجرات المخصصة لأسلحة من العيار الثقيل وللأسلحة اليدوية.

وبخصوص ما يسمّى “القطاع الفرعي للأسلحة الحربية” فإن ألمانيا -كما ورد في الدراسة- زوّدت إسرائيل في العام ذاته بأسلحة بقيمة 20 مليون يورو، جاءت على الشكل التالي: 3 آلاف قطعة من الأسلحة المحمولة المضادة للدروع (قاذف RW 90 أو ماتادور)، و500 ألف قطعة ذخيرة للرشاشات والمسدسات وغيرها من الأسلحة اليدوية.

ماتادور من DND الألمانية إلى

الكيان الصهيوني

تعريف شركة DND بهذا السلاح https://dn-defence.com/rgw-90/?lang=en - من موقع الشركة
صورة لمدافع القذيفة الذي استُخدم في خان يونس (موقع شركة “دي إن دي”)
صورة لمدافع القذيفة الذي استُخدم في خان يونس (موقع شركة “دي إن دي”)
بخصوص ما يُعرف “القسم الفرعي للسلاح القتالي” فقد زوَّدت ألمانيا -حسب الدراسة- النظام الصهيوني في السنة نفسها بأسلحة بقيمة 20 مليون يورو، عبارة عن: 3 آلاف وحدة من الأسلحة المحمولة المضادة للدروع (مدفع “RW 90” أو قاذف ماتادور، و500 ألف وحدة ذخائر للرشاشات والمسدسات وسلاح آخر.

ومن بين أهم الأسلحة الخفيفة التي حصل عليها الكيان الصهيوني من ألمانيا مُشَتَّت القذيفة الأخف في العام ماتادور أو “RGW 90” الذي تقوم بإنتاجه شركة تصنيع الأسلحة الألمانية داينامايت “نوبل ديفنس” Nobel Defence (DND) التي تملك بالكامل منذ منتصف عام 2000 شركة الدفاع المتقدمة الإسرائيلية “رافائيل” (شركة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة).

https://www.civicus.org/images/AlexanderSchwarz.jpg
شفارتس: سلطات تصدير الأسلحة الألمانية صريحة (الجزيرة)

ويُشير شفارتس، نائب رئيس قسم القانون الدولي في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR)، الذي قدّم بالتعاون مع مركز حقوق الإنسان الفلسطيني “PCHR” ومنظمة الميزان لحقوق الإنسان في غزة، ثلاث شكاوى قانونية مقدمة ضد حكومة برلين في ألمانيا، إلى أن استحواذ شركة رافائيل الإسرائيلية على شركتها الألمانية “DND” لا يعفي الحكومة الألمانية من المسؤولية عن تزويد الجيش الإسرائيلي بمدافع ماتادور.

وأوضح شفارتس للجزيرة نت أن صلاحيات اتخاذ قرارات التصدير ونقل هذه الأسلحة تخضع لقوانين تصدير الأسلحة القتالية الألمانية، مشيدًا بزملائه في المركز لمُلاحظتهم أن المَجلس الأمني الألماني الفرعي الذي ينتمي إليه وزير الاقتصاد روبرت هابك المسؤول عن منح تراخيص تصدير الأسلحة، لم يُفحص بدقة المعايير المُعنية بإصدار هذه التراخيص.

وأشار إلى أنه لَو فَحَص وزير الاقتصاد القوانين الخاصة بتصدير الأسلحة بعناية، لَمعرف في منتصف أكتوبر أو بحلول نهاية أكتوبر الماضي أن الجيش الإسرائيلي يَنتِهك القانون الدولي الإنساني في قطاع غزة، ولذا لم يكن من المفروض قرار تصدير التراخيص.

هل تعتقد أن الحكومة الألمانية كانت ساذجة أم جاهزة للمخاطرة عندما منحت هذه التراخيص؟ سؤال قد يُطرح على شفارتس، الذي يُجيب بأن تقديم هذه السماحيات يتطلب دراسة وتقييم دقيق للتزامات ألمانيا بمعايير تصدير السلاح، وأن العمل في هذا الصدد يمكن أن يُكشَف عن إهمال في مراعاة حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي المتعلق بالنزاعات المُسلحة.

