الشيخ الأكبر في رواندا: الأتباع يشاركون بفعالية في تعزيز الدولة
<
div class=”wysiwyg wysiwyg–all-content css-1vkfgk0″ aria-live=”polite” aria-atomic=”true”>كيغالي- عندما تتنقل في شوارع كيغالي أو خارجها وتتفاعل مع جمال الطبيعة من حولك، تظهر أمامك أبراج خضراء تُعلو جوامع تتباين مساحاتها بين المساجد الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى وجود جامع كبير في أحد زوايا كيغالي ومقر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، حيث يتواجد مكتب الإفتاء والدعوة.
اقتربنا لمقابلة الشيخ الأكبر في رواندا سالم هيتيمانا، وعند الوصول إلى المدخل الخارجي للمجلس، تستقبلك أصوات أطفال يرتلون آيات من القرآن الكريم، في توقيتهم اليومي لدروس تجويد القرآن.
رحّب بنا الشيخ وحين كان موعدنا معه، وصل وفد من أتباع المحافظات الرواندية للقائه.
فيما يلي نص الحوار:
-
ما هي نسبة المعتنقين للإسلام حاليًا في رواندا؟
في الوقت الحالي، يُعتقد أن نسبة الموحدين من إجمالي سكان رواندا تتراوح حوالي 15%. تقال أحيانًا أن تلك النسبة أقل ولا تتجاوز 4% ولكن هذا التقدير غير دقيق.
-
كيف تقيم التعاون الرسمي مع المعتنقين؟
أجد أن وضعية الموحدين في رواندا ممتازة للغاية، نحظى بتبني كامل من السلطات والهيئات، ونحن لا نعاني من أي تمييز أو ضغط. نشعر بأننا مواطنون عاديون، ونحن لا نواجه أي نوع من التمييز أو القيود. لكن ينبغي وضع كلامي في سياق تاريخي لفهم الأمور قبل عام 1994.
سابقًا، كانت النظرة نحو الموحدين في رواندا تتسم بالتحيز الواضح، منذ استقلال البلاد في عام 1962 حتى عام 1994. عانى الموحدين في ذلك الوقت من التهميش والاضطهاد، حيث لم يُسمح لهم بالمشاركة في النشاطات التنموية أو الاقتصادية أو الثقافية. كانوا محرومون من حرية العبادة، وبعضهم يلقي باللوم على وجود المشردين الأوائل الذين جاءوا مع المستعمرين.
ثم بدأت الأمور تسوء، حيث تم إجبار أغلبية الموحدين على العيش في معسكراتٍ تشبه معسكرات اللاجئين رغم أنهم أبناء البلاد. ولتعزيز التمييز، كانوا يُطلق عليهم لقب “ساحليين” نظرًا لاستخدام الموحدين للغة السواحلية، وهي لغة المشردين الأوائل الموحدين القادمين من تنزانيا.
كانوا يُنفون من قراهم، وتم نقل معظمهم إلى تلك المعسكرات التي بمجرد دخولها تُمنح الفرد حقوق المواطنة، وتُمنع من ممارسة الدراسة أو امتلاك الأراضي. ببساطة، يُصبح الشخص غير ملموس.
واستمرت هذه الحياة الصعبة حتى عام 1994 مع دخول جبهة تحرير رواندا لوقف المذابح ضد أقلية التوتسي. منذ ذلك الحين، حدث تغيير هائل في وضعنا. شهدنا افتتاحًا من الجهات الرسمية، وبدأت الموحدين يُدمجون في الوظائف الحكومية والمناصب القيادية، فضلاً عن قبولهم في المدارس والجامعات.
وقبل 1994، كان عدد الموحدين الذين نُسمح لهم بالدراسة في الجامعات لا يتجاوز الستة على مستوى الدولة، بينما من تخرج في المرحلة الثانوية كان عددهم لا يتجاوز 35 شخصًا.
ثم تغيرت الأمور، حيث يخرج الآن الآلاف من الموحدين الروانديين من الجامعات، وبعضهم حاصلون على شهادات الماجستير والدكتوراه. والأكثر من ذلك، كان أول وزير داخلية بعد توقف المذابح من الموحدين، تربطني به روابط الشيخ الذي تعلمت عنده في الدراسات الشرعية، عبد الكريم الهرري.
