“السومبريرو”.. إرث الفردوس الضائع
تُعبر الثقافة عن تاريخ إنساني عام يتجاوز المادية التي تحكم الزمن الحالي. فعلى مر العصور، كانت الثقافة سجلاً حافلاً بتنوع الهويات واللغات، وترابط الأزمنة مع الجغرافيا. إن غطاء الرأس يمثل جزءًا من هذه الثقافة، حيث استخدم البشر أنواعًا مختلفة لحماية أنفسهم من الحرارة والبرد.
بينما كانت العمامة رمزًا للجمال العربي، أُحبت الدول الأوروبية وأراضي ما وراء النهرين القبعات، ومن ضمنها قبعة “السومبريرو” التي تُعني “المظلة” بالإسبانية. تتواجد هذه القبعة في بلدان المغرب العربي وأميركا الجنوبية، وتفصح عن ارتباطها برحلة تاريخية إلى فردوس مفقود، تم تتويجها بأشعار مغربية.
يعود ارتباط السومبريرو، لا بتاريخ منطقة معينة، بل إلى ثقافة اقتصادية متنامية تُحتفى فيها بالعُلماء والأولياء في الأسواق المغربية.
المنشأ الثقافي
تعود جذور السومبريرو، كما تسرد الروايات التاريخية، إلى المملكة الإسبانية حيث كانت الأندلس تمر بمرحلة انحدار. في تلك الأثناء، انطلقت النهضة الثقافية في أوروبا، مما نتج عنه ابتكار أشكال جديدة من القبعات. وساهمت اكتشافات البحر وطرق التجارة في انتشار السومبريرو التقليدي بين النبلاء والتجار، الذين تميزوا بالريش والزخارف والقماش الفاخر.
مع انتقال السومبريرو إلى مستعمرات أميركا الجنوبية، ازدادت التفاعلات الثقافية وسط الحملة الاستعمارية على شمال أفريقيا، تَشكلت خلالها تصورات جديدة حول الهوية. ففي الوقت الذي أُعتبرت فيه العمامة هي الغالبة بين مسلمي المغرب، لم يشعر البدو الرحل بالحاجة لاستخدام السومبريرو.
تأثرت أشكال السومبريرو بضرورته العملية، وتحولت مع الزمن من استخدام القماش الفاخر إلى سعف النخيل، مما جعلها متاحة للأوساط الفقيرة. ورغم الربط الثقافي الذي يُعبر عنه السومبريرو، فإن بدايات ظهوره في المغرب تتقاطع مع تاريخ الغزو الإسباني.
سُجل ظهور السومبريرو في لوحة الفنان المستشرق “فريدريك آرثر بريدجمان” بعنوان “مقهى في بسكرة الجزائر” عام 1884، حيث ظهر رجل يلعب الشطرنج مع امرأة تحت غطاء السومبريرو. كما التقط المصور “غوستاف دي بيوكوربس” صورة لامرأة جزائرية مع السومبريرو عام 1880، مما يُشير إلى دمج الثقافات دون تحديد دقيق لهوية القبعة.
يُظهر عدم الاعتراف بالسومبريرو في الثقافة المحلية والعادات الشعبية التوجه نحو تفاصيل الهوية القبلية، لذا ظل هذا التقليد بعيدًا عن التأريخات السائدة.
الثقافة عند نهاية التاريخ
تُشير هذه الثقافة إلى أن الفن والممارسات التقليدية تظل قائمة في صراع بينها وبين التأريخ الخاضع للسيطرة والتي تركز أكثر على الهويات المهيمنة. السومبريرو، إذن، يحمل في طياته تاريخ الغزو والأصالة، مما يجعله رمزًا معقدًا يجسد التداخل بين الثقافات.
### السومبريرو في الذاكرة الجزائرية
في الذاكرة الشعبية الجزائرية، يُعرف السومبريرو بـ”المظل”، ويبرز استخدامه في مواسم الوعدة والتويزة، حيث يتم إحياء ذكرى الشخصيات الصالحة والمقاومين مثل سيدي محمد بن عودة. الغرض من هذه الاحتفالات هو استعادة الروح التاريخية للأحداث، بعيدًا عن التصورات الإنسانية التي تقتصر على الأطر الفولكلورية.
### غياب الشعر الملحون
يتضح أن الأشعار المحلية، وخاصة الشعر الملحون، لا تحتوي على أي ذكر للمظل، بالرغم من تأكيد الأبيات على أهمية القبيلة والخيمة والفارس. هذا يُظهر أن المظل لا يُعتبر طقسًا قبليًا مرتبطًا بشيخ معين، مما يبرز افتقار المظل للاهتمام في السياقات الشعرية والسردية، مما جعله يبدو كضرورة وظيفية تزايدت في إطار الاقتصاد المحلي.
### السومبريرو المكسيكي: رمز ثقافي
بينما يُعتبر السومبريرو المكسيكي رمزًا ثقافيًا عابرًا للحدود، فقد تجسد في فيلم كرتوني مثل “ماما كوكو” (2017)، الذي يعكس الأسطورة البشرية عن “الحياة البرزخية” وأهمية “استعادة التاريخ”. الفيلم يعبر عن الثقافة المكسيكية من خلال الموسيقى والرقص، لكنه في الوقت نفسه يحمل أبعادًا إنسانية أخرى تتجلى في مآسي تاريخية.
### الاحتفالات بالذكرى: الوعدة والموتى
تتشارك الوعدة في المغرب العربي مع الاحتفال بيوم الموتى في المكسيك في تفعيل طقوس تلك الذكريات الأسطورية. ومع ذلك، تختلف الثقافتان في نهايتهما، حيث تمكن المكسيكيون من تبني السومبريرو كرمز ثقافي وطني، بينما “تنتهي صلاحية” المظل بانقضاء مواسم الوعدة في المغرب العربي.
### الهوية والتاريخ
الاختلاف الجذري بين السومبريرو والمظل يعود إلى “الارتباط التاريخي” الذي أسس له السومبريرو في الثقافة المكسيكية، ما جعله يشكل هوية عابرة للحدود. بينما يظل المظل عرضة للاستخدامات الضيقة في الحياة اليومية، كونه مرتبطًا بالاحتياجات الفردية وليس بتراث ثقافي أوسع.
### الأحداث الحديثة والتحديات
استخدام المظل اليوم يظهر كجزء من ظواهر الحداثة في عالم يواجه تأثيرات العولمة. فعلى سبيل المثال، استخدمت قبعة السومبريرو كشعار وطني خلال بطولتي كأس العالم في روسيا وقطر، دون الإشارة إلى تاريخها المعقد. بينما لم تستطع المهرجانات في المغرب العربي تحرير المظل من سياقه الاقتصادي، مما يحرم هذا الأخير من السياق الثقافي المأثور.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.