التعقب!

Photo of author

By العربية الآن



التعقب!

%d8%a8%d8%ad%d8%aab 1714597660
محمد الكاظمي قرب بلدة الكرادة الذي دمر بقصف روسي عام 1981 وقصف مجددا أثناء حرب الخليج عام 1991 (الفرنسية)
بالرغم من الأجواء القاسية هذه، وملبسي أكمل محتويات دولابي، فإن الأفراد في شوارع واشنطن مليئون بالنشاط والحيوية، ويمكن سماع خطواتهم السريعة على الرصيف بغض النظر عن الثلوج التي تزين الأرض ببريقها، وأصوات السيارات والحافلات تعكس مدى قلة صبر الناس واستعجالهم للوصول إلى أعمالهم، كما لو كانت هياجات معركة حقيقية، أما أنا فلا أستعجل في أمري، ورغم وجود محاضرة يجب حضورها إلا أنها قد تنتظر لحظة أخرى.

“بيلال!”

ابتسمت مع استماعي لصوت “أسامة” الذي كان ينتظرني أمام مقهى “بلومز”، مكان اجتماعنا المعتاد.

“لقد تأخرت، لذا طلبت لك شرابك المعتاد اللبن الساخن بالقليل من السكر. ستعلمني حينها وتحاسبني لاحقا!”، قال أسامة بشكل مرح.

كان أسامة أول شخص تعرفت عليه فيما يبدو منذقد أتيت إلى الولايات المتحدة بعد هجرة جدي من العراق بحثًا عن فرصة عمل أفضل، كما يقول. ورغم أنني لم أولد هنا، إلا أن ذاكرتي عن العراق محدودة للغاية، وكل ما أتذكره هو جنازة والدي وبكاء أمي بحرارة، واستدعاء الناس الأسود، ثم سفري على الطائرة.

حتى الآن، لا أعلم ما جرى في ذاك اليوم. وبصراحة، لا أرغب في معرفة لأن ذلك ينتمي إلى الماضي ولا يهمني في الوقت الحالي.

أرى أليكس كأخ وصديق وفي المقدمة لأنه كان أول شخص يخطو الخطوة الأولى ليتعرف علي بغض النظر عن مظهري الذي يظهر بأنني غريب الأطوار، ينتمي لبلد عربي ببشرتي السمراء وشعري الأسود الناعم، عيناي العسلية، وقامتي الطويلة التي تبرزني بين زملاء صفي. بينما يتميز أليكس بصفات الأمريكي الأبيض، الشعر الأشقر والعيون الزرقاء، وكان الطلاب دائمًا يلقبوننا “بالين يان” بسبب اختلافنا البارز الذي جذبنا إلى بعض.

“شكرًا جزيلًا، حقًا هذا الشاي هو كل ما أحتاجه في هذا الجو البارد.”

“أنا لا أدري كيف تتحمل طعم الشاي! إنه مرير للغاية، حتى إن أضفت كميات كبيرة من السكر.”

“دائمًا أحاول أن أقنعك بتذوق شاي الجدي لأنه يختلف تمامًا عن أي شاي في هذا البلد، لكنك للأسف تظل عنيدًا جدًا ولا تفهم”، قلت ذلك بفخر.

فجأة، لاحظت الساعة التي كانت تشير إلى التاسعة.

“أليكس، إنه الساعة التاسعة، تأخرنا بنصف ساعة!”

كان العراق في يوم من الأيام من بين القادة في الحقول العلمية، خاصة في مجال النووية. ولكن بعد الاستعمار، فاضت دماء كثير من العلماء بعد استهدافهم وهاجر الكثيرون منهم خارج الوطن للهروب من الموت. تركوا العراق وسط فساد وجهل بعد أن كان معقلاً للمعرفة.

أرتشفت ما تبقى من كوبي المليء بالشاي وشعرت بحرارته يحترق في حلقي. إنه لم يكن شيئًا مهمًا بالنسبة لي لأننا كنا في يومنا الأخير للدراسة بسبب تأخرنا المستمر عن المحاضرات. التقيت بنظرة أليكس، ثم بدأنا بالركض مسعىً لنصل إلى الجامعة دون أن نتزحلق على الثلج المنصب على الأرض بشكل محرج. بعد عشر دقائق من الركض المتواصل، وصلنا أخيرًا إلى جامعتنا العريقة “جامعة هاورد”، وتحديدًا إلى كلية الصيدلة.

