الحرب الروسية العثمانية.. لماذا يحلم بوتين باستعادة أمجادها؟
منذ صعود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لسدة الحكم قبل ربع قرن، وهو يسعى بكل قوة إلى تحقيق أمجاد روسيا القديمة في أزمنتها القيصرية والسوفياتية؛ لقد وضع الإمبراطور بطرس الأكبر (توفي عام 1725م) إستراتيجية طويلة الأمد لروسيا وهي التي تُعرف تاريخيا بوصايا بطرس الأكبر، التي تسعى لتحقيق أمجاد روسيا الدينية والسياسية والعسكرية في القارة الأوروبية وعلى حساب جيرانها المنافسين.
نجح بوتين في وأد الانتفاضة التي دامت في القوقاز ولا سيما الشيشان وداغستان (اللتان استقلّتا عن الاتحاد السوفياتي أوائل التسعينيات من القرن الماضي)، ونجح في جعلهما تابعتين للاتحاد الروسي بقوة وعنف، فدعم بقوة تعيين حليفه رمضان قديروف في حكم غروزني، كما دخل عام 2008 في حرب بمواجهة جورجيا المدعومة من الغرب، وتمكن من السيطرة على أوسيتا الجنوبية بالقوة، ولم يتوقف بوتين حتى احتل شبه جزيرة القرم وانتزعها من أوكرانيا عام 2014، ثم تدخل في سوريا عام 2015 حتى أصبح له وجود لافت شرق البحر المتوسط بريا وبحريا، ولم يتوقف بوتين حتى تدخّل في ليبيا وجنوب الصحراء والسودان ووسط أفريقيا وفي بعض دول غرب أفريقيا.
اقرأ أيضا
list of 2 items
“الإمبراطور الإله” الذي استسلم لأمريكا.. قصة رجل عبده اليابانيون
أطفالي يدمنون مواقع التواصل.. ماذا أفعل؟ علماء النفس يجيبونك
end of list
ويبدو بوتين في كثير من خطاباته حريصًا على استعادة التاريخ وإحيائه؛ فهو مدرك للشخصية الروسية التاريخية التي نجحت في هزيمة التتار المسلمين الذين سيطروا على أجزاء واسعة من روسيا وأوكرانيا منذ القرن الـ13 الميلادي، وتمكن الروس كذلك من القضاء على استقلال بولندا وتقسيمها مع الألمان والنمساويين زمن القياصرة ثم ابتلاعها زمن السوفيات، بل وهجومهم الساحق على أراضي الدولة العثمانية في القوقاز والبلقان وحتى الأناضول وإسطنبول في القرنين الـ18 والـ19، وها هو بوتين اليوم يحاول جاهدًا السيطرة على أوكرانيا التي يعتبرها جزءًا لا يتجزأ من الإمبراطورية الروسية في التاريخين القيصري والسوفياتي.
والحق أن الإستراتيجية الروسية التي ينفذها بوتين لا تشكل خطرًا على أوكرانيا فقط، بل بوصفها تهديدا مباشرًا لبولندا ومولدوفا وتركيا والسويد ودول البلطيق وفنلندا؛ وهو الأمر الذي بات يدركه الجميع، ويستشعرون من ورائه خطرًا ماثلا في ذاكرة التاريخ والواقع.
ولإدراك استبطان الروس المعاصرين لدروس التاريخ وعِبره، سنسلط في هذا التقرير ضوءًا على لحظة تاريخية فارقة حين نجح الروس في فرض شروطهم على الدولة العثمانية؛ وهي لحظة مفصلية في تاريخ العثمانيين ودخولهم في طور من الضعف والاضمحلال والانهيار كان الروس سببا مباشرًا فيه.
