معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه العسكر
في جامعة السوربون، حيث نال معروف الدواليبي بعثة دراسية نتيجة تفوقه في كليتي الحقوق والشريعة، قرر خلع الجبة والعمامة، مرتديًا بدلته الأوروبية، ولكنه احتفظ بقيمه ومبادئه، وكان دائمًا يعارض الأفكار الخاطئة التي تطرحها أساتذته حول الإسلام.
بسبب في حدة نقاشاته مع الأساتذة، طُلب منه كتابة أطروحة دكتوراه حول الموضوعات التي كانت موضع خلاف، فقدم أطروحته بعنوان “الاجتهاد في الشريعة الإسلامية” والتي تناول من خلالها الكثير من النقاط الجدلية التي كانت محط نقاشاته.
وعن هذه الأطروحة، قال الدواليبي: “فرض علي الموضوع من قِبل جامعة باريس، بعدما انتقدت كثيرًا مما ورد في كتبهم.”
جهود الدواليبي في باريس
في تلك الفترة، شهدت العلاقات بين فرنسا وأمريكا وبريطانيا توترًا بسبب اعتقال الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس. حيث كان الدواليبي له دور بارز في جهود الإفراج عنه، إذ استغل زيارة الملك محمد الخامس إلى باريس، وتوسط معه لدى شارل ديغول الذي وعد بعدم تسليم الحسيني.
وفي خطوة جريئة، قام الدواليبي بتزوير جواز سفر للحاج أمين الحسيني، من أجل تهريبه إلى إيطاليا ثم إلى مصر على متن طائرة أميركية بعد أن نال وثيقة الدكتوراه وعاد إلى سوريا مستعدًا للمرحلة التالية من حياته المضطربة.
الحياة السياسية في البرلمان
انتخب الدواليبي عام 1947 نائبًا عن مدينة حلب وظل في منصبه حتى عام 1963، عندما وقع انقلاب البعث. وقد كان يمثل الإخوان المسلمين رغم عدم انتمائه التنظيمي لهم، واستمر ارتباطه الوثيق بهم بعد ذلك.
في عام 1948، انقسمت الكتلة الوطنية التي ينتمي إليها إلى حزبين مناطقيين؛ حزب الشعب في حلب وحزب الوطن في دمشق، ليصبح الدواليبي أحد الأركان الأساسية لحزب الشعب ويحقق دعمًا واسعًا يوصله إلى رئاسة البرلمان.
مواجهة الانقلاب العسكري
خلال فترة وجوده في البرلمان، واجه الدواليبي تحديات عدة، حيث كان يتصدى للانقلابات العسكرية والسياسات القمعية. كان موقفه الجريء مناهضًا للعسكر، مما جعل العديد من العسكريين في البلاد يعتبرونه خصمًا لهم، في وقت كانت فيه البلاد تعيش زخمًا من المستجدات السياسية والاجتماعية.
الدواليبي في مواجهة الانقلابات العسكرية
تتجلى قوة الرجال في الأزمات، وتبرز أصالة السياسيين في أوقات الانقلاب. ومع بدء عصر الانقلابات في سوريا، برز معروف الدواليبي كشخصية نادرة تتسم بالشجاعة في مواجهة الاستبداد العسكري. حيث قاد البدايات في مقاومة الانقلاب العسكري الذي قاده حسني الزعيم، والذي أدى إلى اعتقال الرئيس شكري القوتلي وحلّ الأحزاب. وفي تلك اللحظة، أعلن الدواليبي باسم حزب الشعب رفضه للانقلاب، مظهرًا شخصيته القيادية القوية.
استعادة الحياة السياسية
بعد أشهر من الانقلاب الأول، قام سامي الحناوي بانقلاب جديد ضد حسني الزعيم، مستندًا إلى دعم حزبي “الشعب” و”الوطن”. وقد كان للدواليبي دور بارز في حشد الرأي العام ضد الزعيم، ليتمكن بهذا من استعادة الحياة السياسية وإجراء انتخابات جديدة للبرلمان، حيث فاز الدواليبي مجددًا عن حلب بفضل دعم جماعة الإخوان المسلمين. وعُين وزيرًا للاقتصاد ثم وزيرًا للدفاع في حكومة خالد العظم.
تصريح الدواليبي الشجاع
في عام 1950، برز الدواليبي على الساحة الدولية بفضل تصريح جريء أدلى به خلال اجتماع لوزراء الخارجية العرب. حيث اقترح إجراء استفتاء على تبعية العرب للسياسة الأمريكية، رافضًا أن يكون العرب عرضة للتهويد، ليفرض نفسه كأحد الشخصيات البارزة في العالم العربي.
معركة البرلمان والتحديات العسكرية
في انتخابات 1951، تمكن الدواليبي من الفوز برئاسة البرلمان، متفوقًا بفارق كبير على مرشح الجيش، أديب الشيشكلي. وعندما كلف الرئيس هاشم الأتاسي الدواليبي بتشكيل الحكومة، اعتبرت هذه الخطوة تحديًا مباشرًا للجيش مما أدى إلى معارضة الشيشكلي. ومع ذلك، أصر الدواليبي على تشكيل الوزارة وأصبح وزيرًا للدفاع.
الانقلاب الرابع واعتقال الدواليبي
في 29 نوفمبر 1951، أعلن الشيشكلي انقلابًا عسكريًا جديدًا، حيث اعتقل الدواليبي وأعضاء وزارته ووضعوا في سجن المزة. ورغم الضغوط الكبيرة التي تعرض لها، ظلّ الدواليبي متمسكًا بموقفه ولم يقدم استقالته، حتى أُخرج بعد أشهر على الحدود اللبنانية.
العودة إلى الحياة السياسية
بعد إسقاط انقلاب الشيشكلي في عام 1954، عادت الحياة السياسية إلى طبيعتها، حيث تم تكليف الدواليبي مجددًا بوزارة الدفاع. وقد استمر بالتفي في وزارات متعددة حتى انطلق الانقلاب البعثي في عام 1963. وعندها أدرك الدواليبي أن سوريا أصبحت مكانًا غير آمن له، فغادرها ليلتزم بحياة سياسية خارج البلاد، حيث وافته المنية عام 2004 في المدينة المنورة بعد تاريخ حافل بالنضال من أجل الحرية.
- الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.