بإحكام المقتضيات القانونية، تعتبر ألمانيا منحت تصاريح لسلاح يستخدم في أنشطة عسكرية تنتهك القوانين الإنسانية الدولية.

القاذف ماتادور لا يقتصر على مواجهة المركبات المدرعة فقط؛ بل يستخدم كسلاح للقضاء على الأفراد في الخنادق وضد المباني وفي تدمير البنية التحتية، وذلك بفعاليته في اختراق 100 سم من الإسمنت المسلح. وتصف الشركة نفسها القاذف ماتادور بأنه “مصمم لمحاربة المركبات المدرعة والعربات وتدمير البنية التحتية والأفراد”.

تعريف شركة DND بهذا السلاح https://dn-defence.com/rgw-90/?lang=en - من موقع الشركة
ماتادور يستخدم أيضا ضد الأفراد (موقع شركة دي إن دي)
تشير نتائج دراسة مؤسسة فورنسِس إلى أن الجيش الإسرائيلي استعمل قاذف ماتادور خلال عملياته في قطاع غزة، وتحديدا في منطقة خان يونس. تثبت المشرفة على الدراسة ديميترا أندريتسو بأن البيانات المستخدمة تؤكد على تسليم ألمانيا في العام الماضي 3000 قطعة من قاذف ماتادور المضاد للمركبات المدرعة، وتؤكد استخدام هذه القاذفات في استهداف منازل الفلسطينيين في خان يونس.

محركات الميركافا

الأسلحة الألمانية المستخدمة في حرب غزة لا تقتصر على القاذف ماتادور فقط، بل تشمل أيضا المسيرات ومحركات الديزل للدبابة ميركافا 4.

Merkava Mk 4 Baz Main Battle Tank
الميركافا الإسرائيلية تعمل بمحرك ديزل ألماني (غيتي)

وتؤكد المشرفة على دراسة مؤسسة فورنسِس أن ألمانيا وافقت لإسرائيل على استخدام اثنتين من خمس مسيرات من طراز تي بي هيرون استأجرتها حكومة برلين من الحكومة الإسرائيلية.

تعليق الحكومة الألمانية على ذلك أكدت بأن وزارة الدفاع الألمانية تلقت طلبا من الحكومة الإسرائيلية بإذن استخدام مسيرات هيرون تي بي، وأقرت وزارة الدفاع في برلين بذلك.

ووفقًا لأندريتسو، فقد استخدمت إسرائيل هذه المسيرات لا يقتصر على تحديد أهدافها في غزة، ولكن أيضا لاستهداف المدنيين والبنية التحتية.

بشأن توفير إسرائيل بمحركات ديزل لدبابات ميركافا 4، أفادت أندريتسو أن هذه الدبابة تُعَد من أهم المركبات العسكرية المدرعة في الجيش الإسرائيلي. وأشارت أيضاً إلى أن برلين قامت بتقديم محركات لهذه الدبابات بالإضافة إلى إرسال محركات لمركبات النقل العسكرية المدرعة المعروفة بـ”مركبات نقل الأفراد المدرعة” وكذلك المركبات القتالية للمشاة مثل مركبة الأفراد المدرعة أيتان.

وأوضحت الدراسة أن سفينة الحرب ساعر 6 تم استخدامها في تنفيذ عمليات نارية من البحر خلال الصراع الأخير. وأشارت إلى مشاركة هذه السفن في حصار قطاع غزة من البحر في ظل تدهور الوضع الإنساني في القطاع.

وأظهرت وثائق دراسة مؤسسة “فورنسِس” تشابهًا مع تقارير من معهد بحوث السلام (سيبري) الذي أكد أن ألمانيا قدمت في عام 2023 نسبة 47% من وارداتها من الأسلحة لإسرائيل، بينما جاءت الولايات المتحدة في الصدارة بنسبة 53%.

