الحياة تحت الهجوم.. جدران غزة تحكي القصة
هذا الصراع كما سجلته الكاميرات والتسجيلات والهواتف المحمولة وأعادت بثه الأقمار الصناعية، قام بتوثيقه الناجون على الجدران والأنقاض كوسيلة لتقديم رواية فلسطينية نفسية لرعب الحرب.
لمَ نقوم برسم على الجدران؟
يرى الكاتب جيفري آيان روس أنه خلال الخمسين سنة السابقة، تزايدت بشكل ملحوظ كمية وتنوع الكتابات على الجدران وفن الغرافيتي في المناطق الحضرية الكبيرة، مصحوبًا بزيادة الاهتمام بهذا النوع من الفن العام.
وبغض النظر عن التعاريف الدقيقة، الصورة التي خلفها الغرافيتي في الأذهان كشكل من أشكال الفنون البصرية يعكس المحاولة على الأقل لتقديم سردية نفسية لأهوال الحرب.نوع واحد من أنواع التمرّد السياسي لكن بأسلوب هندسي.
المشاهد أن روس يرون أن الكتابة والفن على الجدران قد أُبصرت بالفعل خلال أوقات الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، والتظاهرات (على سبيل المثال، حياة السود تهم | Black Lives Matter). بيد أن هناك مُدارات كبيرة من الفنون الجرافيتية مهتمة أكثر بتاريخ النزاعات السياسية.
في هذا السياق الضيق هناك تواجد لفن الجرافيتي في غزة؛ تلك الشريطة الساحلية الضيقة المُطَلّة على البحر المتوسط، فالرسم على الجدران، أو الفن الجرافيتي، في تلك البقعة الصعبة المعبأة بالهموم والمعاناة والألم، يعد وسيلة فاعلة للتعبير عن معاناة الشعب الفلسطيني في غزة تحت ستار الجدار الفاصل والنزوح وفقدان الأرض.
في إصدارات الرسم على الجدران على عكس أعمال الرسامين المستشرقين السياسية، تعود غزة من تحت الركام تنهض قوية بمواهب رساميها لتفصح عن جراحها وعذابها وكيانها. ومن الملاحظ أنها لا تندثر ولا تختفي وكأنها تشبه الفينيق الذي ينهض من تحت الرماد؛ لا يمكن لعشاق الفن التشكيلي إلا أن يبتسموا من خداع “أرض بلا سكان” الذي نُشر عنه من قبل الكولونيالية الأوروبية في القرن التاسع عشر من خلال العديد من اللوحات الرومانسية عن عودة إلى الأرض المقدسة.
عند النظر إلى جدران غزة بعد سابع من أكتوبر/تشرين الأول مقارنة بأعمال الرسامين المستشرقين، على سبيل المثال “غزة” للفنان البريطاني ديفيد روبرتس التي رسمت في عام 1839، والتي تعكس كأرض فارغة خالية لا يسكنها أحد، يُكشف كل شيء.
كيف سجلت جدران غزة آثار القصف؟
الجرافيتي والرسم على الجدران في غزة ليست مجرد تعبير عن الذات بل هي أيضًا شكل من أشكال توثيق الذاكرة الشخصية للفلسطينيين للحظات الهجوم وما يليه من صدمات نفسية تظل تتأثر طوال العمر.
الجرافيتي في غزة ليس مُجرد ممارسة فنية لشعب يعيش في رفاهية ورفاهيّة بل هو وسيلة لتقديم سرد مرئي، من قبل الفلسطينيين، لما يعنيه أن تكون ساكنًا لغزة في عالم تُجهد فيه أنظمة عدة لحرمانك من أرضك وإلغاء وجودك.
الفنانون يُستخدمون الرمزية والاقتران والتناقض في سعيهم لتجسيد الهموم أن ترى بجوارك مادة مُتفجرة وأنت تبقى على حياة. وهذا لا يعني أنك نجوت. لأن الهاوية والأثر الذي خلفه الحرب في النفس أكبر مما يُمكن أن يلتئم.
يُظهر على سبيل المثال في واحدة من جدران الرسم، المقتبسة من صورة حقيقية، طفلة تحتفظ بسرية وجه دميتها لكي لا ترى ما تراه. عمل فني آخر يُمثلنساء صرخن وهن يحملن أكفان أطفالهن الموتى بين أيديهن.
“حاولت توجيه رسالتي ومشاعري للناس حول الأحداث في قطاع غزة من خلال فن الرسم”، تقول منى حمودة، فنانة جدارية من غزة. وفيما يتعلق بنفس الوضع، يقول الرسام علي الجبلي من غزة أن لوحاته وجدارياته، خاصة معرض “الحالمون بين الركام”، على جدران المنازل المدمرة والمباني المتهدمة تعبّر عن معاناة الإنسان في غزة.
لكن ما هي الأثار التي تتركها تلك الجداريات على السكان الذين يشاهدون عبر جدرانهم مشاهد العذاب والدمار وهم لا يزالون يتعرضون للقصف؟ إنه نفس الحجر الذي يستُخدم في البناء، والذي يُستَخدم كأقمشة لوحات الفنانين ضد جنود الاحتلال.
في كل ريشة ترسم جدارية، تنبثق قصة مليئة بالألم من فلسطين، تحكي عن غزة المحاصرة أو القدس المحتلة، حيث تتحوّل الألوان والخطوط إلى لغة تنبض بالألم والصمود، معلنة عن غزة التي تشبه العنقاء؛ دائمًا تنشطر من تحت الأنقاض.