التقديم المتميز.. ما النتيجة إذا قاد عصام العطار سوريا؟ (1)

Photo of author

By العربية الآن



التقديم المتميز.. ما النتيجة إذا قاد عصام العطار سوريا؟ (1)

الشيخ عصام العطار
الشيخ عصام العطار (الجزيرة)
منتصف ستينات القرن الميلادي الماضي شخص معمر، داعية إسلامي كبير، شاعر، خطيب سوري شهير كان الشيخ عصام العطار (1927- 2024م) يتجول يوميا لمدة ساعة أو ساعتين على كورنيش بيروت الذي يطل على صخرة الروشة بصحبة القائد الفلسطيني عبد الله أبوعِزَّة (1931-2022م) الذي كان يعيش حينها في حي الصنوبرة ببيروت، بينما كان يقيم العطار قريبا منه في حي قريطم.

ربطت بيروت في الستينات بين العطار وأبو عزة بسبب عملهما حينها في “المكتب التنفيذي لجماعة الإخوان المسلمين في البلاد العربية” الذي كان يترأسه العطار وكان أبو عزة يمثل إخوان فلسطين، الثقة بينهما كانت عظيمة.

ذلك الخبر أدى إلى العطار بوح ببعض أسراره لرفيقه الفلسطيني، حيث كشف له منتصف عام 1966 “بأن الإخوان السوريين قد ينفذون عمل ضد حاكم امين الحافظ وحزب البعث في دمشق، وبأن ذلك سيستدعي دخوله على المسرح قبل بدء الحركة، كما أشار إلى إصرار إخوته على تعيينه رئيسًا للجمهورية” (أبو عزة: مع الحركة الإسلامية في الدول العربية ص 114).

انتشرت خطب العطار إلى حد كبير، حتى بات يُعُزَّل رؤساء الوزراء من فوق منبره. كما صرح الدكتور عدنان مسودي، الطبيب الفلسطيني، الذي كان من مأذني مسجد الجامعة خلال فترة إمامة العطار، بأنه “أسقط حكومة الشيوعي بشير العظمة من منصته”

عندما قرأت هذا الخبر المروع في مذكرات أبي عزة لأول مرة، شعرت بقشعريرة في جلدي ووضعت الكتاب جانبا، فسمحت لخيالي بالتأمل في مستقبل سوريا وشعبها الكريم، إذا كان يحكمهم رجل من عهد عصام العطار بمستوى نبل وأصالة وحكمة. كيف سيكون وضعهم الذي تحول إلى مأساة منذ تلك الفترة، مليء بالمجازر والاعتقالات والمنافي والإبادة والتخلف نتيجة حكم فاسد مدعوم بأعداء الأرض!

إنذار إلى الأحد

كان الزعيم عصام العطار من بين ضحايا الأقلية الطاغية التي حرمته من العودة إلى ولاية جده، من بيوت طفولته ومنزل عائلته العريقة في مدينة دمشق الجميلة. حيث عُرِف بكونه تلميذًا متألقًا وأستاذًا مؤثرًا وقائدًا ناجحًا وخطيبًا بليغًا ينادي به الجموع من جميع المدن والقرى لحضور خطبه بجامع جامعة دمشق.

انتشرت خطب عصام العطار وتأثيرها بقوة، حيث وصلت لدرجة أنه كان يُعزَّل رؤساء الوزراء من فوق منبره. الطبيب الفلسطيني عدنان مسودي (1944-2011م)، الذي كان مؤذنًا في مسجد الجامعة خلال فترة إمامة العطار، يذكر بأنه “قد أسقط حكومة الدكتور الشيوعي بشير العظمة، الذي كان يُنظر إليه باعتباره من الناصريين لدوره كوزير في أيام الوحدة بين مصر وسوريا”.

الزعامة المميزة

كان عصام العطار لديه القدرة على قيادة سوريا، ولكن تمسكه بمبادئه وولاؤه لفلسطين ودفاعه عنها دون تردد جعل القوى الاستعمارية تنبذه وتستبدله بحكام “مناسبين”، من دون تعويض مؤمن على أهمية قضايا الدين. هؤلاء الحكام قبلوا خيانة القيم التي قام عليها العطار من شدة تصلبه وقوته وكرامته، لو كان مكفولًا له أن يقود سوريا ويدخل القصر الرئاسي، لكانت مصيرات الشام مختلفة تمامًا، وخالية من التلكؤ الكارثي والمصائب.
فالحكام في النهاية هم بشر يتبعون أخلاقًا وقيمًا نشأوا عليها، ولذلك سعى كتاب الآداب السلطانية إلى جعل كتبهم مرجعًا لأي حاكم ينفذ حكمه ويتعامل مع شعبه بقيم وأخلاق تربت عليها، مثل الرحمة والعدل والصبر والشجاعة. هذه الكتب تعتبر دليلًا تعليميًا يركز على تعزيز قوانين الحكم وقيم وأخلاق الحكام المحمودة لدى المتقدمين للحاكمية والوزارة والإمارة.

