الاخراج السوري مؤمن الملّا: مسلسل “أغمض عينيك” هو الشكل الأبيض في حياتنا | فن

Photo of author

By العربية الآن

لم يحصل في تاريخها أن وجد مخرجًا تلفزيونيًا سوريًا شجاعًا بالقول بأن الدراما في بلده تحولت إلى “نشاط كسب العيش، وأصبح من الصعب تقديم فن حقيقي من خلالها”.

هذا ما أعلن عنه المخرج السوري مؤمن الملّا، مثيرًا الجدل بهذا القول. لذلك، سنبدأ حوار الجزيرة نت معه بطرح سؤاله: متى يصبح النشاط كسبًا للعيش ومتى يستطيع إضفاء قيمة فنية وحياتية عليه؟ يجيب: “جميع منتجي دراما بلادنا يعرفون أن الهدف الرئيسي هو الكسب، ويتوجب علينا نحن المنتجين أن نقدم -أثناء ممارستنا لحياتنا المهنية- ترفيهًا وتسلية ونحاول تضمين قيمة فعالة في منتجنا الدرامي، عسى أن تنعكس إيجابيا على المجتمع رغم التحديات المتعددة، حيث أن التحكّم مجرد عذر، ولدينا تحديات كبيرة مع رأس المال بشكل عام، وظروف صعبة أخرى! بشكل شخصي، أجرب تقديم محتوى إنساني عميق في عمل أعيش منه”.

في هذا الموسم، يعود الملّا للمرة الأولى بعيدًا عن أجواء البيئة الشامية المعتادة، خاصة أنه سبق وخاض تجربة طويلة مع هذا النوع من الدراما.

على الرغم من ذلك، يبدو أن الصفحة انقلبت للمخرج مؤمن الملّا، إذ يقدم هذا العام مسلسل “أغمض عينيك” من إعداد لؤي النوري وأحمد الملا وبطولة عبد المنعم عمايري، وأمل عرفة، ومنى واصف، وأحمد الأحمد، ويُعرض على منصة “شاهد” والتلفزيون السعودي.

وبالنسبة لإيقاف الدراما الشامية حتى إشعار آخر، يقول الملّا بأن “أي طرف أو فرد يعمل في المجال الفني يحتاج إلى خطة لتطوير مهاراته وقدراته وفعاليته، ومن المؤكد أنه سيصبح خارج الصورة. لذا، يُمكن اعتبار (أغمض عينيك) كتجربة جديدة بالنسبة لي، ومن المؤكد أن الهدف هو تفادي التكرار، حيث أن النتيجة ستكون الفشل”.

ويتابع بالقول “فيما يتعلق بالدراما الشامية أو الشعبية -كما أحب تسميتها بالدرجة الأولى باعتبارها تحمل في طياتها الخيال في الرواية- فطالما أنني لا أجد شيئًا جديدًا بعد سنوات من تقديم الروايات التي نالت شهرة واسعة، كان من الضروري البحث عن قصة جديدة تستحق الارتباط بها والاهتمام بها، وإذا لم أكن مؤهلا لتلك المحاولة، فلن أكرر الخطأ”.

المخرج مؤمن الملا (ويكيبيديا)
المخرج مؤمن الملا (ويكيبيديا)

تحدّي تواصل

يقدّم “أغمض عينيك” موضوعًا حسّاسًا ومعقّدًا، وينغمس في قضية إنسانية صافية، إذ تدور قصته حول “جود” الطفل المصاب بالتوحّد، ويعاني صعوبات في التواصل والتحدث. يعيش مع والدته “حياة” بمفرده بعد تخلي والده عنهما. تجدر على الأم تركه وحده في مواجهة هذا العالم القاسي. يتولى “مؤنس” الرجل الخمسيني الذي يعمل مُدرّس رياضيات مهمة هذه الصعوبة ويتسم تصرفه باللطافة والسلام والتعاطف مع الجميع، إذ أصبح وحيدًا بعد فقدان زوجته وابنه الصغير في حادث سيارة. يتشكل بين جود ومؤنس علاقة قوية غير مفهومة، لكن هذا الأخير سيصطدم بالعديد من التحديّات للحفاظ على الطفل في أيدي آمنة.