الأزمة البولندية
كان الروسُ من قديم الزمان أمةً تعيش في المناطق الشمالية من البحر الأسود، وهم فريق من الأمم السلافية التي امتدت من البحر الأسود إلى القطب الشمالي ومناطق البلطيق، ولم يكن لهم في التاريخ القديم مكانة مميزة أو مرموقة حتى القرن العاشر الميلادي؛ فقد أشار الرحالة العربي زمن الدولة العباسية أحمد بن فضلان في القرن التاسع الميلادي أنهم “أقذر خلق الله لا يستنجون من غائط ولا بول ولا يغتسلون من جنابة ولا يغسلون أيديهم من الطّعام، بل هم كالحمير الضّالة”.
وقد رحل ابن فضلان لبلاد الروس في عصور وثنيتها قبل أن تعرف المسيحية الأرثوذكسية التي اعتنقوها في القرن العاشر الميلادي، وهو نفس القرن الذي تحول فيه قطاع كبير من الأتراك إلى الإسلام، وكانت فتوح السلاجقة ثم أبناء عمومتهم المغول لمناطق القوقاز الجنوبي ثم مناطق شمال بحر قزوين وأوكرانيا وحتى بولندا ووسط أوروبا سببا في هيمنتهم على هذه المنطقة لعدة قرون، وسيادتهم حتى على الروس أنفسهم الذين كانوا مضطرين إلى دفع الجزية والتبعية السياسية للمغول والتتار المسلمين.
ولكن سنوات السيادة الإسلامية للمغول جنوب روسيا والقوقاز وأوكرانيا وحتى بولندا بدأت في التراجع حين عمل الروس على تهديدها منذ القرن الـ15؛ إذ دخلوا في العديد من المعارك والحروب والتي أثمرت في النهاية عن تمدد الروس من موسكو وما حولها حتى بلغوا منطقة آزوف شمال البحر الأسود، وبدؤوا لأول مرة في تهديد النفوذ الإسلامي المغولي أولا ثم العثماني الذي كان منذ القرن الـ15 الميلادي يعتبر البحر الأسود بُحيرة عثمانية خالصة من كافة الجوانب.
وطوال قرون تالية كانت عوامل الشد والجذب بين العثمانيين والروس لا تكاد تتوقف؛ ذلك أن الروس في زمن أباطرتهم الكبار مثل بطرس الأكبر وكاترينا وضعوا إستراتيجية كبرى تتضمن إسقاط ثلاثة من جيرانهم (السويديين والبولنديين والعثمانيين) حتى يصحبوا على حافّة التماس والتجاور مع أوروبا الغربية ويكون الطريق مفتوحا أمامهم للبحار الدافئة؛ وهي الإستراتيجية التي يحاول الرئيس الروسي إحياءها في يومنا هذا بعد هجومه على أوكرانيا وتهديده المباشر للسويد والتي أجبرها هذا التهديد وجارتها فنلندا على الانضمام لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وفي القرن الـ18 بلغت القوة الروسية حدّا جعل خلفاء بطرس الأكبر يسعون لتحقيق وصاياه المتمثلة في إزالة نفوذ كل من السويد وبولندا قبل تهديد الدولة العثمانية، والسيطرة على أراضيها الأوروبية مثل رومانيا وبلغاريا وكذلك القوقاز، وقد نجحت الإمبراطورة كاترينا في الاستيلاء على جميع الولايات السويدية الفاصلة بينها وبين ألمانيا، وتم إبرام اتفاقية بين الجانبين عُرفت باسم اتفاقية “ني ستاد” التي تم توقيعها عام 1672.
ولكن الأمر الذي أثار العثمانيين على الروس كان عقب وفاة ملك بولندا أغسطس الثالث سنة 1763، حيث تدخلت الدول الأوروبية لاختيار من يخلفه، وقد استطاعت كل من روسيا وبروسيا (ألمانيا) أن تنجحا عن طريق الضغوط المشتركة في اختيار ستانيسلاس بونياتوفسكي ليكون ملكا على بولندا سنة 1764، ولكن فريقا كبيرا من المعارضين البولنديين رفضوا هذا العاهل الجديد التابع للروس، وأقاموا تنظيمًا كونفدراليًا أسموه كونفدرالية بار.