سفينة ساعر

ووفقًا للمعهد، حصلت إسرائيل في العام المذكور على الأسلحة التالية من ألمانيا: جزئين من السفينة البحرية كورفيت ساعر 6 ومحركات ديزل من طراز “في 6″ لمركبة القتال المدرعة أيتان ومدرعة ” آي أف في” و50 محرك ديزل لدبابة ميركافا 4 و10 طوربيدات من طراز سي هاك وطوربيدات تحت الماء.

بدعة التفريق بين الأسلحة

عندما يتلقى المسؤولون الألمان اتهامات بتزويد إسرائيل بالسلاح خلال الحرب في غزة، يقومون بابتكار تصنيفات تمييزية بين الأسلحة الدفاعية والهجومية، وبتصنيف معظم الأسلحة الألمانية التي تم تزويد إسرائيل بها بعد السابع من أكتوبر في خانة “معدات تسلح أخرى”.

ويستخدم هذا التصنيف ليس فقط في المؤتمرات الصحفية، وإنما استخدم أيضاً من قبل فريق الدفاع الألماني في القضية التي رفعتها نيكاراغوا ضد ألمانيا أمام محكمة العدل الدولية، حيث أكد أن التمييز بين الأسلحة الدفاعية والهجومية هو “مجرد ابتكار” نظرًا لعدم وجود تمييز في قوانين تصدير الأسلحة الألمانية بين الأسلحة الهجومية والدفاعية.

المستشارة القانونية الألمانية لانيا فؤين فون أوسلار خلال جلسة الاستماع لدعوى التواطؤ في الإبادة الجماعية التي أقامتها نيكاراغوا في محكمة لاهاي (الأناضول)
المستشارة القانونية الألمانية لانيا فؤين فون أوسلار خلال جلسة الاستماع لدعوى التواطؤ في الإبادة الجماعية التي أقامتها نيكاراغوا في محكمة لاهاي (الأناضول)

وتظهر الأدلة التي حصلت عليها الجزيرة بشأن استخدام إسرائيل لسفينة الحرب ساعر 6 ومقذوفات ماتادور في حربها على غزة أهمية ذلك، ولم تكتفِ الأدلة بمؤسسة فورنسِس ومعهد سيبري بل تأكدت البرلمانية داغديلن في حديثها مع الجزيرة من “أهمية كبيرة” لتصديرات الأسلحة الألمانية للبحرية الإسرائيلية وتأكيدها على استخدام إسرائيل سفينة ساعر 6 ومقذوفات ماتادور في الصراع الدائر منذ سابع أكتوبر 2023.

تقوم داغديلن بتأكيد أن 3 آلاف صاروخ حصلت عليها إسرائيل من ألمانيا بعد السابع من شهر أكتوبر هي , تقنيًا، قاذفات دفاعية لا تستخدم ضد حواجز غير موجودة لدى حركة حماس، بل تستخدم أيضًا في “إدارة الصراع في المناطق الحضرية، حسب تقرير من البرنامج الاستقصائي المخصص للقناة الألمانية الرسمية الأولى “إي أر دي” (ARD)”.

باسم Sevem Dagdelen هي النائبة عن حزب (BSW) في البرلمان الألماني (بوندستاغ) الجزيرة
النائبة عن حزب “بي إس دبليو” بالبرلمان الألماني (الجزيرة)

وقد أتهمت النائبة الحكومة الألمانية بتجاهل القرار الذي أصدرته المحكمة الدولية في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، الذي يطلب من إسرائيل اتخاذ تدابير مؤقتة لمنع الإبادة الجماعية في غزة والتأسيس بها، قالت أن ألمانيا “تصبح قد تصل في السنوات الأخيرة الماضية إلى المركز الثاني بعد الولايات المتحدة بنسبة 47٪ من إجمالي الأسلحة التي حصلت عليها إسرائيل” من الخارج، وأنّ صادرات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل “سجلت ارتفاعا بمعدل عشر مرات في الأسابيع الأولى بعد السابع من شهر أكتوبر مقارنةً بنفس الفترة من عام 2022″، كل هذا على الرغم من مطالبة المحكمة الدولية والوضع الإنساني الكارثي الذي تسببه الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة.

