التحليل النقدي.. كيف تدرس نصا فلسفيا وتستوعبه؟ | ثقافة

Photo of author

By العربية الآن

عند سماع مصطلح فلسفة أو ما يتعلق به قد يتسلل لنفوسنا ارتياب بسبب التوقعات بصعوبة تبع أفكار غير قابلة للقياس عمليا ولا تقدم دليلا عمليا لتحسين جودة حياة الشخص، حتى في حال كان عنوان المادة تتحدث عن السعادة أو العلاقات أو حتى عن المجتمع، وذلك لأن الفلسفة من الناحية اللغوية تعني “حب الحكمة” وقد تظهر الحكمة أحيانا بشكل معقد.

ولكن في هذا المقال نتعمق في ما عرضه الفيلسوف وأستاذ جامعي في جامعة أكسفورد لويس بويمن (Louis Pojman) بالتعاون مع الكاتب لويس فوغن (Lewis Vaughn) في كتابهما “الفلسفة.. البحث عن الحقيقة” لمساعدتك على الاستمتاع وفهم أي نص فلسفي يمر بيديك.

يعرّف “إيمانويل كانت” الفلسفة بأنها “الأم الرئيسية لكل العلوم”، وتُعتبر أيضا طريقة لاكتساب المعرفة، ويعتقد بويمن وفوغن بأن “دراسة الفلسفة تعد على نحو ما من التعرف على أدبيات مجالات أخرى في ذات الوقت”، حيث تقدم فهما عميقا لعملية تشغيل أي شيء، فتُمكنك من النظر إلى الأمور بطريقة شاملة وأكثر اتساعا على المدى البعيد، ومن خلال القراءة و”سعيك للوصول لاستنتاج معين يتوجب عليك اتباع خطوات بناء الحجة” لتفهم ليس فقط الأفكار بل أيضا طريقة التفكير، وأسهل ما يمكن تطبيقه من قبل بويمن وفوغن لتبسيط فهم المحتويات الفلسفية هو “الإلتزام بالقراءة”.

أولًا: بدأ القراءة بعقل مستنير

إذا كنت لا تمتلك خبرة كبيرة في الفلسفة -والأغلبية تقع في ذلك السياق- قد تواجه صعوبة أثناء قراءة نص فلسفي ما، مما قد يثير فيك مشاعر الغرابة أو الاستياء وأحيانا الإشمئزاز، وهذا أمر طبيعي، إذ تشبه قراءة الفلسفة رحلة شاقة لاكتشاف حدود معرفتنا الأساسية بالأشياء حيث يمكن أن تعترضنا أفكار تشبه العقبات قد لا نتفق مع صحتها تماما، ونغلق النص بمجرد اكتفاءنا دون عودة لتكون نهاية رحلة سريعة ومحبطة.

لهذا السبب، يشدد بويمن وفوغن على أن القيام بالفلسفة يعني التفكير والاستكشاف بدون عقبات للحصول على الحكمة، وفي الوقت نفسه فإن الطبيعة البشرية تسمح بالخطأ، ولذلك تتيح الفرصة للقارئ للتمايز في الرأي، لذا يُنصح بتجنب الحكم المسبق على النص بأنه صح أو خطأ خلال القراءة، كل ما تحتاج إليه هو القراءة والاهتمام بفهم طريقة تفكير الكاتب.

كما ينصح بون وفوغن بإعادة التفكير في مضمون ما تقرأه ورأيك فيه إذا وجدته سخيفا أو مضحكا، إذ “قد تكون قد سيئت فهم المحتوى، ومن الحكمة أن تفترض أن النص يحمل قيمة (حتى لو كان رأيك مختلف عنه)، وأنك بحاجة لإعادة قراءته بدقة أكبر”.

