الطاقة الشمسية في تونس.. الحلم الأخضر الذي تعرقله التحديات السياسية
تعد ظاهرة تغير المناخ جزءاً طبيعياً من الحفاظ على توازن حرارة الأرض واستمرارية الحياة، فقد شهدت الأمم عبر العصور تغييرات مناخية وكوارث طبيعية مثل الفيضانات وأزمات الجفاف.
لكن مع انطلاق الثورة الصناعية الأولى في بريطانيا في ستينيات القرن الثامن عشر، تسارع النمو الصناعي وازدادت الحاجة للآلات، ما أدى إلى ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بسبب الاعتماد على الفحم واقتلاع الأشجار لأغراض الصناعة.
تداعيات خطيرة على شمال أفريقيا.. تونس في الواجهة
في حين تعتبر تونس من أقل الدول مساهمة في انبعاث الغازات الدفيئة، فإنها تعاني بشدة من آثار التغير المناخي، حيث سجلت كواحدة من الدول الأكثر تعرضاً للخطر وفقاً لمؤشر مخاطر المناخ العالمي لعام 2020.
تُواجه تونس أزمة اقتصادية عميقة تفاقمت بسبب حرب روسيا وأوكرانيا وانتشار فيروس كورونا، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المحروقات وضغط إضافي على الغاز الطبيعي، إلى جانب أزمة شح المياه التي بدأت منذ 2017.
تدفع الفئات الأقل حظًا وخاصة الفقراء ثمن هذه الأزمات، حيث تعاني المناطق المهمشة من انقطاع التيار الكهربائي بشكل شبه دائم مما يؤثر سلباً على الأنشطة الزراعية ويمثل تحديًا كبيرًا في ظل قلة المياه.
سباق تونس مع الزمن في معركتها المتأخرة في مجال الطاقة
تمتلك تونس فرصًا لتعزيز اقتصادها من خلال جذب استثمارات في مجال الطاقة المتجددة، حيث أظهرت دراسة عام 2022 أن المناقصات التي أُطلقت بين عامي 2017 و2019 كانت نصفها تحت إشراف ومستثمرين تونسيين.
وأكد مدير البنك الدولي في تونس ألكسندر أروبيو في تقرير “الطاقة المتجددة للاقتصاد” لسنة 2024 أن تطوير هذه الموارد أمر أساسي لتقليل الاعتماد على الواردات وتعزيز الأمن الطاقي مما يسهم في بناء اقتصاد مستدام.
رابط المصدر
**خطط تونس للطاقة المتجددة: رؤية لتحديات اقتصادية وبيئية**
تسعى تونس إلى تعزيز استخدام الطاقة المتجددة كحل للتحديات الاقتصادية والبيئية التي تواجهها. حيث تهدف لرفع حصة الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء من 3% حالياً إلى 35% بحلول عام 2030.
**استثمارات ضخمة لمشاريع الطاقة المتجددة**
تمتاز البرنامج التونسي بإطلاق 2200 ميغاوات من مشاريع الإنتاج الخاص. ومن المتوقع أن ترتفع حصة الطاقة المتجددة إلى 17% بحلول 2025. وتمت تقدير الاستثمارات اللازمة لتحقيق هذا الهدف بحوالي 4.5 مليارات دولار أميركي بحلول 2030، على أن تكون تلك الاستثمارات من القطاع الخاص إذا تم توفير بيئة تنظيمية مناسبة.
**مشروع “إلميد”: ربط الطاقة بين تونس وإيطاليا**
يعتبر مشروع “إلميد” (ELMED) جسر الطاقة الفعلي بين تونس وإيطاليا، والذي يربط بين نظامي الكهرباء في أوروبا وشمال إفريقيا. وُقع هذا المشروع بفضل تعاون شركتي “تيرنا” (TERNA) و”ستاغ” (STEG) المنظمتين لشبكات الكهرباء في البلدين.
تتضمن ميزات المشروع ربط محطة “بارتانا” (Partana) في صقلية بمحطة “الملاعبي” في تونس على مسافة طولها 220 كم، وقدرة 600 ميغاوات، مما يساهم في تقليل اعتماد تونس على واردات الغاز الطبيعي المكلف. وقد تم التوقيع على معاهدة خلال منتدى تونس للاستثمار في يونيو لدعم المشروع.
**استثمارات أوروبية في دعم الطاقة المستدامة**
أكد فريق الاتحاد الأوروبي على التزامه بالتنمية المستدامة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، حيث خصص 472.6 مليون يورو لمشروع الربط الكهربائي “إلميد”. وأشار ماركوس كورنارو نائب سفير الاتحاد الأوروبي إلى “أن فرص الطاقة الشمسية في تونس هائلة، وأن هذا المشروع سيساهم في استقرار شبكة الكهرباء”.
![وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة فاطمة الثابت شيبوب تشرف على وضع حجر الأساس لانطلاق إنجاز محطة توليد الكهرباء](https://www.alarabiyanow.com/wp-content/uploads/2024/12/1735015419_264_الطاقة-الشمسية-في-تونس-التحديات-السياسية-تعيق-الحلم-الأخضر.jpg)
**مشروع المحطتين للطاقة الشمسية في قفصة وتطاوين**
أبرمت الحكومة التونسية اتفاقيات مؤخراً لبناء محطتين للطاقة الشمسية الكهروضوئية في قفصة وتطاوين، باستثمارات تصل إلى 800 مليون دينار تونسي، وبقدرة 100 و200 ميغاوات على التوالي.
يعد هذا المشروع جزءاً من خطة تطوير إجمالية للمشاريع المتجددة في تونس، حيث تهدف الحكومة إلى الوصول إلى معدل دمج للطاقة المتجددة بنسبة 35% بحلول 2030.
**مشروع القيروان لتزويد 43 ألف أسرة بالطاقة**
يستهدف مشروع القيروان توفير الطاقة لـ43 ألف أسرة من خلال إنتاج 222 غيغاوات في الساعة سنوياً. وسيساهم المشروع في تقليل انبعاث الكربون بمقدار 117 ألف طن. ينفذ المشروع من قبل منظمة “محطة قيروان” للطاقة الشمسية، بدعم من المؤسسة المالية الدولية، والبنك الأفريقي للتنمية.
**تحديات وتأخيرات تقنية**
على الرغم من التقدم الملحوظ، تواجه مشاريع الطاقة المتجددة في تونس بعض التأخيرات التقنية، ما يتطلب جهوداً متواصلة للتغلب على هذه العقبات وضمان تحقيق الأهداف المحددة.## الألواح الشمسية في القطاع الفلاحي التونسي: فوائد وتحديات
تعتبر الألواح الشمسية عاملاً محوريًا في تحسين الأداء الزراعي في تونس، حيث تلعب دورًا مهمًا في تشغيل المعدات الفلاحية مثل الطواحين والمجففات، وتوفير طاقة التبريد والتسخين. كما تسهم في إنارة المساحات الزراعية وتقليل تكاليف الإنتاج الفلاحي بشكل كبير. إلى جانب ذلك، فإن استخدام الطاقة الشمسية يساهم في تقليص انبعاث الغازات الدفيئة مما له آثار بيئية إيجابية، بالإضافة إلى تحسين جودة حياة السكان في المناطق الريفية.
مع تزايد أزمة الجفاف في تونس، ظهرت بعض التحديات. يشير البحث المنشور من قبل جامعة شيفلد إلى أن الألواح الشمسية التقليدية المثبتة على الأرض تقلل من الأراضي المتاحة لزراعة المحاصيل. بينما في بلدان مثل كينيا وتنزانيا، تم استخدام تقنية الحوامل المرتفعة لإعادة توجيه الطاقة الشمسية.
### تقنية الحوامل المرتفعة: الأمل في تحسين الإنتاج الزراعي
تعتمد هذه التقنية على تركيب الألواح الشمسية على ارتفاع عدة أمتار فوق الأرض، مما يسمح بزراعة المحاصيل تحتها. وتجمع هذه الأنظمة بين إنتاج الكهرباء الشمسية وتجميع مياه الأمطار. تساعد هذه الطريقة في تقليل الإجهاد الناجم عن الحرارة وفقدان المياه، مما يساهم في تحسين إنتاجية المحاصيل وزيادة الدخل الزراعي، خاصة في سياق أزمة الجفاف الحالية.
![الألواح الشمسية ذات الحوامل المرتفعة تقنية تجمع بين توصيل الكهرباء الشمسية وإنتاج المحاصيل وتجميع مياه الأمطار في مساحة الأرض نفسها](https://www.alarabiyanow.com/wp-content/uploads/2024/12/1735015419_113_الطاقة-الشمسية-في-تونس-التحديات-السياسية-تعيق-الحلم-الأخضر.jpg)
## أزمة الطاقة في تونس: بين التحديات الاقتصادية والخلافات النقابية
تعتبر تونس من الدول المتأخرة في إنتاج الطاقة الشمسية مقارنة بجيرانها. تعاني البلاد من أزمة ديون متزايدة بسبب ارتفاع الواردات من المواد الغذائية والطاقة. وفي مذكرة نشرتها المرصد التونسي للاقتصاد عام 2022، تم توضيح كيف تؤثر البيروقراطية على تقدم المخطط الشمسي.
وفقًا لتقرير ربيع 2024 من البنك الدولي، تُعد تونس واحدة من أبطأ الدول في التعافي الاقتصادي في المنطقة. يتطلب المشروع لتطوير الطاقة الشمسية استثمارات ضخمة تُقدر بـ 8 مليارات يورو حتى عام 2030، مع الاعتماد على استثمارات أجنبية لتمويل جزء كبير منها. وهذا يعمق من أعباء المديونية الخارجية للبلاد.