رؤوس نووية

هذا الكرم الألماني في تقديم الأسلحة إلى إسرائيل لا ينحصر في تقديم اتخاذ قرارات بإرسال الأسلحة إلى دولة متهمة بارتكاب الإبادة الجماعية ولا حتى في مجازفة وزير الدفاع بتفريغ مخازن الجيش الألماني من الأسلحة وإرسالها إلى إسرائيل ضمن صفقات سرية تم التفاق عليها قبل عقود، بل يشمل أيضًا تقديم ودعم قطعة على نطاق واسع من الأسلحة أهمها الغواصات القادرة على حمل رؤوس نووية.

ميركل: أمن إسرائيل.. مصلحة وطنية ألمانية

Schimon Peres und Kanzlerin Angela Merkel waren einander freundschaftlich verbunden Quelle: dpa
ميركل مع شمعون بيريز (الألمانية)
ميركل مع شمعون بيريز (الألمانية)
ولذلك، في الرابع من يونيو/حزيران 2012، تم توجيه السؤال للمتحدث السابق باسم الحكومة الألمانية، شتيفن زايبرت، حول مدى تناسب موافقة الحكومة الألمانية على توفير الغواصات لإسرائيل مع المبادئ الأساسية التي وضعتها حكومة برلين عام 2000 لتصدير الأسلحة إلى الخارج.

زايبرت -الذي تم تعيينه سفيرًا لألمانيا في إسرائيل عام 2022- لم يفض في ذكر حتى كلمة واحدة حول هذا الموضوع

المفاهيم الصريحة التي حاولت تلخيصها حكومة الاشتراكي الديمقراطي لغيرهارد شرودر (المستشار الألماني بين عامي 1998 و 2005) تم تقديمها في 8 صفحات، ولكن تم الانتقال فوراً إلى الخطاب الذي ألقته خليفة شرودر المحافظة، أنجيلا ميركل (المستشارة الألمانية بين عامي 2005 و 2021)، في عام 2007 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث استخدمت مصطلحًا جديدًا لتصف العلاقات بين بلادها وإسرائيل على نحو غير مسبوق في تاريخ هذه العلاقات التي بدأت رسمياً في مايو/أيار عام 1965، وهي بعد 8 أعوام من صفقة السلاح السرية بين شتراوس وبيريز.

في تلك الفترة، صرحت ميركل قائلة:
“جميع الزعماء الألمان قبلي كانوا ملتزمين بمسؤولية ألمانيا التاريخية تجاه وجود إسرائيل. أنا أيضا أقر بوضوح هذه المسؤولية التاريخية الخاصة. إنها تجعل أمن إسرائيل جزءًا من مصلحة بلدي. وبالتالي، فإن أمن إسرائيل بالنسبة لي كمستشارة لألمانيا لا يمكن المساومة عليه بأي شكل من الأشكال”.

من خلال استخدام مصطلح “مصلحة وطنية” – المعروف بالألمانية بـ “Staaträson” – الذي تكرره ميركل في خطابها عام 2008 أمام الكنيست، أظهرت المستشارة المحافظة تطورًا في علاقات ألمانيا مع إسرائيل يتجاوز أي تطور شهده أي من المستشارين الألمان.

المستشار الحالي، الاشتراكي الديمقراطي، أولاف شولتز، بقي ملتزمًا بهذه السياسة، وقام بزيارة تضامنية لإسرائيل بعد السابع من أكتوبر، وأعاد ربط أمن إسرائيل بـ “مصلحة وطنية ألمانية” دون زيادة أو نقصان.

