السجن عمران خان.. هل عادت باكستان إلى صيغة “ناقص واحد”؟ | سياسة

Photo of author

By العربية الآن

إسلام آباد- ربما يبدو مصطلح “نسخة ناقصة واحدة” غريبا في الساحة السياسية حول الكُرة الأرضية، ولكنه ليس بصيغة غريبة في الساحة الباكستانية التي شهدت تطبيق هذه النسخة خلال رحلتها المضطربة في السياسة من حين لآخر.

طوال تاريخ السياسة بالبلاد، عانى الباكستانيون من نسخة “ناقصة واحدة”، وربما بدأت هذه السياسة عندما تم اغتيال أول رئيس وزراء لباكستان، لياقت علي خان، في عام 1951.

أثارت تصريحات رئيس الوزراء المؤقت، أنور الحق كاكر، في سبتمبر/أيلول الماضي، مسألة هذه النسخة في باكستان، عندما تحدث عن إمكانية عقد انتخابات نزيهة بدون رئيس وزراء سابق عمران خان وبعض أعضاء حزبه.

فقبل عام واحد فقط من تصريحات كاكر، أشار عمران خان إلى أن “أعضاء الحكومة المَتبادلة” – بالإشارة إلى الحكومة التي خلفت حكومته بعد إقالتها في أبريل/نيسان 2022 – كانوا يعملون وفق نسخة “ناقصة واحدة”.

مراقبون يرون أن نسخة “ناقصة واحدة” لم تقلل من تأثير وقوة حزب إنصاف برئاسة عمران خان (رويترز)

نسخة “ناقصة واحدة”

هذه النسخة تعبر عن وضعية حينما يصبح زعيم حزب ما غير مقبول لدى الطبقة الحاكمة في البلاد، والتي تمثلها المؤسسة العسكرية، فيتم استبداله بشخص آخر من نفس الحزب، حيث تركز هذه النسخة على الأفراد بدلًا من الأحزاب، الذي يحق لها استمرار النشاط السياسي وسط بعض العراقيل.

كما يمكن فهمها بمعنى آخر، وهو استهداف رئيس الوزراء فقط بمبررات مختلفة، مما يؤدي إلى عدم استقرار مقره وتأرجحه.

يلاحظ المراقب للساحة السياسية الباكستانية أن الزعيم الأكثر شعبية – لحد كبير – هو الرئيس السابق لوزراء ورئيس حزب إنصاف، عمران خان، لكن بعد إقالته من الحكم، وجد نفسه متهمًا في عشرات القضايا، ليصل به الأمر إلى السجن، ويُمنع من المشاركة في الانتخابات.

على الجانب الآخر، يُعتبر الشخص الأكثر تحديًّا لعمران خان هو نواز شريف، الرئيس السابق للوزراء ثلاث مرات وزعيم حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية (جناح نواز شريف)، الذي تدهورت علاقته مع المؤسسة العسكرية بشكل كبير بعد إقالته من الحكم في عام 2017، ومغادرته إلى المنفى الطوعي في لندن عام 2019.

رغم أنه يُسمح له بالمشاركة في الانتخابات وفاز بمقعد في المجلس الوطني، ويمكنه قانونيًا تشكيل حكومة وأعلن عدم رغبته في تشكيل حكومة ائتلافية، يرى بعض المراقبين أن المؤسسة العسكرية لا تحبذه، أو على الأقل تفضل أخيه شهباز.

ضحايا النسخة

طوال تاريخهم السياسي، عاش الباكستانيون تحت نسخة “ناقصة واحدة”، وربما انطلقت هذه السياسة بعد اغتيال أول رئيس وزراء لباكستان، لياقت علي خان، في عام 1951 في حديقة عامة بمدينة روالبندي أثناء خطابه العام.

بعد ذلك، تنحىت فاطمة جناح – شقيقة مؤسس باكستان محمد علي جناح – عن الحياة السياسية بعد هزيمتها في الانتخابات، التي قيل إنها كانتمزورة- أمام الجنرال أيوب خان الذي حكم باكستان بعد انقلاب عسكري في عام 1958 واستمر حتى عام 1969.