### الاستثمار الأجنبي في الطاقة: الفرص والمخاطر
منذ بداية الألفية الثالثة، تحولت تونس من دولة مصدرة للطاقة إلى مستورد صافٍ، مما يعكس انخفاض الإنتاج المحلي وزيادة الطلب. وفقًا لتقرير منظمة “بوصلة”، تدهور ميزان الطاقة في تونس من 124% فائض في عام 1990 إلى عجز بنسبة 48% في العام الماضي.
تعتبر الفرص المتاحة في الاستثمار الأجنبي في الطاقة البديلة ضرورية لتخفيف الأعباء الاقتصادية. تتمتع تونس بميزات تجعلها قادرة على إنتاج الطاقة المتجددة بكفاءة، بما في ذلك موقعها الجغرافي ومناخها الملائم. يفتح ذلك الآفاق أمام تونس لتكون لاعبًا رئيسيًا في إنتاج الطاقة الشمسية وتصديرها إلى أوروبا، التي تعاني من أزمة طاقة نتيجة الظروف السياسية العالمية.
رابط المصدر ## استثمارات الطاقة الأوروبية في تونس: بين الطموحات والتحديات
تسعى الدول الأوروبية للاستثمار في مجال الطاقة في تونس، تحت شعار “الانتقال العادل للطاقة”، مما يثير جدلا حول فعالية هذا الانتقال وتأثيراته المحتملة. وفقاً لتقرير منظمة “البوصلة” التونسية، يبدو أن هذا الانتقال لا يعكس العدالة في السياق التونسي، حيث تسعى المؤسسات الدولية للضغط على دول الجنوب للاعتماد على نموذج طاقي نيوليبرالي يروج للطاقات المتجددة كبديل، دون إحداث تغيير حقيقي في الأنظمة الحالية وتأثيرها المدمر على الأرض وحياة الناس.
### التأثيرات الأوروبية على الانتقال الطاقي
يرتبط الانتقال الطاقي التونسي ارتباطاً وثيقاً بالشركاء الأوروبيين، وخاصة ألمانيا، التي تسعى لتقليل انبعاثاتها الغازية بصفتها رابع أكبر اقتصاد صناعي في العالم. وتبحث ألمانيا عن أسواق جديدة لاستثمار خبراتها وإمكاناتها التكنولوجية، حيث يظهر شعار “وكالة التعاون الفني الألماني” في مشاريع البيئة بشكل متكرر.
في هذا السياق، قدمت ألمانيا مساعدة تقنية لتطوير قطاع الطاقة في تونس، حيث أطلقت وزارة الصناعة والطاقة والمعادن التونسية بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي “جيز” (GIZ) استراتيجية وطنية لتطوير الهيدروجين الأخضر ومشتقاته في سبتمبر 2023. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تصدير 6 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا بحلول عام 2050.
### التبعات البيئية والاجتماعية
مع ذلك، لم يتم تناول الآثار السلبية لهذا المشروع بشكل كافٍ، حيث يعتبر تنفيذ احتياجات الاتحاد الأوروبي مكلفًا من الناحية البيئية والاجتماعية لتونس. إنتاج الهيدروجين الأخضر يتطلب كميات كبيرة من الماء، حوالي 10 إلى 15 لتراً لكل كيلوغرام من الهيدروجين، مما يمثل عبئاً إضافياً على دولة تعاني من ندرة المياه.
في حالات الجفاف، قد تضطر تونس للاعتماد على تحلية مياه البحر، وهي عملية ذات آثار بيئية سلبية نتيجة التخلص من المحلول الملحي المفرط في البحر، مما يؤثر على التوازن البيئي والحياة البحرية.
### الخصخصة ودورها في سوق الطاقة
أشارت منظمة “البوصلة” أيضاً إلى أن الخصخصة المحتملة لشركة الكهرباء والغاز “ستاغ” لا تزال تروج كحل لمشاكل توفير الطاقة وسط الأزمات المالية التي تواجهها الشركة. وفي إطار هذا النموذج الليبرالي، سيكون دور “ستاغ” في قطاع الطاقة المتجددة مقتصراً على نقل الكهرباء وشراء الفائض، وإصدار التراخيص لإنشاء شركات إنتاج موجهة للاستهلاك المحلي أو التصدير.
هذا يعني أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص تتجه نحو استغلال البنية التحتية التاريخية لصالح المستثمرين الأجانب، مما يحول الكهرباء إلى سلعة ويزيد الأعباء على المواطنين، حيث يسعى المستثمرون الأجانب لتحقيق الربح واستغلال منطقة شمال أفريقيا كبديل للغاز الروسي.
### التحديات المستقبلية أمام تونس
في ظل كل هذه التحديات، يطرح التساؤل: هل ستتمكن تونس من استغلال مناخها الفريد وموقعها الاستراتيجي لتحقيق اكتفائها الذاتي من الطاقة، ورغبة أوروبا في الطاقة دون المساس بسيادتها؟