Olaf Scholz - Volodymyr Zelenskyy meeting in Germany
شولتز بقي ملتزمًا بسياسة ميركل تجاه إسرائيل (الأناضول)

يرتكز هذا المصطلح بشكل أساسي على الخطاب السياسي دون أي أسس قانونية، وبالتالي لا يحمل أية صبغة قانونية، لكنه يجسد سنوات عديدة من العلاقات الخاصة التي تبقى مهمة بدعم عسكري كبير، خاصة في مجال الأسلحة البحرية، خاصة السفن والغواصات؛ حيث تعتبر ألمانيا من الدول الرائدة في مجال صناعة الأسلحة البحرية.

وفي مجال السفن الحربية، استنادًا مباشرة إلى الخبرة الطويلة لشركتين ألمانيتين من الدرجة الأولى في مجال صناعة المعدات العسكرية البحرية، فإن إسرائيل تعتمد بشكل كبير على تلك الشركات الألمانية العالمية.

يتعلق الأمر هنا بسفينة الحربية “كورفيت” أو الساعر 6، التي تتكون من أربع سفن، وهي من تصميم الشركة الألمانية لصناعة الغواصات والسفن الحربية “توسن كروب” وتم تصنيعها بواسطة الشركة الوطنية الألمانية “جيرمان نافال ياردز كيل” في مدينة كيل شمال ألمانيا.

وفقًا لمجموعة توسن كروب، تم استلام إسرائيل للسفن الأربعة على النحو التالي:

  • INS Magen (الدرع) في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
  • INS Oz (الجرأة) في مايو/أيار 2021.
  • INS Atzmaut (الاستقلال) في إبريل/نيسان 2023.
  • INS Nitzachon (الانتصار) في ديسمبر/كانون الأول 2023، أي بعد شهرين من بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
    h 56536668
    سفينة الدرع عند وصولها إلى القاعدة البحرية في ميناء حيفا في ديسمبر/كانون الأول 2020 (الأوروبية)

مع وصول السفينة الأخيرة في ديسمبر/كانون الأول وبدء خدمتها، فإن خطة استبدال السفن من فئة الساعر 5 التي تم الحصول عليها من الولايات المتحدة بأربع سفن من نوع الساعر 6 قد اكتملت.

وبلغت تكلفة السفن الأربع 430 مليون يورو (461 مليون دولار)، وتم تحمل جزء صغير من هذا المبلغ من حكومة ألمانيا، ويجب ملاحظة أن هذه التكاليف لا تشمل التسليح.

وأجهزة الاستشعار التي تحملها هذه القوارب والتي أصرت الحكومة الإسرائيلية على أن تكون مصنوعة محليًا.

ووفقًا للمعلومات المقدمة من الشركة المصممة، فإن سُرعة هذه القوارب تصل إلى 30 عقدة (56 كم في الساعة) ويُقدر طولها بـ 92 مترًا وعرضها بـ 13 مترًا، وتحتوي على تقنية التخفي.

ومدى استعداد الحكومات الألمانية اللاحقة للمشاركة في تمويل صفقات الأسلحة لصالح إسرائيل والمستوى العالي لجودة الأسلحة البحرية الألمانية دفع إسرائيل لمنح الشركة الألمانية “شرف” -وفق وصف الشركة ذاتها- تزويد البحرية الإسرائيلية بالقوارب، وأيضًا بالغواصات القادرة على حمل رؤوس نووية.

في العشرين من يناير/كانون الثاني 2022، تم توقيع اتفاقية إطارية بين شركة توسن كروب ووزارة الدفاع الإسرائيلية لاقتناء 3 غواصات من طراز داكار.