-
هل كان الشيخ نفسه يشغل وزارة الداخلية؟ هل انتهى عهد التمييز في فترة وجيزة بهذا الشكل؟
صحيح، لم يكن أحد يتوقع روؤساء في السلطة المعنية بالإدارة المحلية. بالنسبة للجالية المسلمة في رواندا، كان ذلك مفاجئًا للغاية.
ثم شهدنا تحولات سريعة وكبيرة، حيث أصبحنا الآن المسلمين يشOccupationنون في المناصب الرسمية على قدم المساواة مع جميع المواطنين في رواندا. ليس هو فقط، حتى الحجاب لم يعد يشكل عائقًا عند دخولنا لأية مؤسسة رسمية للقيام بمهمة ما.
في طفولتي، مرةً كنت مع والدي في مكتب حكومي، حينما أزال الحجاب الذي كنت أرتديه ووضعه في جيبه قبل أن ندخل، وتساءلت لماذا فعل ذلك فأجابني بأن الحجاب لا يُسمح بارتدائه في الجهات الرسمية.
-
ما هو دور المسلمين أثناء الإبادة الجماعية ضد التوتسي؟
تتمثل دور المسلمين والإسلام في رواندا في اتباع تعاليم الدين والشريعة. عندما كانت الحكومة تهيئ وتخطط لإبادة التوتسي، دُعي المسلمون أيضًا للانضمام للمليشيات والمشاركة في عمليات القتل. عقد وقتها اجتماع مع مفتي بلادنا الشيخ محمد موبيزا، إلا أن الوجهة كانت واضحة، إذ يحظر الإسلام، دين السلام، علينا تبني مثل هذه الأفكار؛ لأن ديننا يدعو لاحترام الإنسان واحترام حرمته.
لذلك، دعى المفتي ممثلي المسلمين في جميع أنحاء البلاد وحثهم على الاجتماع عام 1992. وحذر الأئمة جميعًا من التهديدات الجديدة، وأكد على ضرورة أن نكون يقظين ومستعدين،وعدم الإنجرار في تلك الاتجاه سواء بين أوساط المؤمنين أو تجاه إخوتنا المواطنين من قبائل وأديان أخرى.
تم إعداد رسالة تم بعثها لرئاسة البلاد والحكومة، وتم توزيعها في رواندا، بأن المؤمنين لن يتقبلوا المشاركة في أي جماعة مسلحة أو حزب أو فكرة تحرض على العنف بسبب الانتماء القبلي. ونبهت الرسالة إخوتنا في الوطن، من المؤمنين وغيرهم، بأن أحدا لا يختار الانتماء للعشيرة أو العائلة، بل إنه قضاء من الله عز وجل.
وكانت المؤسسة العليا للمؤمنين في ذلك الوقت واضحة، وطالبوا من جميع الخطباء عدم الانتماء للأحزاب، لأنها تسلك طريقا مخالفا للشريعة، وحذروا من أن من يرغب في الالتزام بالانتماء الحزبي من الخطباء أو العلماء، فليترك منصبه في هيكل المؤمنين.
وأشارت الهيئة إلى رئيس البلاد آنذاك بأن الشعب يراه كأب له، ويجب عليه التصرف بنفس الوسيلة. وأكدت الرسالة أنه إذا اختار الرئيس الالتزام بهذه الإرشادات، سيجد المؤمنون أنفسهم إلى جانبه، وإذا اختار التمرد على رؤية المجتمع المسلم للمواطنة، فسيواجهون مقاومتهم.
وعندما بادرت المذبحة، أظهر المؤمنون مستوى عال من الوعي، وواصل الخطباء في توجيه المؤمنين بخطورة المؤامرة التي تُحضر لها، فقرر المؤمنون حماية الأفراد والمساجد. في ذلك الوقت كان الجميع هدفا على مستوى التفرقة العشائرية، المؤمن وغير المؤمن.
بالطبع كانت هناك بعض الحالات النادرة، ولكن الأغلبية رفضوا القتل والإبادة والجرائم والمشاركة فيها. كما قام المؤمنون بدور نشط في الدفاع عن المضطهدين والملاحقين، خاصة في المنطقة الشرقية.