الحرب العثمانية الروسية
وقد وجدت المعارضة البولندية نفسها في حاجة ماسّة إلى دعم أقوى الدول المجاورة وقتئذ (العثمانيين) الأمر الذي جعل الروس يتدخلون عسكريا للقضاء على القوات البولندية المعارضة حتى لجأت هذه القوات إلى الأراضي العثمانية التي كانت تمتد حينئذ إلى حدود بولندا وتسيطر على القرم وأجزاء من أوكرانيا المعاصرة، ولكن الروس أصروا على الدخول إلى الأراضي العثمانية وأشعلوا النيران في منطقة تُسمى بلطة.
وكان العثمانيون بداية القرن الـ18 قد دخلوا في العديد من المواجهات العسكرية أمام الروس والنمساويين والفُرس، وحين اعتلى محمد راغب باشا منصب الصدارة العظمى (رئاسة الوزراء) واستمر في منصبه ذلك 6 سنوات في سلطنة مصطفى الثالث كانت إستراتيجيته التي وافق فيها السلطان العثماني إعلان السلام والصلح مع الدول الأوروبية، وصبّ اهتمامه في الإصلاح الداخلي السياسي والاقتصادي والعسكري، وتقوية المؤسسات، وتقوية مؤسسة القضاء بتوسيع نفوذ القُضاة واستقلالهم.
ولكن فريقًا آخر من المؤثرين داخل الدولة العثمانية من الوزراء والعسكريين والإداريين كان متعطشًا للحروب لاستمرار هيبة ونفوذ الدولة عالميًا بعد عقود من الهدنة والسكينة، ولكن كما يقول المؤرخ روبير مانتران في كتابه “تاريخ الدولة العثمانية” كان الـقرن 18 “يرمز في تاريخ الإمبراطورية العثمانية إلى البداية الحقيقية لهجوم الدول الأوروبية العظمى، أكان ذلك في المجال العسكري والدبلوماسي أم في المجال الاقتصادي”.
ولهذا الهجوم أسبابه العميقة، فطوال الـ30 عاما الماضية ركن العثمانيون إلى السلام؛ وبسبب عدم دخول الحرب نسي الجنود تكتيكات القتال والمعارك، بينما جهزت الإمبراطورة كاترينا الثانية جيشها الروسي بشكل جيد، وحتى اشتعال الحرب الروسية العثمانية سنة 1768 لم تكن ثمة دولة أوروبية بمفردها قد استطاعت أن تنتصرَ على الدولة العثمانية كما يقول المؤرخ التركي يلماز أوزتونا.
ولم يأبه الروس باعتراض الباب العالي على دخولهم إلى أراضي الدولة العثمانية وإحراق إحدى بلدانها بحجة ملاحقة قوات المعارضة البولندية، الأمر الذي اضطر العثمانيين لإعلان الحرب على الروس “مع تخلف قواتهم، ونقص استعداداتهم من الناحية العسكرية رغم مرحلة السلم الطويلة، ومن ثم تحولت الحرب إلى كارثة مطبقة على رجال الدولة الذين انخدعوا بأحلام الفتح، واستعادة القوة من جديد، وتكشّفَ للعيان مدى ضعف الدولة الإداري والعسكري” كما يقول المؤرخ التركي فريدون أمجَن.
وفي النهاية دخلت الدولة العثمانية الحرب التي اشتعلت على عدة جبهات، وأوعزت لخان القرم وأوكرانيا قيراي باي التابع لها أن يهجم على الروس في الشمال، وقد نجح في هجومه ذلك بداية المعارك، كما اشتعلت المواجهات على خط الحدود الواقعة بين الدولة العثمانية وبولندا في الجهة الغربية.
وكان الروس في السنوات الماضية قد أعدوا العدة جيدًا في المجال البحري، فأنشؤوا أسطولا وضعوه في بحر البلطيق لأن البحر الأسود كان محرما عليهم من قبل العثمانيين، وكان هذا الأسطول يقوده ضباط من الإنجليز والأسكتلنديين والألمان، فاتجه هذا الأسطول من بحر البلطيق باتجاه البحر المتوسط مارا بالمحيط الأطلسي، ولم يصدق العثمانيون أن الروس يملكون أسطولا بالمعنى الحقيقي، حتى تفاجؤوا به في مياههم الإقليمية في بحر المورة ثم بحر إيجه.