غمرنا الداخل، واطلعنا على جدول اليوم لنتحقق من أولى محاضراتنا لنفاجأ بأنها مع الدكتور “حسان داود الربيعي”، الذي لا يحظى برضانا ونحن لا نلقي رضاه. دائمًا ما يفتح مواضيع غير متعلقة بالمنهج، ويعتقد بثقة أنها تفيدنا أكثر من المحتوى الموجود في الكتب. يتحدث أيضًا عن مواضيع تتعلق بالشرق الأوسط، وحتى يبدو أنه ليس لها أي علاقة بموضوعاتنا.

“… قد تكون هذه المسألة حساسة بعض الشيء، ولكن يا أصدقائي يجب عليكم فهم أن العلماء هم ركائز بناء مجتمع قوي ومتماسك. إذا زال العلماء، زالت البلاد وانتشر الفساد. لذا، من بين ممارسات الاستعمار الأولية كان استهداف العلماء، كما حدث في الدول العربية مثل العراق الذي..”، لكنه توقف فجأة.

رد أحد الطلاب من المدرج الأول: “تحدثت عن العراق..”

“أجل، العراق كان من القادة في عالم العلوم، خاصة في مجال النووية. ولكن بعد الاستعمار، ذبح العديد من العلماء وسافروا كثيرون منهم خارج بلدهم للنجاة من الموت. تركوا العراق في فساد وجهل بعدما كان بستانًا للمعرفة. والآن، دعونا لا نضيع الوقت ونستكمل موضوعنا من المحاضرة السابقة.”

جلست مستاءً وكنت لا أطيق سماع صوته الذي يثير انزعاجي، بدأت أعد اللحظات التي سأنجو فيها من هذا السجن المزعج. مرت ساعتان تبدوان كأنهما شهورًا، وبدأت أتهيأ للمحاضرة التالية التي نسيت تمامًا أنها تحمل امتحان مفاجئ ولم أستعد له. لكن كلام الدكتور الربيعي عن العراق أثار فضولي قليلًا، رغم عدم انتباهي له حتى اليوم التالي عندما سمعت خبر استقالته المفاجئة.

دخلت القاعة مبكرًا كما لم أعتد، كنت وحيدًا لأن أليكس انشغل باستقبال عمه العائد من السفر. دخل شخص غريب عليّ، وبدأت أشك في صحة دخولي القاعة الصحيحة، إلا أن شكوكي تلاشت بتحدث الشخص الغريب بلكنة فرنسية واضحة: “صباح الخير، أنا دكتور لويس من فرنسا، سأكون بديلًا للدكتور الربيعي. هل هناك أسئلة؟ والآن سنبدأ بالمحاضرة.”

قاطعته: “هل يعاني الدكتور حسان من مرض؟”

نظر إلي طويلاً وأجاب بسرعة: “لا، ترك الجامعة وأنا الآن مسؤول عن هذا المقرر.”

لا يمكنني تصديق أنه غادر من دون تحذير مسبق لأسباب كهذه. كان ضمن كبار الشخصيات في الجامعة، لن يتخلوا عنه بهذه البساطة. في النهاية، ما يرويه النساء ليس إلا شائعات، وقنعت نفسي أنه غادر بإرادته. بكل صراحة، لم أكن متوقعًا لهذا الرد لأنه كان على ما يرام في الأمس. فما الذي يدفعه لترك الجامعة في منتصف العام؟أثناء جلوسي في الفصل، سمعت مجموعة من الفتيات ورائي يتحدثن بهمس:

“سمعت أنه تم فصله من الوظيفة بعد اشتكاء أحد الطلاب من تقديمه معلومات تاريخية غير دقيقة، خصوصا حول أحداث الشرق الأوسط، كما تحدث بشكل غير لائق عن سياسة بلادنا، إنه جريء حقا! في هذه البلاد الحرة، إذا لم ترتاح له فليعود إلى بلاده!”

