التألم.. هل هو إحساس جسدي؟

Photo of author

By العربية الآن



التألم.. هل هو إحساس جسدي؟

العطف ليس فقط إحساسًا، بل إنه مرتبط بالحزن وأحيانًا الإرهاق والمعاناة التي ينجم عنها الوجع نتيجةً للأحداث المؤلمة التي يشهدها الإنسان
جوانب دائمة من حياتنا تؤثر في تحمُّلنا للوجع لا يمكن تغييرها كوراث الجينات (شترستوك)

<

div class=”wysiwyg wysiwyg–blog-content css-1vkfgk0″ aria-live=”polite” aria-atomic=”true”>يرى الناس الالتألم كشعور بالجسم بحت، لكنه يخضع لجوانب حيوية وعاطفية ونفسية متعددة، إذ يُعتبر الالتألم بمثابة قمة جبل من الجليد يظهر على سطح الماء الذي يغطيه ويشكله.

من المُستحيل ألّا يعاني أحد في حياته من الوجع بطريقةٍ أو بأُخرى، سواء كان ذلك بسيطًا كصداع الرأس أو ارتطام إصبع القدم بشيء صلب، أو كسر للعظم، إذ يختبر كل فرد منّالا يتطابق أحد مع الآخر بصفة تامة.

تبين الاختبارات أن مستوى التنبيه الألمي يمكن أن يؤدي إلى تفاعلات مختلفة لدى الأفراد، فقد يسبب البكاء بشدة لدى بعض الناس نتيجة لتحفيزات مختلفة من البرد الشديد إلى الصدمات الكهربائية، بينما يمكن أن يحدث انقباضًا سريعًا لدى آخرين تجاه مصادر الألم، بهدف تفاديه بدون تأثير ملحوظ عليهم.

في هذه الحالة، ينقسم الأشخاص إلى من يتعاملون مع الألم كزائرٍ غير مرغوب لديهم في حياتهم، بينما يتعامل آخرون معه كصديق مؤان.

كلما اعتنقنا فهم الفيزيولوجيا للألم، زاد تدريكنا بأن الألم والضرر الناتج عن الأنسجة ليسا دائمًا متلازمين، ويمكننا أن نشعر بألم حاد لا يتناسب مع حدة الإصابة الحقيقية، أو أن يختفي إحساسنا به حتى بوجود ضرر، وقد نشعر بالألم حتى بدون وجود إصابة واضحة.

مفهوم الألم ونشوء إحساسنا به

إحساس الألم، أو ما يعرف بـ الحس الألمي (nociception) بالإنجليزية، هو العملية الحيوية التي تحدث في الجهاز العصبي ردًا على المنبهات المؤذية أو المحتملة للإضرار، حيث تستشعر الأعصاب الخاصة في نهاياتها التهديدات الميكانيكية أو الحرارية أو الكيميائية، وعند تنشيط عدد كاف من هذه المستشعرات، تنتقل الإشارات الكهربائية عبر الأعصاب إلى النخاع الشوكي ومن ثم إلى المخ، حيث يقوم المخ بتقدير مدى أهمية تلك الإشارات وينتج الألم والاستجابة عند الفرد لتفادي الأذى وحماية الجسم من تفاقم الإصابة.

ومع ذلك، لقرون طويلة كان العلماء يعتقدون أن الألم يقتصر على الاستجابة المباشرة لتلف أنسجة الجسم، ووفقًا لهذا المنطق، كلما زادت حدة الإصابة كان الألم أكثر شدة.

ومع ذلك، كلما تعمقنا في فهم الفيزيولوجيا الخاصة بالألم، زادت لدينا الوعي بأن الألم والتلف النسيجي لا يتماشيان دائمًا، وأنه يمكننا أن نشعر بألم شديد لا يتناسب مع حجم الإصابة الفعلية، أو أن يغيب الإحساس بالألم رغم وجود ضرر، حتى نستطيع أن نعاني من الألم دون وجود إصابة واضحة.