وفي بحر إيجه اشتعلت معركة بحرية ضارية بين الجانبين انتهت إلى احتلال الروس جزيرة ساقز المعروفة اليوم باسم خيوس اليونانية، وأُحرقت في هذه المعركة جميع قطع الأسطول العثماني التي كانت راسية في ميناء جشمة، وأحدث الانتصار البحري الروسي في بحر إيجه ليلة 6-7 يوليو/تموز 1770 صدى عظيمًا في أوروبا.
ومع استيلاء الروس على جزيرة خيوس بقيادة الجنرال الأسكتلندي ألفنستون، أراد هذا القائد التقدم للسيطرة على العاصمة إسطنبول لعدم وجود ما يمنعه من الاستحكامات من المرور في مضيق الدردنيل، ولكن لم يوافقه القائد الروسي أورلوف على ذلك، واتفق الاثنان على احتلال جزيرة لمنوس لتكون قاعدة لأعمالهما الحربية، فحاصراها. وكان البارون دي توت -وهو قائد عسكري مجري- قرر الانضمام إلى الدولة العثمانية لتطوير جيشها من تحصين مضيق الدردنيل وبناء القلاع على ضفتيه وتسلحيها بالمدافع الضخمة حتى صار المرور منه شديد الصعوبة.
الروس يشعلون الدولة العثمانية من الداخل
في الشمال استطاع الجيش الروسي أن يحتل قسما كبيرا من ولاية بُغدان وهي مولدوفا ثم توغلت قواته في الأفلاق وهي رومانيا التي كانت تابعة أيضا للدولة العثمانية، وقتلوا عشرات الآلاف من المدنيين المسلمين، وقد أحدث هذا الانتصار الآخر ضجة كبرى، فلأول مرة في تاريخ الدولة الأولى عالميًا تسقط من حيث القدرة إلى الدرجة الرابعة بعد إنجلترا وفرنسا وروسيا بالتسلسل، كما يصف المؤرخ يلماز أوزتونا.
ولم تتوقف الحرب عند هذا الحد من الخسائر، فقد استطاع الروس إشعال الخلافات الداخلية في إمارة القرم الإسلامية وكان يحكمها التتار المسلمون، وقد وافقوا منذ فترة طويلة على التبعية للدولة العثمانية؛ وقد خدع قسم من أهلها بريق وعود الروس باستقلالها عن العثمانيين، وفريق آخر أصر على البقاء مع الدولة العثمانية ومواجهة الروس، ولكن دخول حرب جديدة دون مساندة المدفعية والوحدات الفنية الأخرى للجيش العثماني كان يعني هزيمة ساحقة أمام الجيش الروسي المتطور.
ونهاية المطاف وبعد معركة سريعة انهزم العثمانيون والقرم أمام الروس، وسرعان ما استولى الروس على كامل القرم، وبهذا انتهى الحكم الفعلي للعثمانيين للجزيرة بعد 296 عامًا، وقد اتضح بشكل حاسم أن روسيا انتصرت في الحرب بشكل حاسم واستطاعت تهديد الدولة العثمانية من البحر الأسود بعدما تمكنت لأول مرة في تاريخها من السيطرة على شماله، وكذلك تهديد العثمانيين من البحر المتوسط بغلق خطوط الملاحة في بحر إيجه.
وأثناء هذه الحالة من الحرب أعلن اثنان من كبار الولاة العثمانيين في مصر والشام، وهما علي بك الكبير وظاهر العُمر التمرد، وثبت وجود دعم كبير من الأسطول الروسي في البحر المتوسط لكل من العُمر وعلي بك، وقد استطاعت قوات الأخير الاستيلاء على كامل فلسطين وسوريا حتى بلغت حدود الأناضول، ولولا انقلاب القائد المملوكي محمد بك أبو الذهب على سيده علي بك، وإدراكه مدى الخيانة التي يقوم بها سيده ضد وحدة الديار الإسلامية لتمكن من دخول الأناضول وربما بلغ إسطنبول.