ماذا؟! لا أصدق أنه تمت إقالته لسبب مثل هذا، إنه يعتبر من أبرز الأشخاص في هذه الجامعة المرموقة، لن يتخلوا عنه بهذه السهولة. ربما ما تتحدث الفتيات عنه مجرد شائعات، وقنعت نفسي بأنه قدم استقالته بإرادته الخاصة. والآن، لا أدري لماذا اهتممت بهذا الموضوع فجأة؟

وصلت أخيرا إلى المنزل، وانطلقت مباشرة لأسلم على عمي الذي عاد من سفره. دخلت المنزل لأجد جدي “مجيد حسين علي” جالسا على كرسيه المفضل في الشرفة، وكان لديه كتاب باللغة العربية بعنوان “عشر سنوات هزت العالم” في يده، وكوب شاي أبيض أمامه يُذكرني بالفن العربي.

جدي من عشاق القراءة، وهذا يتناسب مع شخصيته الهادئة التي لا تحب المناوشات، وما زال ملتزما بعمله كأستاذ في مجال الفيزياء بجامعة جورج واشنطن. ولكنني حتى الآن لا أفهم سبب وجوده بهذا الشكل أمام الشرفة والجو بارد جدا!

“جدي، لماذا تجلس هكذا في هذا الطقس البارد؟” سألته وأنا أغلق النافذة وأجلس بجواره، ثم صببت لنفسي كوب شاي لأشاركه الحديث.

“كيف كان يومك يا بشير؟ لقد عدت باكراً.”

“أنا بخير، ما الذي تقرأه يا جدي؟”

“إنه كتاب يحكي عن أحوال بلادنا والدول العربية بعد الاحتلال. أنصحك بقراءته لأنه سيمنحك معلومات جديدة تماما. ينبغي عليك أن تتعرف على العراق أكثر لأنها ببساطة وطنك الأصلي بغض النظر عن مكان إقامتك حالياً.

“حسناً جدي، سأحاول قراءته. كنت أريد أن أخبرك بأن عمي اليوم ودعنا نسلم عليه، هل تود المجيء؟” قلت ذلك بهدوء متأملاً رد فعله.

“حسناً يا بشير، سأذهب من أجلك، أعلم أن عمك يعتبر جزءا من العائلة، لكن لن نبقى طويلاً.”

تجهزنا للخروج إلى منزل عمي الذي كان قريبا جدا، ووقفنا أمام الباب حيث فتحه أليكس بحماس وقال: “لقد كنتم في انتظاركما! أهلاً جدي، كيف حالك؟ تفضلوا بالدخول.”

أدخلنا معه إلى غرفة الجلوس حيث كان والديه يجلسان حول المدفأة، وبدأوا بفتح مواضيع مع جدي، خاصة تلك المتعلقة بالجامعة التي يعملان بها معا. أما أنا وأليكس فجلسنا في زاوية مجاورة وبدأت أحكي له عن اختفاء الدكتور حسان في الجامعة. وأخيراً، ظهر الرجل المرتقب.

عندما التفت إليه، شعرت بقشعريرة غريبة، فبنيته كبيرة، وعيناه حادتان، بالإضافة إلى وجهه المليء بالجروح، وكان هناك جرح بارز على جبينه يمتد إلى خده. اقترب منا بخطوات ثابتة، ونظر إلي طويلاً كأنه يحاول تذكر شيئا ما قبل أن يسأل:

“ألكساندر، هل تعرف صديقك بشير؟”

“نعم يا عمي، هذا صديقي بشير، نحن ذاهبون معاً إلى الجامعة.”

مد يده ليصافحني: “سررت بمقابلتك يا بشير.” ولكنه أمسك بيدي بقوة ولم أفهم السبب، ثم سألني: “بشير، أين والداك؟ لم أرهما.” سمعت السؤال لكنني لم أكن قادرا على فهمه على الفور.

“إنهم… إنهم…”

انقطعت وأنقذني أليكس: “عمي، هل ذهبت لتسلم على جده؟”

ثم ذهب إلى الزاوية الأخرى حيث كان والدا أليكس وجدي.

“لا تقلق يا بشير، قد يظهر عمي صارما أحيانا بسبب خدمته الطويلة في الجيش، وهذا ينعكس على شخصيته قليلاً.”

“حسنا، فهمت الآن.”

وفي حين كنا نتحدث ونضحك، جاء جدي بخطى سريعة وكان واضحا على وجهه الغضب والاشمئزاز، ووقف أمامي وجذبني من ذراعي باتجاه الباب.

“جدي، ما الذي يحدث؟!”

