العالم يعاد تشكيله من المنطقة… ماذا نختار الحوار أم النار؟

Photo of author

By العربية الآن


لم يعد مسموحاً التغنّي بالتاريخ. لقد غرق شعبنا العراقي، على وجه التحديد، بتاريخه حتى نسي مستقبله، فاقتصر حديثه عن أجداده، وغفل أنه يعيش اليوم تاريخه. من يفكّر في صناعة مستقبله يعيش اليوم تاريخه، فيجهد ليكون حاضره أفضل الممكن. هذا ما ألتمسه دائماً في لقاءاتي ونقاشاتي مع إخوتي قادة دول الخليج العربي، الذين يولون الأهمية القصوى لصناعة مستقبل دولهم وشعوبهم، مؤمنين بأن التاريخ يكتبه أبناء اليوم، لا أبناء الأمس، لأجل غدٍ على قدر الطموحات والآمال.

قد تكون مفارقة؛ ولكنها نتيجة طبيعية لإعادة النظر في العقلية الحاكمة على المقاربات المختلفة، وهذا ينعكس على السياسات والإجراءات المتبعة. وهذا يُترجم من خلال التطورات الجارية في المنطقة، من قممٍ وزياراتٍ ولقاءات وقرارات، وآخرها زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتفاصيلها التي تصبّ في سياقٍ واحد، واسمه المستقبل.

على خطٍّ موازٍ – في العراق – ما زالت أحاديثنا أسيرة الماضي؛ والماضي هنا ليس أحداثاً أو وقائع فحسب، بل هو امتدادٌ لعقلية تقارب سُبل تحقيق التنمية المطلوبة والمستدامة لشعبنا، وكيفية الارتقاء بطبيعة الخدمات المقدمة وأشكالها، والمنظومات الآيديولوجية التي تقيّد حدود التفكير والانطلاق نحو الآخر والاشتراك معه في بناء المستقبل.

ما يؤسفني اليوم أن أشقاء العراق، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة قطر، يتحدثون عن استثمارات وشراكات تغيّر وجه المنطقة، وتساهم في الإسراع في القفزات النوعية على مستوى العالم، بخاصة في الجانب التكنولوجي والتقني، أما نحن، الذين نبتعد عنهم مئات الكيلومترات فقط، ما زلنا نبحث ونناقش كيفية تأمين الدولة لأدنى مستويات الخدمات المطلوبة، ونناقش حدود الدولة وسيادتها، أو الديمقراطية وكيفية تطبيقها، ونمتعض من الرأي والرأي الآخر، عدا عن انخراط البعض في مشاريع تجتاز الحدود سنكتبها تاريخاً في القريب العاجل.

هي دعوة صادقة للالتحاق بالمتغيّرات. لتحديد الأولويات، قبل فوات الأوان. فالقفزات لم تعد تقاس بالعقود، بل بالسنوات المعدودة والأشهر القليلة، والمعنيّون في العراق اليوم ملزمون بالعمل الجاد على المستوى الداخلي لتحقيق التنمية المطلوبة، والانفتاح على الأشقاء والجيران لتحقيق التكامل الاقتصادي من خلال الشراكات الاستراتيجية والمشاريع الحيوية المبنيّة على رؤية وتخطيط، لا على التنفيع والتخادم والانحياز.

منطقتنا تندفع – وبسرعة – نحو الاستقرار وتثبيت دعائمه، والانطلاق نحو بناء اقتصادات قد تكون بدائل حقيقية لاقتصادات أخرى خلال السنوات المقبلة، وهذا يطرح السؤال الآتي: أين العراق؟ هل المطلوب أن نبقى أسرى الماضي؟ أم نكون جزءاً من المستقبل؟ الجواب الطبيعي أن نكون مع الغد، ومع المستقبل.

هل هناك خريطة طريق؟ نعم، وهذا يحتاج إلى خطوط عامة، تتلخص بـ:

1- الإيمان بالدولة، قوىً سياسية وأحزاباً وشرائح اجتماعية مختلفة، من دون أي استثناء.

2- الابتعاد عن الآيديولوجيات والمشاريع السياسية التي تتجاوز الحدود، والإيمان والعمل على قاعدة العراق أولاً.

3- العمل بمبدأ الديمقراطية الحقيقية لا الديمقراطية التوافقية، التي تؤسس لبرلمان وحكومة يتحملان المسؤولية الكاملة، لا لحكومة وبرلمان معطّلين أو ليسا بمنتجين.

4- التخطيط ومن ثم التخطيط ومن ثم التخطيط؛ وذلك بعد صياغة رؤية وطنية متكاملة قانونية وسياسية واقتصادية واجتماعية، تأخذ في الاعتبار التهديدات والفرص والإمكانات والقدرات؛ وإن فشلنا في ذلك (كعراقيين)، فلنكلّف أو نتعاون مع مختصين دوليين لمساعدتنا في ذلك.

5- مكافحة الفساد المتجذّر ليس فقط على مستوى مؤسسات الدولة، فقد وصل إلى مفاصل عديدة على مستوى الوطن، وبأشكالٍ مختلفة.

6- العمل والعمل والعمل…

هذه العناوين العامة للانطلاق، والفرصة موجودة، وحسب علمي فإن الإخوة ينتظرون المبادرة الحقيقية من العراق، ويدهم ممدودة، وهذا يحتاج إلى إجراءات ملموسة، تشجّع الآخر على الاندفاع نحونا. وإلا كيف له أن يتفاعل معنا وخطاباتنا طائفية أو ابتزازية أو آيديولوجية عقيمة؟ كيف له أن يتقدم نحونا والسلاح المنفلت – على أنواعه – هو عنوان العراق والصفة المرافقة لاسمه؟ أم كيف نأمل من هذه الاقتصادات أن تشاركنا ونحن نتمسّك باقتصاد ريعي يعزّز البطالة ويضخّم القطاع العام من دون أي فائدة على حساب توسيع مساحات القطاع الخاص والاستثمار به وتوجيه الشباب والكفاءات إليه.

الفرصة موجودة، ولكنّ لها حدوداً وتوقيتاً. وليعلم الجميع ويميّز من يريد الخير للعراق ويعمل لأجله، ومن يرفع الشعارات ويعمل ضده فـ«الفرصة تمرّ مرّ السحاب، فانتهزوا فرص الخير».

* رئيس مجلس الوزراء العراقي السابق



رابط المصدر

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.