وفي المقابل اتحدّ علي بك مع العمر في عكا وانضم إليهما 400 ضابط روسي بغية هزيمة أبو الذهب، والتقى الفريقان في منطقة الصالحية شمال شرقي مصر، وأسفرت هذه المعركة عن هزيمة علي بك وفرار العمر ومقتل وأسر عدد من الجنود الروس في هذه المعركة، وعاد الاستقرار والهدوء في المنطقة العربية بعد أشهر من تدبير وتخطيط الروس.
معاهدة كوجك قينارجه الخسارة العثمانية الفادحة
لم تتوقف الخسائر العثمانية الفادحة عند هذا الحد، فقد نجح الروس أيضًا في الاستيلاء على مولدوفا ورومانيا، ودخل الفريقان في حرب استنزاف طوال عام 1773. وفي صيف عام 1774 شن الروس هجوما كبيرا استطاعوا التوغل خلاله في بلغاريا، وانهزم العثمانيون أمامهم في قوزلوجه قريبا من مدينة فارنا، وعند هذا الحد أدرك العثمانيون أن الروس باتوا قاب قوسين من العاصمة إسطنبول، ولهذا السبب وبعد 6 سنوات من الحرب المتواصلة، والخسائر المالية والإستراتيجية الفادحة اضطر العثمانيون إلى عقد اتفاقية كُوجك قينارجه في يوليو/تموز 1774.
وكانت هذه الاتفاقية واحدة من أسوأ الاتفاقيات التي وقّعها العثمانيون في تاريخهم؛ فقد نصّت على استقلال القرم عن الدولة العثمانية مع بقاء التبعية الدينية لشيخ الإسلام في إسطنبول، كما نصت على منح الأفلاق والبغدان أي مولدوفا ورومانيا الاستقلال الذاتي تحت السيادة العثمانية، مع إعطاء روسيا حق التدخل واختيار حكّامها، وأعطت المعاهدة الروس أيضًا حق رعاية السكان الأرثوذكس الذين يعيشون في الدولة العثمانية، وتغريم الأخيرة مقدارا كبيرا من الأموال، وكل هذه الشروط وغيرها فتحت الباب واسعًا للروس للتدخل في الشؤون الداخلية للدولة العثمانية، وهو الأمر الذي ظهرت عواقبه الوخيمة في القرنين الـ19 والربع الأول من القرن العشرين.
كما ضمنت روسيا موطئ قدم لها في البحر الأسود والاعتراف بوجودها في قبارديا في القوقاز وسيادة مطلقة في ميناء آزوف وفي أوكرانيا، وحصلت أيضًا على حق المرور في الدردنيل. كل هذه الخسائر جعلت الدولة العثمانية تتراجع عسكريا وسياسيا أمام الروس ومن قبلهم الإنجليز والفرنسيين، ولهذا السبب يُنهي المؤرخ هامر تأريخه للدولة العثمانية في عصرها القوي مع معاهدة قاينارجه؛ لأن السنوات التي تلت هذه المعاهدة رغم المحاولات المستمرة للتحديث زمن السلطان عبد الحميد الأول (1774-1789) وحتى زمن السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909) أثبتت تراجعا ضخما للدولة العثمانية على الصعيدين الداخلي والخارجي.
ويُرجع المؤرخ المصري محمد فريد في كتابه “تاريخ الدولة العلية” تراخي الدولة العثمانية إلى جهل وزرائها بالخطر الروسي الذي بدأ مع بطرس الأكبر بداية القرن الـ18، وهو الأمر الذي أدى إلى ابتلاع بولندا والولايات السويدية في أوروبا، وأصبح الطريق مفتوحا أمامها لإزالة الحاجز الثالث الذي أوصى بطرس خلفاءه من بعده، وهي الدولة العثمانية التي تعرضت لهزائم كبيرة من الروس في القرنين الـ18 والـ19.