ما عاد للإيرانيين – حسب الظاهر على الأقلّ – غير ذراعين قصيريتن: الذراع الحوثية التي لا تزال تتعرض للدولة العبرية بالصواريخ والمسيَّرات الضئيلة التأثير، لكنها لا تزال تنطلق رغم الردود الإسرائيلية في الجو والبحر أخيراً، وذراع «حزب الله» من لبنان. والطريف والغريب أن ردود أفعال الحزب على الضربات الإسرائيلية تتمثل في تحرش «الأهالي» (هكذا يسميهم إعلام الحزب) بالقوات الدولية في الجنوب!
تكتيكات إيران في التفاوض على النووي كانت تحظى باحترام الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي قال إنّ التفاوض مع الإيرانيين صعب، لكنه الآن يبدو أنه قد غير رأيه معهم وقد بدا ذلك واضحاً من التصعيد الجديد. والخلاف الباقي فيما بينهم على التخصيب. ويقول الإيرانيون إنهم لن يوقفوا التخصيب، ويضيفون أنّ الأميركيين لا يعرضون في المقابل شيئاً معتبراً مثل رفع العقوبات. وهكذا نفهم أن التسليم بوقف التخصيب، يقتضي أن يجد مقابلاً له، وهو وقف العقوبات. والحوثيون هم الذين يمارسون الضغوط التي يعتقدون ويعتقد الإيرانيون أنها تفيدهم! إنما لأنها ليست كافيةً لهذه الجهة فيما يبدو، فقد أعلن الإيرانيون أنهم حصلوا على وثائق من عند العدو الإسرائيلي تكشف المواقع النووية الإسرائيلية، والمواقع العسكرية المهمة، وهم سيقومون بضربها بقوة إذا تحركت إسرائيل ضدهم! فالانكشاف الإيراني عسكري وهم يهددون بالمثل، ولا نعرف إن كان الإسرائيليون يصدّقون قدراتهم بهذا الشأن؛ لأنهم يذهبون إلى أنّ تأخير هجومهم على إيران ما كان بسبب قدراتها، إنما بسبب منع ترمب لهم ما دام التفاوض مستمراً مع الإيرانيين رغم صعوباته!
الانكشاف اللبناني أوضح وأكثر إثارةً للإحباط. فطوال أشهر كان المسلَّم به أن هناك محادثات سرية لنزع سلاح الحزب يتوسط فيها نبيه بري رئيس مجلس النواب. وقد نشأ انطباعٌ مفاده أنّ الرئيس والحكومة يتنازلان لبري والحزب في المواقع والمناصب في الدولة، كما كان يحصل سابقاً وأكثر، في مقابل تنازلهم في موضوع السلاح. لكنّ التنازل في موضوع السلاح لم يحصل حتى في جنوب الليطاني، حيث ينبغي أن يُطبق القرار رقم 1701 بصرامة. فكل المواقع التي جرى تفتيشها وتجريدها ما سلمهم إياها الحزب، بل أخبرتهم بها إسرائيل بواسطة لجنة الرقابة على وقف النار! لكنّ تحرش شبان الحزب بالقوات الدولية، وقد تكرر وتفاقم، يدل على أن القوات الدولية صارت فعّالةً أيضاً في كشف أنفاق الحزب وتحصيناته ومواقعه بإطلاعٍ إسرائيلي ومن دون إطلاع. وهكذا، فإنّ تكتيك رئيس الجمهورية في التبادل والتفاوض لم ينفع حتى في جنوب الليطاني، فكيف سينفع في بقية أنحاء لبنان وبخاصةٍ في نواحي بيئة الحزب في ضاحية بيروت وفي البقاع وعلى الحدود السورية مع لبنان؟!
يضاف إلى هذا الضعف الظاهر تجاه الحزب وسلاحه، الانكشاف أمام السياسة الأميركية، والتي تعلن بعد كل هجوم إسرائيلي قوي، أنها تؤيد إسرائيل في دفاعها عن نفسها! وقد انفرجت أسارير بعض أنصار الحزب المسلَّح عندما أُعلن عن إيقاف عمل أورتاغوس على الملف اللبناني دونما تعيين بديل حتى الآن. لكن حدث قبل تغيير أورتاغوس تغيير الجنرال الأميركي الذي يرأس لجنة الرقابة على وقف النار، وتضاؤل فاعلية لجنة الرقابة، وعدم إصدارها بيانات بعد الهجمات الإسرائيلية المستمرة. هناك نوعٌ من الغموض في سياسات الولايات المتحدة تجاه لبنان، في الوقت الذي يندفع فيه الأميركيون في سياساتهم تجاه سوريا الشرع. فيبدو أن السلطة الجديدة فقدت الحظوة بسبب الفشل المبدئي في خطوات نزع سلاح الحزب، وحتى نزع سلاح الفلسطينيين في المخيمات وخارجها.
جاء لودريان إلى لبنان ليبحث مسألة مؤتمر التضامن مع لبنان الذي تقيمه باريس، وقضايا الإصلاح المالي والاقتصادي. وقد بدا أن هناك تقسيماً في الملفات: فالمسألة مع إسرائيل تتولاها الولايات المتحدة، بينما تتولى فرنسا أو تتابع ملفات الإصلاح المالي والاقتصادي، ولودريان يستبطئ الخطوات اللبنانية لهذه الناحية، لكنه يشير إلى ارتباط مسائل مساعدة لبنان، بتقدم العهد في نزع سلاح الحزب. فلبنان متأخر في الخطوات الإصلاحية، ولا تقدم في المسألة الأخرى الأهمّ. وأخيراً، لا يفهم الدبلوماسيون الغربيون أسباب تحرش الحزب وأنصاره بـ«يونيفيل». فهؤلاء يشكلون حمايةً للبنان في وجه إسرائيل.
يتحدث الإعلاميون الأميركيون والإسرائيليون عن الانكشاف الإيراني أمام التفوق العسكري والأمني الإسرائيلي، مع تهديد وكالة الطاقة النووية بإدانة إيران. لكنهم يتحدثون عن الانكشاف اللبناني وقصور العهد والحكومة على كل المستويات بما في ذلك العجز عن منع عصابات الفتيان من التعرض لدوريات القوات الدولية!
رابط المصدر