Israeli navy submarine 'Rahav' travels along the Nord-Ostsee-Kanal near Rendsburg, Germany, 17 December 2015. The vessel, which was built in Kiel, is leaving Germany and is due to reach Israel in January 2016.
صورة توضح الغواصة ‘راهاف’ وهي تجتاز قناة نورد-أوستزي بالقرب من ريندسبورغ في ألمانيا في 17 ديسمبر 2015 (الأوروبية)

من خلال هذه الاتفاقية، تكون ألمانيا هي الوحيدة في التعاقدات لتوريد الغواصات لإسرائيل سواء كانت الثلاث الجديدة -داكار- التي سيتم استلام القطعة الأولى منها بعد 9 سنوات في 2030، أو الست الأخرى من طراز دولفين -حيث خمس منها قادرة على حمل رؤوس نووية- التي تم تصميمها وإنتاجها بين عامي 1992 و2021 في المرافق التابعة لشركة “ثوسنكروب” (ThyssenKrupp)، ومن المقرر بدء تسليمها تدريجيًا ابتداءً من عام 2027 لتحل محل الغواصات الداكار الجديدة.

وقد علقت الشركة المصنعة على توقيع الاتفاقية قائلة “كشركة توسن كروب للأنظمة البحرية، فإننا نشعر بالفخر بمواصلة التعاون الطويل -الذي يمتد لعقود- مع وزارة الدفاع الإسرائيلية والبحرية الإسرائيلية”، وأضافت “تظهر هذه الاتفاقية التزام شركة توسن كروب للأنظمة البحرية بضمان أمن إسرائيل على المدى البعيد”.

ووفقًا للشركة، فإن فئة الغواصات داكار ستتمتع بتصميم جديد تمامًا وسيتم تصنيعها خصيصًا لتلبية احتياجات العمليات البحرية الإسرائيلية.

جدير بالذكر أن تسمية الغواصات الجديدة بعد داكار تأتي تكريمًا لغواصة آشي داكار الإسرائيلية التي غرقت في ظروف غامضة في عام 1968.

العقدة

تؤكد عدة أطراف مهتمة بصفقات الأسلحة بين ألمانيا وإسرائيل أن الأخيرة لم تكن على استعداد لتوقيع صفقات أسلحة باهظة (مثل الغواصات في هذه الحالة) إلا إذا كانت الحكومة الألمانية على استعداد لحل مسألة التمويل الباهظ.

ومن بين هذه الأطراف المركز الألماني للشؤون الأمنية عبر الأطلسي “بي آي تي إس” (BITS) الذي يشير إلى أن “مشروع الغواصات الدولفين” يعتبر نموذجا يُحتذى به لصفقات الأسلحة بين ألمانيا وإسرائيل، ويظهر بجلاء أن أي اتفاقية لتزويد إسرائيل بالأسلحة “لن تتم إلا إذا كانت الجهة المُصدرة -وهي في هذه الحالة ألمانيا وفي حالات أخرى الولايات المتحدة- على استعداد لدفع تكاليف هذه الأسلحة”، مما يُعني حصول إسرائيل على هذه الأسلحة المُعقدة تقريبًا مجانًا. وتشير الدراسة إلى أن المكلفين في ألمانيا تحملوا ما يقرب من 85% من تكاليف الغواصات الست.قررت سلاح البحرية الإسرائيلي طلب خمس غواصات تعمل بالديزل ليحل محل غواصات “غال”، وقامت بتوجيه هذا الطلب إلى الشركة الألمانية “آي كي إل” في مدينة لوبِك شمالي ألمانيا. تأخر هذا المشروع بسبب نقص التمويل، وبعد فشل إسرائيل في الحصول على تمويل من برنامج التمويل الأميركي؛ قامت الحكومة الألمانية بدعم المشروع وتقديم تمويل من أجل صناعة الغواصات.

في عام 1991، وافق المستشار الألماني هيلموت كول على دعم صفقات أسلحة لإسرائيل بقيمة 1.2 مليار مارك غربي. تم توقيع الاتفاقيات اللازمة لإتمام صفقة صناعة غواصتين من بين خمس. وبدأت المفاوضات في عام 1992 من أجل صناعة غواصة ثالثة، وتم توقيع الاتفاقية في عام 1995.

أثناء فترة تولي المستشار الألماني السابق زعمتغد الدعم لإسرائيل، وتم توريد الغواصات وفق الاتفاقيات الموقعة. قبل ترك منصبه عام 2005، وافق على تصدير غواصتين إضافيتين. وفي عام 2012، تم توقيع عقد مع إسرائيل لتصدير غواصة سادسة.