في عام 1995، نشرت المجلة الطبية البريطانية تقريرًا مفاجئًا عن عامل بناء، والذي ارتكب خطأ بعرقل على مسمار طويل بحذائه، ثم شعر بألم شديد لدرجة لا يطاق. بعد أن قام الأطباء بإسعافه وخلعوا حذائه، وجدوا المفاجأة، حيث لم يكن المسمار قد لمس قدمه على الإطلاق!

المعاناة الألمية التي تنشأ في الدماغ في الأساس، وهي شيء ذاتي داخلي، تنجم في معظم الحالات من تفسير أدمغتنا لتنبيهات الألم.

تفسير الظاهرة والفروقات في آلامنا

إذا طُلب منك، عزيزي القارئ، حل لغز مكون من خمس وعشرين قطعة مثلًا، قد تتوقع أن تحتاج إلى عشر دقائق لإنهائه.

لكن، لنفترض أنك تتعرض لصدمات كهربائية على يديك خلال ذلك الوقت، هل ستظل قادرًا على إنهاء اللغز في نفس الوقت؟ الأغلب سيجيب بأن الألم سيعيقه ويؤخر جهده، نتيجة التشتت والتأثير الناتج عنه.

ووفقًا للدراسات، تختلف أداء الأفراد تحت تأثير الألم، حيث يُعرقل البعض منهم من استكمال المهمة بسبب التوجيه السلبي لهم، بينما يؤدي الألم عند البعض الآخر إلى زيادة سرعة وكفاءة أفضل، حيث يُوجهون انتباههم نحو النشاط لتشتيت انتباههم عن الألم.

لذا يجب علينا أن ندرك أن لدينا جوانب اثنتان في الوصف الحسي للألم:

  • الأول: هو الإحساس بالألم الذي ينشأ في الأنسجة نتيجة لتحفيزات خارجية، وتم شرحه سابقًا ويكون مساره متماثلًا تقريبًا لدى جميع البشر.
  • الثاني: هو المعاناة الألمية التي تنشأ في الدماغ في معظم الأحيان، وهي شيء داخلي ينجم عن تفسير الجهاز العصبي لتنبيهات الألم.

وبذلك، تُؤثر هذه المفاهيم بشكل متفاوت على إحساسنا بالألم، بناءً على العوامل الحيوية والنفسية داخل الفرد، بالإضافة إلى العوامل العاطفية والاجتماعية.

توضيح لتلك المفاهيم

استحضر ذاكرتك وبحث فيها عن موقف تعرضت فيه للأذى دون أن تلاحظه في البداية، ربما كنت مشغولًا بمباراة حاسمة تعمل جاهدًا للفوز بها، أو تهرب من حيوان مفترس في الغابة، أو تطلبك الظروف لتؤدي دورًا أمام حشد من الناس.

هذه المواقف تجعل الأدرينالين يتدفق في جسمك، مما يلعب دورًا كبيرًا في تقليل إحساسك بالألم الناجم عن الأذى وتقليل أهميته، نتيجة للتركيز على ما هو ذات أهمية أكبر مثل إنقاذ حياتك من الخطر، أو الحفاظ على صورتك الاجتماعية.

ولكن.. عندما يهدأ تأثير الأدرينالين في جسمك، ستعود إحساسك بالألم إلى وضعه الطبيعي، وقد تتفاجأ بشدته التي غابت عنك لفترة.

على سبيل المثال آخر، يمكن أن يكون لـ الإجهاد النفسي تأثيرًا معاكسًا على إفراز الأدرينالين، حيث يزيد من تدفق هرمون الكورتيزول في الجسم، مما يجعلك أكثر حساسية وتجرب الألم بشكل أكثر حدة.