من هنا تستهل رحلة جود ومؤنس في مواجهة التحديات القاسية للحفاظ على الحياة. يكبر جود بعيدًا عن والدته ويتمكن من التحاق بالجامعة بعد نضال طويل. تتبدّل الصراعات وتتغير العلاقات بطريقة مفاجئة مع ظهور أشخاص جدد في حياة جود وعودة والدته وتطوّر الأحداث وسط تساؤلات عميقة.

 

وعن سبب اختيار المواضيع التحديّة المرتبطة بطفل مصاب بالتوحّد، يوضح المخرج للعمل أنه “منذ سنوات بدأت أطرح على نفسي تساؤلًا لم أجد له إجابة دقيقة، حول ضعف التواصل بين الأفراد في أغلب الحالات. وهو ما دفعني نحو اضطراب طيف التوحّد، حيث يُصف بأنه إعاقة في التواصل”.

وأضاف المخرج “درست هذا الموضوع بمساعدة فريقي، وتبيّن لي أنه ربما يعاني جميع البشر من مشاكل في التواصل، لكن البعض يصبح تشخيصه ضمن اضطراب طيف التوحّد، هنا وجدت من الضروري تقديم عمل يتناول مثل هذا التنوع، ليحكي قصة هؤلاء الذين يُعانون صعوبات التواصل، ولا يجدون إلا حلا وحيدًا يتمثل في إحاطتهم بالحب، حيث لا يُمكن تخطي هذه الإعاقة إلا من خلال الشعور بالدفء والطمأنينة. من هنا انطلقت فكرة مسلسل (أغمض عينيك) ليضم رسالة واحدة رئيسية، وهي أننا جميعًا مُختلفون ولكن دعونا نحُل هذه المشكلة بمقدار إضافي من الحب نقدمه لبعضنا”.

حالة فريدة جدًا

وفي هذا السياق، يظهر تقديم “أغمض عينيك” كمُغامرة مختلفة عن المألوف والابتعاد عن منهجية التشويق وفقًا للمعايير التسويقية، إذ يقول المخرج “لنفترض ذلك! من خلال مراقبتي للدراما التلفزيونية، وبالتحديد السورية، يبدو بوضوح أنه غالبًا ما تنغمس أعمالها في ما يُعرف بـ (الفيميه)، أي: العُنف، الدم، الخِيانة.. ولا أفهم لماذا هذا التركيز الشديد على نوع واحد من المواضيع بهدف خلق الإثارة. جيد، السؤال الذي ينبغي طرحه هو: أين الجانب الإيجابي في حياتنا الذي لا يزال حاضرًا رغم كل التحديّات؟! ووفقًا لهذا، يجب التخلص من القسوة والعُنف”.

وعلى الرغم من التحديات التسويقيّة الكبيرة عند إنتاج مثل هذه الأعمال، نجح مسلسل “أغمض عينيك” في الوصول للجمهور هذا الموسم على منصة “شاهد” والتلفزيون السعودي وبعض المحطات الأُخرى، وعقب المخرج على هذا النجاح بالقول: “كُنت خائفًا جدًا من ذوق الجمهور العام بعد سنوات من سيطرة الأعمال الإثارية، ولكن لاحظت وجود رغبة حقيقية من قبل العديد من المحطات والمنصات في هذا النوع من الدراما، مما يخلق حماسًا زائدًا ورغبة عميقة في تقديم مشاريع إنسانية مماثلة”.

وعن مشاريعه التلفزيونية القادمة، أوضح المخرج “لدي توجه نحو تقديم الفرصة للشبان المُبدعين بينما نحتفظ بالتركيز على الأعمال ذات الجودة التي لا تتشابه مع الأعمال السائدة حاليًا، وسيتم تقديم مشروع واعد يرتقي لما نتصوره وما نشعر به في قلوبنا، وما نحتمل من مهارات في هذه الصناعة، وسيعلن عنه قريبًا”.

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.