قاطعني بصوت جاد وصارم لم أسمعه من قبل: “المنزل الآن يا بشير.” التفت إلى أليكس بدهشة، وقبل أن أعبر عن شيء، كنا قد خرجنا من المنزل.

“جدي، انتظر، ما الذي حدث؟” ولكني لم أحصل على جواب أثناء عودتنا.

عند دخولنا المنزل، توقعت أن أجد تفسيرا لما حدث، لكن جدي صعد إلى غرفته وقال إنه لا يشعر بتحسن وسيتحدث في وقت لاحق، وتركني في ورطة من التساؤلات. بينما كنت كذلك، سمعت جرس هاتفي يرن، وتبين أنه أليكس.

“بشير، ما حدث مع جدك؟”

“لا أعرف يا أليكس، رفض الحديث معي، هل حدث مع عمي شيء؟”

“تحدثت مع عمي ووالدي وأخبروني أن جدك غير وجهه فور دخول عمي الغرفة وغادر المكان. إذا كنت تعرف شيئا أخبرني من فضلك.”

“حسناً، إنني آسف لما حدث اليوم، آمل أن لا يفهم عمك أشياء خاطئة عنا.”

أنهيت الاتصال مع أليكس ولم ألاحظ أن النعاس قد أغلبني وأنا على الأريكة.

***

“أمي.. أمي.. أنا آكل لأصبح قويا وعبقرياً كأبي!”

“نعم، أحسنت يا بشير يجب أن تأكل الخضراوات حتى…”

“عزيزي مروان، ما كان ذلك الصوت؟”

“أمي، أنا خائف!”

“لا تقلقوا، دعوني أتحقق.” إختتمت الجملة.

الـ..

لكمات عميقة وقوية على الباب، ونبرة أصوات رجال من خارج المكان، ظهر المهندس مروان أثناء فتحه الباب برفق وخلفه زوجته وصغيره، ثم فكر بفتح الباب.

“مرحبا، كيف يمكنني مساعدتكم؟”

“خذوه للقسم!”

تقدم رجال يرتدون اللون الأخضر ويخفون وجوههم تحت غطاء أسود، محملين بالدروع ومسلحين بالبنادق. اقتحموا المنزل دون أذن وقاموا بتفتيشه وتقليبه رأساً على عقب، ثم اصطحبوا المهندس مروان وغادروا.

” أبي.. أبي؟”

لاحظت أن هناك أفراد معينين في ميادين مخصصة يتم التخلص منهم بسرعة أكبر من غيرهم، تذكرت زميلي في العمل الطالب إبراهيم الظاهر المتخصص في الفيزياء النووية، وقد تم اغتياله.

مر وقت طويل ولم أشهد هذا الكابوس المزعج، ولم أفهم سبب تذكري له الآن، ربما كان توترًا بسيطًا فقط.

الساعة تشير إلى التاسعة والنصف مساءً، وهنا تذكرت جدي والأحداث التي حدثت مع عمي اليكس، يجب أن أواجه هذه القضية وأبحث عن تفسير مقنع، فهذا لا يتناسب مع سمعة جدي، فاتجهت نحو غرفته وطرقت على الباب:

“أهلاً يا بشير.”

كان جدي جالسًا على مكتبه ويضع نظارته وأمامه ورق وجهازه المحمول مفتوح.

“هل تعمل على شيء مهم الآن؟ لأنه يجب أن تخبرني بما حدث في بيت اليكس.”

“يا بشير!”

“لا يا جدي، لا ينبغي أن تتصرف بهذه الطريقة مع الناس، يجب أن يكون هناك سبب مقنع يجبرك على مغادرة البيت بهذه الطريقة.”

خلع نظارته وتنهد ثم قام من مقعده ليجلس بجواري على السرير.

“هل تتذكر اليوم الذي تم اختطاف والدك من المنزل؟”

“نعم، أتذكر.”

“بشير، هل تتذكر ما كان يعمل والدك؟”

“هل كان مهندسًا كيميائيًا؟”

“نعم، كان كذلك، ولم يستهدفوا فقط مروان، بل استولوا على العديد من الأطباء والمهندسين والمفكرين والمحللين السياسيين وغيرهم من المواطنين وأي شخص يحمل قطرة من المعرفة. كان والدك حظوظًا حيث تم استجوابه للكشف عن أي بحث يقوم به، ولذلك فتم تفتيش المنزل أولًا لمعرفة مدى صدقه، وبعد ذلك تركوه ينصرف. كنت متجهًا لمرافقته إلى المنزل، لولا شيء غير متوقع حدث، أطلق عليه رصاصة من مسافة قريبة أمام عيني.”

