السلسلة العراقية “عسل مسموم”.. حكاية خيانة وخداع غنية بالدراما | فن

Photo of author

By العربية الآن

|
تمّ عرض عدة مسلسلات عراقية على الشاشة التلفزيونية والمنصات الإلكترونية خلال شهر رمضان الكريم، من بينها واحدة من أكثرها شهرة ومشاهدة وهو “عسل مسموم”، إخراج فادي سليم، تأليف ندى عماد خليل، وبطولة بكر خالد وهند نزار ومريم غريبة.

يُشبه هذا العمل الكثير من المسلسلات الخليجية في موضوع العائلة الكبيرة التي تسكن في منزل واحد، وتتعرض لمجموعة من الصدمات، وكيفية تعاطيها مع هذه الصدمات، وهنا تبدأ حكاية “عسل مسموم”.

“التطهير” بأسلوب أرسطوس

تدور أحداث “عسل مسموم” في “بغداد الحديثة”، نتعرّف في البداية على حياة الموظف “كرم” (بكر خالد) وعائلته، حيث يعمل كرم موظفاً حكومياً مسؤولاً عن تصاريح المباني، ويعيش مع والديه وأخيه وعمه وابنة عمه في منزل فخم، وبعد زواجه وإنجابه لابنته “ديمة” وابن آخر، يبقى في نفس المنزل.

تتصادم حياة “كرم” في الحلقة الأولى مع “ناصر” الثري (كاظم القريشي) الذي يرغب في هدم مسجد أثري، فيعارضه “كرم” بوصفه موظفاً حكومياً، فيتعرض لتهديدات غامضة، ويختفي ابنته في أحد الأسواق في نفس اليوم، لتتهمه “ناصر” بخطفها مباشرة.

الأحداث تتابع في خطين متوازيين، البحث عن الابنة المفقودة بواسطة “كرم” وعائلته، وتحقيق ابنته “رفل” في أسرار وجرائم “ناصر”، ومن خلال “الفلاش باك” نُعيد تذكيرنا بيوم اختطاف “ديمة” والمتسبب/ة في ذلك، ولكن لا تنتهي الألغاز والمفاجآت التي تُرافق الحلقات.

 

“عسل مسموم” يقدم للمشاهدين تجربة “التطهير” (Catharsis)، وذلك عن طريق تخليص عاطفي يُمكن من خلاله تحقيق تحول أخلاقي أو روحي، أو التخلص من القلق والتوتر.

المصطلح كان مستخدماً في الشعر بواسطة أرسطو لشرح تأثير التراجيديا على المشاهدين، حيث كان يرى أرسطو أن التطهير يُعد النهاية المثالية لعمل تراجيدي أو مأساوي، ويمثل إحدى مقاييس جودته. أرسطو قال في كتابه “فن الشعر”: التراجيديا هي تقليد لحدث حقيقي وكامل وذو مستوى معين من الرثاء والخوف يؤدي إلى التطهير الملائم لهذه العواطف.

ببساطة، عندما يتعاطف المشاهد مع العمل الفني الذي يتابعه ويشهد ما يحدث لشخصياته، يصل في النهاية إلى شعور بالراحة لأن ما يعانيه هؤلاء الأبطال الافتراضيين لا يمسه أو يؤثر عليه، وبذلك يتخلص من القلق والتوتر الذي يُصيبه خلال التفاعل ويعود إلى الشعور بالأمان.

يقدم مسلسل “عسل مسموم” مجموعة من الصدمات الدائمة، فقصته مليئة بالمكائد والأسرار والغش، مما يجذب المشاهد لأنه ليس جزءًا من هذه العائلة وفي الوقت نفسه يُتابع بشغف محنهم.

مسلسل "عسل مسموم
استخدم مبتكرو العمل بشكل زائد تقنية “الفلاش باك” لتفسير الأحداث (الجزيرة)

واستخدم مبتكرو العمل بشكل زائد تقنية “الفلاش باك” (إعادة عرض الماضي) لشرح هذه الأحداث وفهم مشاعر وأهداف الشخصيات والعلاقات بينها، مما خلق تداخلًا في بنية العمل، حيث يُعقّد في بعض الأحيان ترتيب الأحداث الزمنية ومدى انتمائها للفلاش باك (أي الماضي) أو استمراريتها في الحاضر.

لا صوت يُغنى عن صوت الدراما

يُستخدم مفهوم “الدراما” في الحياة اليوميةوالدردشات اليومية تُستخدم للدلالة على المواقف أو السلوكيات العاطفية بشكل مبالغ فيه ومفرط. يُعد هذا أقرب للمعنى الشعبي للمصطلح، بينما الميلودراما تُعتبر نوعًا أدبيًا أو دراميًا تستخدم فيه المبالغة لإثارة ردود فعل عاطفية من الحشود أو الجمهور. عادةً ما تظهر في الميلودراما الشخصيات تصرفات عاطفية مُفرطة، وتتميز الأحداث فيها بأنها مليئة بالإثارة، مما يجعلها تجمع بين الحداثة والتخلي عن الواقع.

يميز بين الميلودراما والتراجيديا الناقد والأديب الدكتور نبيل راغب في كتابه “فنون الأدب العالمي”، حيث يُقول “إن الميلودراما لها من التراجيديا والمأساة، لكنها تتفرد بنهاية مختلفة وقد تكون حزينة أو سعيدة”.

تتميز المسلسلات الميلودرامية بعدة سمات مثل التركيز على زاوية الضحية، والصراع الأخلاقي والتطورات غير المتوقعة في الحبكة، واعتماد الصدف مع الأسرار المكنونة، وكذلك تواجد العقاب الأخلاقي الذي يتلقاه بعض الشخصيات بسبب تصرفاتهم.

مسلسل “عسل مسموم” يمثل هذا النوع من الميلودراما بما يحمله من تشويق لا ينتهي، منذ اختطاف الطفلة “ديمة” وحتى كشف الأسرار والحقائق المخفية، يتوقع المشاهدون عقاب الشر وضحك الجناة.

على الرغم من انتشاره، إلا أن الميلودراما لا تُفضل لتكرار تداولها، إذ تعبر مجرد سلسلة من المصاريف المتوالية التي لا نهايت لها، وتؤثر سلبًا على العناصر الجوهرية للمسلسلات مثل البكاء المستمر والشجارات التي لا تنقطع.

من هنا، يمكن تخفيف حلقات المسلسل تقريبًا إلى النصف عند حذف هذه المشاهد من غرفة المونتاج دون التأثير على السياق.

يحقق مسلسل “عسل مسموم” إعجاب جمهور يتلذذ بمتابعة الفجائع التي تصيب الآخرين بينما يظلون هم بحال سليمة، لكن من الناحية الجودة، يحمل الكثير من العيوب.

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.