من النص إلى القارئ: الترجمة بين الأصالة والإبداع (1)
تمثل الرواية المترجمة جسراً بين ثقافتين ووصلة بين لغتين، وتعد أداة تدمج بين فن المؤلف الأصلي وإبداع المترجم. تتيح لنا الاطلاع على عوالم وأفكار لم تكن متاحة لولا هذا الجسر اللغوي. إن عملية الترجمة ليست مجرد نقل للمعاني من لغة إلى أخرى، بل هي حوار دقيق بين النص الأصلي والمترجم، إلى جانب خيال الكاتب وأسلوب المترجم.
تحديات الترجمة الأدبية
يعكس التساؤل الأساسي: إلى من ينتمي النص المترجم؟ هل يبقى النص ملكًا للمؤلف بكلماته وأفكاره، أم يصبح المترجم صاحب النص؟ هذا ما يعكس تعقيدات العملية الإبداعية حيث تتداخل مشاعر الكاتب مع خبرة المترجم.
إن النص الأدبي، الذي يتسم ببنيته المعقدة وخصائصه الفريدة، يتطلب إلمامًا بعدد من الجوانب المعرفية لضمان نقله بدقة إلى اللغة المستهدفة.
تظهر التحديات التي يواجهها المترجم الأدبي في سعيه للحفاظ على جوهر النص الأصلي، حيث يتطلب نقل الأحاسيس والمعاني الدقيقة بين اللغات مهارة كبيرة. تواجه هذه المهمة تحديدًا عند التعامل مع الكلمات المجردة التي قد تحمل معاني متعددة، مما يزيد من صعوبة اختيار المفردات المناسبة.
تتضمن هذه التحديات أيضاً التركيب اللغوي والأساليب البلاغية؛ فبينما تعتمد اللغة الإنجليزية على ترتيب الكلمات لنقل المعاني، تتمتع اللغة العربية بمرونة أكبر في بناء الجمل، ما يجعل من الصعب في بعض الأحيان نقل التراكيب الإنجليزية دون فقدان دلالاتها.
يتحدث الكاتب حفيظ بورحيم في مقال له عن “صعوبات الترجمة الأدبية”، مشيرًا إلى أن من أبرز التحديات التي يواجهها المترجم هي صعوبة نقل الألفاظ المجردة التي ترتبط بالعواطف، حيث يمكن أن تحمل كلمة واحدة معانٍ متعددة حسب السياق.
كما يشير الدكتور محمد عناني في كتابه “الترجمة الأدبية: بين النظرية والتطبيق” إلى ركيزتين أساسيتين قد يغفل عنهما المترجم: الإحالة وكشف الدلالات، مما يعكس حاجة المترجم لأن يكون ملمًّا بجوانب عدة. تتطلب الترجمة الأدبية فعلاً إبداعياً يتجاوز مجرد نقل المعاني، بل يتوجب فهم الثقافة التي أنتجت النص وإعادة خلقه.
تتطلب الترجمة الأدبية من المترجم فهماً عميقاً لكافة الأبعاد الثقافية والبلاغية والنغمية لضمان نقل المعاني والمشاعر بصدق.
ختامًا، يمكن القول إن الترجمة الأدبية ليست عملية سهلة، بل تحتاج إلى حزمة من المهارات والمعارف الثقافية واللغوية لضمان نجاحها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
رابط المصدر