يواجه البرلمان الألماني انتقادات بسبب إمكانية تزويد الغواصات برؤوس نووية، وتطالب بوقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل. يتزامن الدعم العسكري الألماني مع تأييد سياسي لحكومة إسرائيل في حروبها. في أكتوبر، قامت حكومة أولاف شولتز بدعم سياسة الحكومة الإسرائيلية والجيش في غزة.

وأكد شولتز عدة مرات أن إسرائيل هي “جمهورية ديمقراطية تدير بمعايير إنسانية جدية. ولذلك، يمكننا أن نكون واثقين من أن الجيش الإسرائيلي يلتزم بالقوانين الدولية”، مشيرا إلى أنه “ليس لديه شك” في ذلك.

اتهمت النائبة داغديل الحكومة التي يديرها شولتز بـ “النفاق” و “تطبيق معايير مزدوجة” وعدم الاكتفاء بـ “الصمت حيال جرائم الجيش الإسرائيلي”، بل استمرت في “تقديم الدعم العسكري” لهذا الجيش.

اعتبرت المسؤولة “الدعم العسكري غير المحدود” الذي تقدمه ألمانيا والولايات المتحدة لإسرائيل بمثابة “إشارة مباشرة (ضوء أخضر) للإبادة الجماعية” في غزة، قائلة إن “تطبيق معايير مزدوجة يعرقل الحلول الدبلوماسية ويسهم في تصاعد الصراع”.

هذا الدعم السياسي ترجمته الحكومة الألمانية أيضاً إلى تضامن مع إسرائيل أمام المحكمة الدولية عندما أعلنت عزمها التدخل كطرف ثالث في مواجهة اتهام جنوب أفريقيا لإسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، ولكن هذا الدعم أحضر إلى ألمانيا مفاجأة متوقعة عندما قدمت نيكاراغوا دعوى ضد حكومة برلين بتهمة توريد الأسلحة لإسرائيل على الرغم من الحرب المدمرة التي يشنها الجيش الإسرائيلي في القطاع.

Joint plaintiffs are seen at the courtroom prior to the start of the first trial of suspected members of Syrian President Bashar al-Assad's security services for crimes against humanity, in Koblenz, Germany, April 23, 2020. Thomas Lohnes/Pool via REUTERS
المركز الأوروبي للحقوق الدستورية قد رفع 3 دعاوى ضد الحكومة في ألمانيا (رويترز)

أمام القضاء الألماني

ولكن التقاضي القضائي للحكومة الألمانية لا يقتصر على اللجوء إلى محاكم دولية. في ألمانيا نفسها، تم رفع حتى الآن ثلاث دعاوى، حيث يقف وراء إحداها “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان” “إي سي سي أتش آر”.

وتطلب الدعوى التي تم تسجيلها في 11 أبريل/نيسان 2024 من المركز “المقاضاة ضد الحكومة الألمانية بسبب صادرات الأسلحة إلى إسرائيل التي تُستخدم في قطاع غزة”، وعلى أن تُقدم الدعوى إلى محكمة برلين الإدارية بالتعاون مع المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ومركز “الميزان” لحقوق الإنسان في غزة ومنظمة “الحق” الفلسطينية.

<

div class=”longform-block”>

<

div class=”container”>

<

div class=”container__inner”>

<

div class=”l-col l-col–8–centered”>

<

div class=”longform-text”>

<

div class=”wysiwyg css-4kcvsr”>ووفقًا للمحامي المسؤول عن الدعوى، ألكسندر شفارتس، الغرض من التقاضي القضائي هو إجبار حكومة برلين على “وقف فوري لجميع تراخيص توريد الأسلحة إلى إسرائيل وخاصةً المدفعية”، وذلك في إشارة إلى المدفعية ماتادور التي تم استخدامها وفقًا لدراسة مؤسسة فورينسيس في خان يونس.