عندما نستعرض قيم وأخلاق القائد العظيم عصام العطار كما رأوها وعايشوها أولئك الذين تعرفوا عليه وتعايشوا معه في مختلف مراحل حياته الطويلة، ندرك أن للتاريخ السوري الحديث فرصًا تاريخية جميلة مختلفة تمامًا عن تلك التي شهدها ونحن نعيشها بألم ويأس.

<قُبّلَ على المحكمة، وعندما آتيتُ أدرّس في المعهد العربي بينما أنا مشغول بالعمل في المحكمة وكادت الساعة الأولى تنتهي، قام أحد الطلاب بخطوة نحوي، ظننتُ أنّه يريد أن يطرح سؤالًا، إذا هو بدأ بإلقاء خطبة بلسان فصيح وبلاغة تدفقة، يُثني على دراستي بمديحٍ لا يستحقها دراستي. فتحتُ عيني بدهشة، وشهدتُ في تلك اللحظة ولادة خطيب”> (علي الطنطاوي: ذكريات، ج 5، ص 178).

<قرأ الكاتب والناشط الأردني حسن التل كل خصائص الزعامة التي يحتاجها المسلمون مجتمعة في عصام العطار وألف عنه كتابًا يحمل عنوان "عصام العطار: القيادة المتميزة">>

متأسفاً لمواهب العطار الخطابية والقيادية، أبدى الطنطاوي أسفه “على تجاهل الناس وعدم اهتمام الحكام بعلمه وبلاغته وثقافته اللغوية، بل اكتفوا بالشهادات المزورة التي بيدهم”. ومنذ تلك اللحظة، سعى الطنطاوي “لإرساله إلى مصر للحصول على شهادة، لكن الإخوان هناك، بعد أن شاهدوا فيه تلك الصفات، قرروا تقديمه للسلطة ونشره في الاجتماعات، جالسًا بينهم واستفاد منه، بينما كان من المفترض أن يكونوا معلميه في الجامعة لتلقيه العلم منهم والحصول على الشهادة منهم”. ” (ذكريات، ج5، ص 180). أعجب الطنطاوي بالعطار ينثر الثناء في عدة أماكن من ذكرياته المنشورة في ثمانية أجزاء.

كان حسن التل (1932-2001م) مهتمًّا بموضوع “تميز الزعامة الرشيدة للصحوة الإسلامية”، ورأى أنّ كل خصائص الزعامة التي تحتاجها المسلمون تجتمع في عصام العطار، لذا ألف عنه كتابًا بعنوان “عصام العطار: القيادة المميزة”، وقسّم له فصلاً في كتابه “الشهود” الذي كرسه لأعلام الإصلاح من حسن البنا إلى علي بيجوفيتش.

يلفت حسن التل في كتاب “الشهود” إلى تميز الأستاذ عصام العطار بين قادة المنطقة، بتمايزه بصفات يميزه عنهم جميعًا، لأخذه بالعزيمة في كل مراحل حياته دون تردد، ومواجهة تبعات هذا التميز بقوة وثائرية، وبقاءه متحديًا لكل تحديات هذا الطريق، فلا مرض يزعزعه ولا فقر يضعفه، ولا غربة تغيب عنه نفسه وإيمانه، ويظل ثابتا وعنيدًا على موقفه، ويبقى شامخًا في مواجهة الإرهاب كالجبل الصامد أمام الرياح العاتية، يتحدى كل المصاعب بشجاعة واستمرارية.

“إذ خاض معاركه ضد التمرد وظل صلبا في مواجهة التحديات، واختار الغربة والفقر انتماءً لدينه ووفاءً لدعوته، يشكل عصام العطار شاهدًا تاريخيًا في عصره، يُظهر بوضوح قدرة الإسلام على إنتاج زعامة متفوقة قادرة على التحمل في وجه الابتلاء والفتنة على حدٍ سواء”. (حسن التل – الشهود ص 156).

صمود عصام العطار وتحديه للانكسار، وصبره على الألم والأمراض والخسارة والغربة، تجسد جزءًا بارزًا من تاريخ الثبات في هذه التحديات الصعبة، موضوع يستحق الاهتمام في تاريخ شخصيات الرجال، ويوفر صورة شاملة عما يدور في صراع الحرية مقابل الاستبداد والاصلاح مقابل الفساد في زماننا وبخاصة في المنطقة الشامية، تفصيله في الجزء الثاني من هذا المقال التأبيني للعالم الإسلامي الذي شُيّع في مدينة آخن بألمانيا مع احتفاظ مدينة دمشق بأبناء من مختلف الأديان والتوجهات.

الآراء المذكورة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب ولا تمثل بالضرورة موقف قناة الجزيرة.



awtadspace 728x90

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.