ختامًا.. لنوضح تلك المفاهيم

الإجهاد العقلي يؤثر بشكل عكسي على الأدرينالين، مما يسبب تدفق هرمون الكورتيزول في الجسم، يجعلك أكثر قابلية للإحساس بالألم بشدة أكبر، فقد تؤدي الأعراض الناتجة عن القلق والتوتر إلى زيادة معدل ضربات القلب، والتعرق، وشعور بالتوتر وألم عضلي، مما قد يدفعك لطلب المساعدة بالاعتقاد بأنها علامات لأزمة قلبية، ولكن بعد الفحوصات يتضح عدم وجود دليل على ذلك وأنك تحتاج فقط إلى دواء مهدئ.

هناك تأثيرات كبيرة لتجاربك السابقة واعتقادك بالألم وتوقعاتك حول العلاج، ففي إحدى الدراسات، شعر الأطفال الذين يشككون في قدرتهم على التحكم بالألم بشدة أكبر من الذين يعتقدون بتحملهم وقدرتهم على التحكم.

بالإضافة إلى ذلك، البيئة المحيطة لها أيضًا تأثيرات، في تجربة أخرى، شعر المتطوعون الذين لامست أيديهم صفيحة معدنية باردة بألم أكبر تحت ضوء أحمر مقارنة بالضوء الأزرق، على الرغم من أن درجة الحرارة كانت نفسها.

وأخيرًا، العوامل الاجتماعية مثل الدعم من العائلة والأصدقاء يمكن أن تؤثر بشكل كبير على كيفية تعاملنا مع الآلام.

الألم الحاد الذي يحدث مرة واحدة ويزول مع العلاج يكون أسهل تقييماً مقارنة بالألم المزمن الذي يصاحب الشخص لفترة تتجاوز الثلاثة أشهر

هل تقدر قياس الألم؟

غالبًا ما تكون هناك صعوبات في عيادات الأطباء عندما يشكو المريض من ألم ويُطلب منه تقدير شدته، فالألم تجربة شخصية فردية وبالتالي يُقيَّم بناءً على ما تقوله أنت، وتختلف طرق تقييم الألم تبعًا لمدته.

الألم الحاد الذي يحدث مرة واحدة ويزول مع العلاج يكون أسهل تقييماً مقارنة بالألم المزمن الذي يستمر لفترة تتجاوز الثلاثة أشهر، وفي تلك الحالة، يؤثر الألم المستمر دون سبب واضح على مختلف جوانب الحياة النفسية والاجتماعية.

ومن أشهر طرق قياس الألم هو المقياس الرقمي الذي يسأل المريض عن شدة الألم بتقديم رقم من صفر إلى عشرة، حيث يشير الصفر إلى عدم وجود ألم والعشرة إلى أقصى شدة للألم.

أحيانًا، يكون من الصعب على الأطفال الأصغر من ثمانية سنوات وكبار السن الذين يعانون من الخرف تقدير شدة الألم بالأرقام، فيجب استخدام تقييمات التعابير الوجهية لقياس الألم.

هل يمكن تعزيز تحملنا للألم؟

هناك جوانب من حياتنا تؤثر على تحملنا للألم ولا يمكن تغييرها كالتأثير الوراثي والجنسي، وقد وُجِد أن النساء لديهن تراكيز أقل من المواد الطبيعية المخففة للألم مثل الإندورفينات مقارنة بالرجال، مما يجعلهن أقل تحملاً للألم.

لذا، يتوجب علينا تهيئة أنفسنا لاستقبال الألم وتعديل تفسيرنا له وردود أفعالنا تجاهه، فالهدوء وتقليل التوتر النفسي يجعلنا أقل حساسية للألم، بالإضافة إلى الحصول على نوم جيد ليلاً.

وقد أثبتت الدراسات أن الأشخاص النشطين يتحملون الألم بشكل أفضل من الأشخاص الكسالى.

ويُنصح بالتشاور مع الأطباء عند شعورنا بآلام غامضة للتأكد وتجنب تفاقمها بسبب التوتر الزائد بسبب التفكير المفرط في الاحتمالات.

الآراء المذكورة هنا تعبر عن وجهة نظر الكاتب وقد لا تعكس بالضرورة رأي قناة الجزيرة.



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.