التقديم المتميز.. ما النتيجة إذا قاد عصام العطار سوريا؟ (1)
ربطت بيروت في الستينات بين العطار وأبو عزة بسبب عملهما حينها في “المكتب التنفيذي لجماعة الإخوان المسلمين في البلاد العربية” الذي كان يترأسه العطار وكان أبو عزة يمثل إخوان فلسطين، الثقة بينهما كانت عظيمة.
انتشرت خطب العطار إلى حد كبير، حتى بات يُعُزَّل رؤساء الوزراء من فوق منبره. كما صرح الدكتور عدنان مسودي، الطبيب الفلسطيني، الذي كان من مأذني مسجد الجامعة خلال فترة إمامة العطار، بأنه “أسقط حكومة الشيوعي بشير العظمة من منصته”
إنذار إلى الأحد
انتشرت خطب عصام العطار وتأثيرها بقوة، حيث وصلت لدرجة أنه كان يُعزَّل رؤساء الوزراء من فوق منبره. الطبيب الفلسطيني عدنان مسودي (1944-2011م)، الذي كان مؤذنًا في مسجد الجامعة خلال فترة إمامة العطار، يذكر بأنه “قد أسقط حكومة الدكتور الشيوعي بشير العظمة، الذي كان يُنظر إليه باعتباره من الناصريين لدوره كوزير في أيام الوحدة بين مصر وسوريا”.
الزعامة المميزة
عندما نستعرض قيم وأخلاق القائد العظيم عصام العطار كما رأوها وعايشوها أولئك الذين تعرفوا عليه وتعايشوا معه في مختلف مراحل حياته الطويلة، ندرك أن للتاريخ السوري الحديث فرصًا تاريخية جميلة مختلفة تمامًا عن تلك التي شهدها ونحن نعيشها بألم ويأس.
<قُبّلَ على المحكمة، وعندما آتيتُ أدرّس في المعهد العربي بينما أنا مشغول بالعمل في المحكمة وكادت الساعة الأولى تنتهي، قام أحد الطلاب بخطوة نحوي، ظننتُ أنّه يريد أن يطرح سؤالًا، إذا هو بدأ بإلقاء خطبة بلسان فصيح وبلاغة تدفقة، يُثني على دراستي بمديحٍ لا يستحقها دراستي. فتحتُ عيني بدهشة، وشهدتُ في تلك اللحظة ولادة خطيب”> (علي الطنطاوي: ذكريات، ج 5، ص 178).
<قرأ الكاتب والناشط الأردني حسن التل كل خصائص الزعامة التي يحتاجها المسلمون مجتمعة في عصام العطار وألف عنه كتابًا يحمل عنوان "عصام العطار: القيادة المتميزة">>
متأسفاً لمواهب العطار الخطابية والقيادية، أبدى الطنطاوي أسفه “على تجاهل الناس وعدم اهتمام الحكام بعلمه وبلاغته وثقافته اللغوية، بل اكتفوا بالشهادات المزورة التي بيدهم”. ومنذ تلك اللحظة، سعى الطنطاوي “لإرساله إلى مصر للحصول على شهادة، لكن الإخوان هناك، بعد أن شاهدوا فيه تلك الصفات، قرروا تقديمه للسلطة ونشره في الاجتماعات، جالسًا بينهم واستفاد منه، بينما كان من المفترض أن يكونوا معلميه في الجامعة لتلقيه العلم منهم والحصول على الشهادة منهم”. ” (ذكريات، ج5، ص 180). أعجب الطنطاوي بالعطار ينثر الثناء في عدة أماكن من ذكرياته المنشورة في ثمانية أجزاء.
كان حسن التل (1932-2001م) مهتمًّا بموضوع “تميز الزعامة الرشيدة للصحوة الإسلامية”، ورأى أنّ كل خصائص الزعامة التي تحتاجها المسلمون تجتمع في عصام العطار، لذا ألف عنه كتابًا بعنوان “عصام العطار: القيادة المميزة”، وقسّم له فصلاً في كتابه “الشهود” الذي كرسه لأعلام الإصلاح من حسن البنا إلى علي بيجوفيتش.
يلفت حسن التل في كتاب “الشهود” إلى تميز الأستاذ عصام العطار بين قادة المنطقة، بتمايزه بصفات يميزه عنهم جميعًا، لأخذه بالعزيمة في كل مراحل حياته دون تردد، ومواجهة تبعات هذا التميز بقوة وثائرية، وبقاءه متحديًا لكل تحديات هذا الطريق، فلا مرض يزعزعه ولا فقر يضعفه، ولا غربة تغيب عنه نفسه وإيمانه، ويظل ثابتا وعنيدًا على موقفه، ويبقى شامخًا في مواجهة الإرهاب كالجبل الصامد أمام الرياح العاتية، يتحدى كل المصاعب بشجاعة واستمرارية.
“إذ خاض معاركه ضد التمرد وظل صلبا في مواجهة التحديات، واختار الغربة والفقر انتماءً لدينه ووفاءً لدعوته، يشكل عصام العطار شاهدًا تاريخيًا في عصره، يُظهر بوضوح قدرة الإسلام على إنتاج زعامة متفوقة قادرة على التحمل في وجه الابتلاء والفتنة على حدٍ سواء”. (حسن التل – الشهود ص 156).
صمود عصام العطار وتحديه للانكسار، وصبره على الألم والأمراض والخسارة والغربة، تجسد جزءًا بارزًا من تاريخ الثبات في هذه التحديات الصعبة، موضوع يستحق الاهتمام في تاريخ شخصيات الرجال، ويوفر صورة شاملة عما يدور في صراع الحرية مقابل الاستبداد والاصلاح مقابل الفساد في زماننا وبخاصة في المنطقة الشامية، تفصيله في الجزء الثاني من هذا المقال التأبيني للعالم الإسلامي الذي شُيّع في مدينة آخن بألمانيا مع احتفاظ مدينة دمشق بأبناء من مختلف الأديان والتوجهات.