-
هل تذكرون حادثة بارزة من ذلك الزمان؟
كان هناك إمام لمسجد في قرية على ضفاف النهر، مجاورة لقرية أخرى على الجانب الآخر، عندما بدأت الهجمة على تلك القرية، وبدأت جثث الضحايا تنذرف في النهر، كان لا بد من جهاد لإنقاذ حياة الأبرياء. نظم المؤمنون أنفسهم وعبور النهر باتجاه تلك القرية ومواجهة الهاجمين، والدفاع عن الأتوتسي.
وفي تلك القرية لم يكن الأتوتسي من المؤمنين، فأنقذوا 1300 شخص وأعادوهم إلى المسجد، وقتل العديد من المؤمنين وهم يحمون أهلهم. ومن بينهم، قاتل أحد الشبان الجديد في الإسلام والده الذي كان عضوا في الميليشيات التي ارتكبت المذابح، كان يحارب مع المؤمنين دفاعا عن الأبرياء ضد والده.
وهذا مثال رائع على كيفية انبعاث الإسلام عن التفكير القبلي، وعلى كيفية أن ديننا أعلى من أي انتماء قبلي. لذلك، تحولت المساجد إلى ملاذ للناجين، حيث وجدوا الأمان.
قبل الإبادة، كان عدد المؤمنين لا يتجاوز 2% من السكان، وبعدها تم التركيز على الأداء النبيل الذي قام به المجتمع المسلم. وبدأ المؤمنون بحملة دعوية مكثفة مع إخوتهم، بدأت الناس تفهم الإسلام. وبعد انتهاء المجازر، سمعنا من المسئولين عبارات معروفة بأن “لو كانت نسبة المؤمنين الروانديين أعلى، لما حدثت المذابح الجماعية ضد الأتوتسي”.
وبدأنا نرى تقربا واضحا من الحكومة، حتى أن حكام المناطق زادوا الطلب علينا لإرسال قوافل دعوية لتأتي وتعلم الناس الإسلام.
على سبيل المثال في إحدى مناطق شرق البلاد، كانت الجريمة تتفشى والدعارة تنتشر، وكانت الشرطة عاجزة عن السيطرة على الوضع، وفي ذلك الوقت تحولت القوافل الدعوية إلى هناك، فأسلم نحو 500 شخص، بينهم مجرمون سابقون. ولاحظت السلطات بعد ذلك انخفاض في تسجيل أي حوادث أو شكاوى، وبدأت تتساءل عن السبب؟ هل انتقلت العصابات من تلك المنطقة؟ فأخبرهم أحد المسؤولين المحليين بأن رؤساء العصابات أسلموا.
وبينما قامت الشرطة بتحقيق حقيقة الأمر، وجدت أن المجرمين أصبحوا في سلوك طيب ويتمتعون بالانضباط، بل ويقودون حملات تحسين في مناطقهم، فتم كتابة تقرير يوثق هذا ويستنتج أن الإسلام غيّر واقع المنطقة. لذلك، وحتى يومنا هذا نواصل القوافل الدعوية بالتنسيق والمشاركة والترحيب من الحكومة.
-
ما الذي يقدمه المؤمنون لمجتمعاتهم حاليا، ولدولتهم؟
يشارك المؤمنون بفعالية، منذ وقف المذابح الجماعية ضد الأتوتسي، في تطوير الدولة، ويعملون بجهد على تعزيز السلم المجتمعي. وفي المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، نحرص دائما على تذكير أتباعنا بدورهم في الحفاظ على ما تحقق لنا
خسرنا 1.2 مليون وطنياً في رواندا، والآن نكرّم ذكراهم ونعمل من أجل حفظ الاستقرار وتعزيز مكانتنا الحالية كدولة.
في خطب الجمعة، نذكر المؤمنين بسيرة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، وبقوله الحكيم بأن من يأتي لنا بالخير نكافئه، وكما تقدمت لنا دولتنا بكل الدعم والمساندة بعد المأساة، نقدم لها تفانينا وجهدنا ومشاركتنا في سعينا نحو التطوير والتقيد بالقوانين، ونؤكد كل ذلك من أجل تعزيز روح المواطنة وترسيخ السلام والوحدة بين أبناء الوطن.
ولا بد من إبداء شكرنا وامتناننا لفخامة الرئيس بول كاغامي، حيث نثمن اهتمامه بمسلمي رواندا ونتمنى له التوفيق والسداد في سبيل تحقيق التنمية المستدامة وتحقيق المساواة واستعادة حقوقنا كمواطنين في بلدنا.