عندما بدأت أدرك الحقيقة، صمتنا تغلب على الجو، ولمحت دمعة في عيني جدي، وإذا بالدموع تتلألأ وردية بدلاً من الأسود.

“جدي، لقد أخبرت أن والدي كان من المحظوظين، فماذا عن الآخرين؟”

“كان هناك فئات تم استهدافهم بالتحديد.”

“تقصد قتلهم؟”

“نعم يا بشير، تذكرت صديق يُدعى عصام شريف التكريتي، كان يعمل في مجال التاريخ وكان أستاذًا في جامعة البصرة. خيالك فقط كيف تم تعامله، فلقد تم اغتياله بالاشتراك مع خمسة من أصدقائه. كما تم اختطاف وقتل أشخاص آخرين مثل حسين ناصر خلف، هناك أيضًا تركز على أفراد محددين في مجالات معينة وكانوا الهدف الأول والأخير، تذكرت زميلي في العمل الطالب إبراهيم الظاهر المتخصص في الفيزياء النووية وكيف تم اغتياله، وعندما شهدت استهداف المتخصصين في هذا الميدان علمت زوجتك بأني سأحزم أمتعتنا وأوديك معي للهجرة.”

“ما حدث بعد ذلك؟”

أنا أريدك أن تدرك يا ابني أنه كان في العراق عيش في سلام وفرح مستقلين، الجميع يمتلك طموحات وأحلام. هل تعرف عدد العلماء من الأطباء والمعلمين والمهندسين الذين اغتيلوا خلال الغزو العراقي؟ لقد بلغوا مئات المفكرين والمبدعين. وهناك من هاجر، لا تنس أبدًا مصيرهم ولا تتوقف عن المضي قدمًا في الطريق الذي بدأناه.

“كانت هناك محاولة للاعتقال ومحاولة إجباري على الاعتراف بامتلاكنا لأسلحة الدمار الشامل، الأكاذيب التي ابتكروها وسائل الإعلام الغربية عن بلادنا قبل الغزو. رفضت ورفضت وهربت بعجز بالكاد إلى بيتكم، أمك رفضت المغادرة وأصرت على البقاء، وتبعتها حتى جئتما إلى هنا لتكون في أمان بعيدًا عن رعب تلك المجازر.”

“أرغب منك يا بني أن تعلم أننا كاننا نعيش في سلام وهناء في العراق، كل شخص كان يملك أحلامه وآماله. هل تدرك عدد العلماء والمعلمين والمهندسين الذين قُتلوا خلال الحرب؟ كانوا مئات المفكرين والمبدعين، وهذا بدون حساب الذين هاجروا. أرجوك لا تنسى أبدًا غضب القدر واستمر في مسيرتنا.”

“بشير يا عزيزي، هناك أوراق في المخزن أن أملكك تسليمها لأي شخص.. فهمت؟”

لم أفهم نوايا جدي، ولكن لاحظت حديث الدكتور حسان الربيعي، الذي ظننت من قبل أنه مبالغ في تصريحاته قليلًا، لكنه حقيقة يجب أن يعيها الناس، وكنت أنا أيضًا جزءًا من المختفين. هل تم طرده بالفعل كما سمعت لأنه نبه إلى الحقيقة التي كانوا يسعون لوقوفها؟

بعد سماعي لهذه الكلمات الواضحة، قررت بجدية أن أستمر في تعليمي ومجهودي لأكون الجيل القادم الذي لن ينسى شهداء العلم، ولكن تباطأت عند سماع جرس الباب، وأدركت بدهشة: من سيكون هذا الذي يطرق بابنا في هذا التوقيت المتأخر؟

تركت الغرفة واتجهت نحو الباب، فور فتحه رأيت رجلين يرتديان الأسود وكأنهما اندمجا مع الظلام. شعرت بصدمة عند سماعي:

“هل الدكتور مجيد حسن علي هنا؟”

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر قناة الجزيرة.



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.