ثانيًا: تدرس بانتباه وبتحليل ناقد

قد تكون النصيحة الثانية تبدو متناقضة مع الأولى، فكيف تحلل ما تقرأ وأنت تتجنب الحكم على صوابها؟ هنا تكمن الفرق بين القراءة الفعالة والسطحية، حيث الانصراف وأنت تقرأ يعني أن تستكشف مسار الكاتب من الافتراضات التي انطلق منها إلى الاستنتاج الذي توصل إليه، وهنا يوضح بويمن وفوغن أن الدراسة في الفلسفة تتطلب تركيزا كبيرا وتأخذ وقتا وجهدا أكبر من القراءة السريعة، حيث عليك أن تكون على استعداد للتفكير بدقة وتحليل بمستوى أعلى عن ما تقوم به في قراءة رواية مثلا أو مقال صحفي.

دراسة الفلسفة تعتمد أيضا على التحليل النقدي، مما يعني بأنها تتطلب خلال التفكير في صدقية توصلات الكاتب أن تتبع الفكرة من خلال تسلسل الأفكار وربطها من الادعاءات التي جاءت منها الكاتب لتصل إلى النتيجة المرغوبة، تذكر أن الاستنتاجات الشخصية خلال القراءة تظهر في المرحلة اللاحقة، ولكنها كذلك تكون وسيلة جيدة لإدراك وجهات النظر وقياسها مع ما لدينا من معرفة سابقة.

[تضمين]https://www.youtube.com/watch?v=7nQlpDI4KWM[/تضمين]

ثالثًا: تعرّف على الاختتام أولا ثم أكتب الافتراضات

في البداية، قد تشعر بتناقضات وصعوبات في فهم الفلسفة تُشبه دخول غابة مظلمة مع أشجار كثيفة قد تشوش عليك، لا تفقد الأمل؛ فهذا ما يحدث للجميع، أو على الأقل للطلاب. بويمن وفوغن يشددان على أهمية أن النصوص الفلسفية تُعتبر حجاجية، مع وجود استنتاجات مُبنية على ادعاءات أو افتراضات تشكل حجة قد تكون فيها نقاش حول صحة حجة أساسية، لتتجنب الضياع بين هذه “الأشجار الكثيفة”، ينصحان بتحديد الاستنتاجات التي يسعى الكاتب لإثباتها أولا لفهم أفكاره عموما وإعادة الاستنتاج لرسم خريطة ذهنية تُساعدك على العودة إلى الافتراضات الأساسية والروابط المنطقية التي كوَّنتها.

ما يُحاول الكاتب إثباته من خلال عمله ككل ستجده على الأغلب في المقدمة أو في الخاتمة، حيث تتواجد الأفكار الأساسية دون أي دعم أو حجج، وفي أثناء النص تصادف الحججالمدى الذي تنتهي فيه الدراسة بنهاية كل منها، ويرشح هنا استعمال لون مختلف لتوضيح الانتهاجات وتمييزها عن الادعاءات.

خامسا: عبِّر عن انطباعاتك أو اختصر ما درأت

ربما تُدهش بعد قراءة نص فلسفي تظن أنك فهمته بصعوبة تعيد ما جاء فيه، أو حتى تلخيصه، وهذا ما يقدمه بوين وفوغن كاشفا سلبيا يدل على عدم فهمك الجيد للمواد، لهذا يُنصح بإعادة صياغة كل حجة بشكل آخر أو تلخيصها للتأكد من فهمك الصائب لكل واحدة منها وأنك في النهاية قد فهمت الموضوع بشكل كامل.

سادسا: فان حان وقتك

طالما قادر على التفكير فأنت موهوب في النقد الفلسفي، في هذه الخطوة الأخيرة، يُنصح بوين وفوغن بعرض مهاراتك في التفلسف والتعبير عن رأيك حول الموضوع كاملا من منظورك الشخصي، ويمكن فعل ذلك عن طريق تقييم الادعاءات الأولية التي انطلق منها الكاتب أو كل حجة على حدة وكيفية ترابطها مع الاستنتاج النهائي وما إذا كان الاستنتاج النهائي صحيحا، ولاتنسى أن تكون صادقا وتوضح أسباب موافقتك أو اعتراضك على النص من داخل النص نفسه.

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.