وأكد شفارتس، في مقابلة مع الجزيرة، أن الدعوى مستندة إلى “إشارات تشير إلى ارتكاب إسرائيل لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة”، مشيرًا إلى أن “حكومة ألمانيا تنتهك مع صادرات الأسلحة إلى إسرائيل اتفاقيات القانون الدولي واتفاقية منع الإبادة الجماعية والقوانين الدولية واتفاقيات جنيف المُبرمة”.

وفقًا لشفارتس، يمتلك المركز “أدلة قوية جسدية” على استخدام أسلحة ألمانية في غزة و “يعلم بشحن أسلحة ألمانية إلى إسرائيل بعد السابع من أكتوبر وتحديدًا المدفعية ماتادور من صُنع ألماني”، مُشيرًا إلى أن “اسم وتعريف المدفعية يوحيان بأنها سلاح دفاعي، ولكن يُستخدم في العمليات العسكرية في المناطق الحضرية بشكلًا خاص ضد المنازل والسيارات والجدران، مما يعني أن هذه المدفعية ليست مُصممة لمواجهة الدروع”.

وأعرب شفارتس عن تفاؤله بنجاح الدعوى أمام المحكمة، مشيرًا إلى القانون الألماني لرصد تصدير الأسلحة القتالية مؤكدًا أن “الفقرة الثالثة من المادة 6 في هذا القانون تنص على منع منح التراخيص لتصدير الأسلحة القتالية إن كانت هذه التراخيص ستجعل ألمانيا تنتهك الاتفاقيات”.

<

div>

awtadspace 728x90

وتمثل الجهة في هذه الدعوى خمس عائلات من غزة، بما فيها عائلة عبد الرحمن جمعة التي فقدت زوجتها نور أبو النور وابنتها الرضيعة كنزي في هجوم على منزل العائلة في رفح في شهر فبراير/شباط 2024.

وبحسب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، فإن الهجوم استهدف منزل الدكتور ناصر أبو النور، الذي هو عميد كلية التمريض في الجامعة الإسلامية بغزة، مما أدى إلى وفاة مالك المنزل وزوجته وابنه و4 بنات لهما، بما فيهن المحامية نور زوجة عبد الرحمن جمعة، والطفلة الرضيعة كنزي.

وختم المحامي شفارتس بالمادة الثانية في الدستور الألماني بقوله “عبد الرحمن جمعة يحق له الحياة، وهذا الحق يستند إلى دعوتنا ضد الحكومة الألمانية بموجب الدستور الألماني، مؤكداً أن المادة الثانية تضمن الحق في الحياة، وذلك حينما تكون الحكومة الألمانية مسؤولة عن تأمين الحماية في كل مكان تشكل فيه أفعالها خطراً على حياة الإنسان.

وهنا ليس فقط لحياة الألمان فقط، ولكن لحياة كل إنسان يتأثر بأفعال الحكومة الألمانية (…) في ألمانيا، هناك مفهوم حصل على احترام من جميع القضاة والمحاكم وهو: إذا كانت القرارات السياسية التي اتخذت في برلين لها آثار في مناطق خارج ألمانيا، فإن ذلك يعني أنه يجب على ألمانيا توفير الحماية للأشخاص في تلك المناطق، وفي هذه الحالة يكون عبد الرحمن جمعة محمياً بموجب الدستور الألماني أيضاً؛ لأن الأسلحة الألمانية تستخدم في غزة (…).

هذا الأمر مهم من الناحية القانونية وأيضاً لأنه يتيح للدستور الألماني مرونة كبيرة عندما يتعلق الأمر بمسائل أساسية مثل الحياة والموت والبقاء على قيد الحياة، وهذا يعطي السيد عبد الرحمن جمعة وموكليه الأربعة الحق في طلب العدالة أمام المحاكم الألمانية، وهذا هو دورنا كمدافعين عن العدالة”.

المصدر : الجزيرة

قد يعجبك ايضا

أخبار السياسة

أقرأ أيضا

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.