السموم: كنز الطبيعة لعلاج الأمراض
تعتبر سموم الحيوانات أحد المصادر الرئيسية لاكتشاف علاجات جديدة، حيث تتخطى الحواجز التقليدية في مجالات العلوم والأبحاث. فقد ساهمت السموم الموجودة في حيوانات مثل سحالي جيلا، وثعابين الكوبرا، وقواقع المخروط، في إحداث ثورة في مجالات العلاج، وخاصة في معالجة أمراض مثل السكري والسمنة، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “نيويورك”.
اكتشافات هامة في عالم السموم
في ثمانينات القرن الماضي، بدأ الدكتور جان بيار روفمان، الذي كان آنذاك طبيباً شاباً، في دراسة سموم الحيوانات بمختبر أمراض الجهاز الهضمي في المعهد الوطني للصحة. وقد توصل من خلال التعاون مع الكيميائي جون بيسانو إلى اكتشاف يتعلق بسم سحالي جيلا، والتي تعيش في أمريكا الشمالية. هذا السم يحتوي على مركب يُعرف باسم “إكسيندين-4″، الذي يعمل بمثابة مُقلد طبيعي لهرمون “GLP-1” المحفز لإنتاج الإنسولين في الجسم.
أسفر هذا الاكتشاف عن تطوير عقار “بييتا” الذي حصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء في عام 2005 لعلاج السكري من النوع الثاني. وأظهرت الدراسات اللاحقة أن المرضى الذين يتناولون “بييتا” يفقدون الوزن، مما أدى إلى تطوير أدوية مثل “أozimpeك” و”ويغوفي” التي حققت نجاحاً كبيراً في خفض الوزن.
السموم كأداة طبية متعددة الاستخدامات
لم يكن سم سحالي جيلا فقط هو محور التركيز، بل تم استخدام سم أفعى برازيلية منذ الستينات لتطوير عقار “كابتوبريل” الذي يساهم في خفض ضغط الدم. كما تم استخدام سم قواقع المخروط لتخفيف الآلام الشديدة عبر عقار “زايكونوتايد” الذي حصل أيضاً على موافقة إدارة الغذاء والدواء في عام 2004.
ويقول العلماء إن السموم تعد بمثابة “الجيش السويسري للطبيعة” بفضل احتوائها على “بيبتيدات” وأحماض أمينية دقيقة لها القدرة على التأثير بدقة على مستقبلات الخلايا. ومع التقدم التكنولوجي، يمكن استخراج ودراسة هذه السموم بكميات صغيرة، مما يخلق قاعدة بيانات غنية من الجزيئات التي يمكن أن تؤسس لعلاجات جديدة.
تحديات الحفاظ على التنوع البيولوجي
رغم التقدم الملحوظ، تواجه الأبحاث الطبية تحديات بيئية جسيمة. إن التغير المناخي والإتلاف البيئي يهددان بقاء أنواع معينة من الكائنات السامة، مثل قواقع المخروط، الضرورية للأبحاث الطبية. ولهذا، فإن الحفاظ على تنوع هذه الأنواع البيولوجية أصبح أمراً ملحاً لتحقيق اكتشافات مستقبلية.
ختاماً، يشير التقرير إلى أن السموم توفر إمكانات هائلة لتطوير علاجات جديدة، ويؤكد الباحثون على أن فهم هذه الموارد الطبيعية النادرة يعد مفتاحاً ليس فقط لتحسين الصحة البشرية، ولكن أيضاً لتذكير المجتمع بأهمية حماية البيئة التي تمنح هذه الاكتشافات القيمة.