ذو الفقار علي بوتو كان أيضا ضحية لهذه النهج، حيث تم إعدامه عام 1979 بأمر قضائي بعد انقلاب عليه من قبل الجنرال ضياء الحق في عام 1977.

واجه كل من نواز شريف وبينظير بوتو نفس المصير خلال التسعينات، حيث تم استبعاد كل منهما مرتين عن رئاسة الوزراء سواء بقرار من القضاء أو بعد انقلاب عسكري. وقد تم استخدام مصطلح “ناقص واحد” لأول مرة خلال فترة حكم بينظير بوتو الأولى بين عامي 1988 و1990.

استمر الحكم العسكري للجنرال برويز مشرف لمدة تصل إلى تسع سنوات، خلال هذه الفترة حافظت بينظير بوتو على شعبيتها، حتى وقعت -أيضا- ضحية للصراع السياسي حيث تم اغتيالها في ديسمبر/كانون الأول عام 2007.

واستمر نواز شريف في الحياة السياسية بعد فوز حزبه في انتخابات عام 2013، حيث تولى رئاسة الوزراء للمرة الثالثة في حياته. وتشابهت فترة حكمه الثالثة مع الفترتين السابقتين فيما يتعلق بإقالته من منصبه بقرار قضائي عام 2017. منذ ذلك الحين واجه شريف متابعات قضائية وتقديم نفسه للمنفى بصورة طوعية في لندن حتى أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

صيغة فاشلة

رغم نجاح هذه السياسة في استبعاد الشخصيات المؤثرة، إلا أنها وفقاً لبعض المراقبين فإنها فشلت على المدى الطويل. يعتقد الصحفي والمحلل السياسي جاويد رانا أن جميع هذه السياسات المعروفة باسم “ناقص واحد أو ناقص اثنين” لم تحقق نجاحاً في الماضي ومن المرجح أن تستمر في الفشل في المستقبل أيضاً.

ويبرر رانا ذلك في حديثه للجزيرة بأن كل محاولات “الجيش وشبكة الاستخبارات” لإبعاد عمران خان عن السلطة قد فشلت؛ حيث لا زال حزبه أكبر قوة سياسية في البلاد وحصل على عدد كبير من المقاعد في الانتخابات الأخيرة التي اُتهمت بالتلاعب والتزوير.

ويعتقد أن الجيش أراد عودة نواز شريف إلى السلطة، ولكنه لا يرغب في فوزه بأغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده. ويضيف أنه حتى إذا لم يكن عمران خان في الحكم أو البرلمان، فإن حزبه لا زال قوة سياسية تحظى بالدعم الشعبي.

من جانبه، يقول المحلل السياسي ورئيس مركز إسلام آباد للدراسات السياسية عبد الكريم شاه إن الجهود العسكرية لتطبيق سياسة “ناقص واحد” باءت بالفشل، مؤكداً رفض حزب إنصاف هذه السياسة بشكل قاطع.

ويضيف، في مقابلة مع الجزيرة، بأن “الجيش حاول ابعاد عمران خان من الساحة السياسية، لكنه وعلى الرغم من نجاحه في ابعاده شخصياً، فإن حزبه يبقى جزءً لا يتجزأ من المشهد السياسي حتى وإن كان في السجن”.

ويشير شاه إلى أن الموقف يختلف بالنسبة لنواز شريف الذي لم يتم تأكيد ابعاده عن السلطة، لكنه اختار أن يمنح فرصة لشقيقه شهباز وابنته مريم في إقليم البنجاب؛ لأنه يرغب في تفادي تحمل المسؤولية عن مشاكل وتحديات الحكومة القادمة. ويرى أن تلك المهمة هشة ومحتملة الفشل.

ويختتم بأن نواز لن يتخلى عن المسؤولية سواء باسمه شخصياً أو باسم حزبه وعائلته التي تشمل شقيقه وابنته، مشيراً إلى أنه سيوجه السياسة من بُعد بالنسبة للحكومة المقبلة.

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.