العيش تحت وطأة الذكريات… تجربة روائية

Photo of author

By العربية الآن

العيش على حدّ الذاكرة... روائيّاً

### **موت الأم وتأثيره على الشخصيات**

تتناول هدى بركات في روايتها الأخيرة “هند أو أجمل امرأة في العالم”، الصادرة عن “دار الآداب”، لحظة فقدان الأم، وهي لحظة حاسمة ينتقل فيها الشخص من العيش في الحاضر إلى مراجعة الذكريات وإعادة ترتيب الماضي بعد الفقد. تتمكن بركات من تقديم شخصية هنادي المصابة بمرض “الأكروميغاليا”، المتمثل في تضخم الأطراف، لتجعلها تتحرك بين زمنيّ الماضي والحاضر، في سعيها للتصالح مع ذاتها ومع المحيطين بها.

### **عودة هنادي إلى الوطن**

تعود هنادي إلى وطنها بعد وفاة والدتها، وتواجه الأماكن التي شهدت طفولتها، لكن هذه المرة بمفردها، محملة بالذكريات المؤلمة والخبرات القاسية التي عايشتها. تتجاوز أحداث الرواية تاريخاً يتضمن العديد من الكوارث، بما في ذلك انفجار مرفأ بيروت وأثره على حياة المواطنين.

يظهر في القصة عدد من الشخصيات مثل الأم المتوفاة التي تركت خلفها علاقة متوترة مع هنادي، وشقيقتها الراحلة، والجيران، والحبيب. وتغلب على السرد نبرة “مونولوغ” طويل، إذ تروي هنادي قصتها من وجهة نظرها، مما يجعل القارئ يعيش التفاصيل بشكل مكثف.

### **العلاقة بين الأم وابنتها وتأثير المرض**

تتحدث هنادي عن تجربتها الصعبة مع المرض، مستعينةً بذكرياتها عن الفترات التي كانت فيها تحت نظرات الشفقة أو الفهم العميق من أفراد أسرتها. تجد نفسها تعاند الأثر السلبي للمرض حيث تتغير ملامحها، مما يسبب نفور والدتها، التي تسعى للتخلص من مشاعر الخوف والعجز.

### **البحث عن الهوية**

تتجه الرواية إلى التركيز على علاقة هنادي بعائلتها، وكيف أثر فقدان ثقتها بنفسها على استقرارها النفسي. تسعى للبحث عن حب والدتها وحقيقة مشاعرها تجاهها، حيث تعتبر أن الألم والمعاناة جزء من الرحلة نحو قبول الذات. وليست هنادي الوحيدة في هذه العملية، بل عدة شخصيات تظهر في تجاربها لتكشف عن أبعاد تعقيد العلاقات الأسرية.

### **الهروب إلى الذات**

تأخذ الرواية منحى آخر عندما تلجأ هنادي إلى طبيعة حولها، والأصدقاء الجدد. تتعرف على أشخاص يسهمون في تطوير رؤيتها الذاتية، حيث يبرز تأملها في الأبعاد النفسية للعلاقات والألم الشخصي، مما يضيف عمقاً إلى شخصيتها.

### **إيقاع هادئ ومشاهد مؤثرة**

تسير القصة بإيقاع هادئ، مما يتماشى مع حالة هنادي المفعمة بالضعف، ومع تقدم الأحداث يتم كشف أسرار عائلتها أحدها عن والدها الذي غادر البلاد في محاولة لهروب من الماضي. الرواية تبرز ملامح الحروب وآثارها على الأفراد، لكن تظل العلاقات الشخصية هي المحور الرئيسي للأحداث.

من خلال هذه الرواية التأملية، تحقق هدى بركات توازناً بين الواقع المؤلم والأمل، معززةً فضاءً واسعاً لاستكشاف الجوانب الداخلية لكل شخصية، وموفرةً للقارئ تجربة غنية بالنظرات الإنسانية.

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.