المادة: معاناة النساء بسبب جشع الرأسمالية وضغوط الزمن

Photo of author

By العربية الآن


the substance movie poster

تجاوز الحدود بين الترفيه والمعاناة

عند دخول المشاهد إلى الصالة المظلمة، يتخلى عن أسلحته الدفاعية ويخضع تماماً لتأثير الشاشة. لكن إذا ما استشعر أي هجوم، يكاد ينعدم استعداده لمواجهة ما يُعرض، فتكون الاصابة الدماغية حتمية إذا ما كان الفيلم يهدف إلى إيذاء المشاهدين. الأمر الذي يستدعي من صناع السينما، ولا سيما المخرجين، أن يراعوا مشاعر جمهورهم، ويتجنبوا إيذاء حواسهم، حتى وإن كانت نواياهم نبيلة، كتنبيه المجتمع لتوحش الرأسمالية ومعايير الجمال المسيسة.

الرعب كأداة للنقد الاجتماعي

تظهر بوضوح في أفلام الرعب ظاهرة تجاوز الخط الفاصل بين الترفيه وإلحاق الأذى بحواس المشاهدين. ومن ضمن هذه الأعمال فيلم “المادة” (The Substance)، الذي يُعرض حاليا في الولايات المتحدة وكندا. الفيلم، الذي أخرجته الناشطة النسوية كورالي فارغيت، يتناول قضية قمع النساء عبر معايير الجمال.

قصة الفيلم تدور حول مذيعة مشهورة تقدم برنامجاً رياضياً صباحياً. مع مرور الزمن، تظهر تجاعيد على وجهها، ما يدفعها للضغط من قبل الإدارة للظهور بشكل أفضل. وفي محاولة للتغلب على آثار الزمن، يكتشف أنها بحاجة لتناول عقار غامض يمكنها من استعادة شبابها، لكن الشروط تقضي أن تتناول 7 جرعات يومياً، ليكون هناك صراع بين النسختين: الشابة والطاعنة في السن.

ديمي مور وأدائها المميز

تُعتبر ديمي مور إحدى أبرز نجمات هوليود، لكن لم تفز بأي جائزة كبرى على الرغم من ترشيحها لنحو 47 جائزة. في فيلم “المادة”، تُرشح مور لجوائز عدة، حيث تقدم أداء مميزاً. يبدو أن دورها في فيلم “الشبح” عام 1990 هو الأكثر تأثيراً في مسيرتها الفنية، حيث أكسبها شهرة عالمية.

دوريها المتداخلين مع الممثلة الشابة مارغريت كوالي يعكسان صراع الأجيال بين الرغبة في المال والشهرة مقابل الواقع المرير للشيخوخة. ومن الأمثلة البارزة على ذلك مشهد أمام المرآة، حيث تُظهر التوتر النفسي الناتج عن التقدم في السن.

النقد من خلال تشخيص الأنماط السلبية

دينيس كويد يقدم دور المنتج الجشع الذي يتسم بغياب الإنسانية في عالم الأفلام، تحت اسم “هارفي”، في إشارة إلى هارفي واينستين، المنتج المعروف بسلوكه السيء مع النساء. يقوم كويد بتجسيد شخصية حيوانية تتعامل مع النساء كمجرد أدوات تستخدم مرة واحدة.

تستفيد المخرجة كورالي فارغيت من الكاميرا لتبرز قصص شخصيات تشبه الكاريكاتير، مركزة على انعدام إنسانية هذا المنتج، مع استخدام لقطات مقربة لتجعل وجهه مخيفاً.

الفيلم كوسيلة لجذب الانتباه

فيلم “المادة” لا يقدم فقط تجربة رعب، بل يحمل رسالة عميقة حول تأثير المجتمع رأسمالية الجمال وقيوده. أي مخرج أو كاتب عمل على إنتاج الفيلم لا بد أن تكون لديه رؤية واضحة وهدف يسعى إلى تحقيقه في الفضاء العام، وهذا ما نجحت فارغيت في تقديمه من خلال عملها الغني بالفكاهة السوداء والنقد اللاذع.### نقد فني للعمل الفني: بين الهدم والبناء

يعكس العمل الفني الواقع بطريقة نقدية ويهدف إلى طرح رؤية جديدة، إلا أن استخدام أسلوب خطابي ومباشر طغى عليه جاعلاً منه أقرب إلى لغة سياسية غير مريحة. فالصوت المرتفع والعبارات المكررة أنتجت حالة كاريكاتيرية، مما جعل الرسالة المشتركة تبدو مزعجة ومشتتة في كثير من الأحيان.

الرموز وبلاغة الألم

رغم وضوح الطرح واستخدام مشاهد درامية تعبر ببلاغة عن القضية، لجأت المخرجة إلى الرموز بشكل غير ضروري. فمن خلال مشهد البطلة التي تتحول إلى كائن مشوه، واندفاع الدماء بمناسبة الاحتفال بالعام الجديد، تم التعبير عن تورط الجميع في مستنقع الدم الذي يمثل الضحية. ومع أن هذا المشهد يحمل دلالات قوية، إلا أنه قد يؤذي مشاعر المشاهدين الذين أدركوا الرسالة بشكل كامل، مما يعتبر درسا للمبدعين في السينما حول ضرورة التوازن بين الالتزام بالقضية وطرق التعبير الفني.

قمع الرأسمالية والنتائج المؤلمة

منذ بداية العمل، يتجلى “الأذى” في تكرار مشاهد مؤلمة كالجسد المشقوق وأخذ السائل النخاعي بطريقة قاسية. هذا التصوير يعبر عن فقدان الأمل والفساد، مع التركيز على “الغرز” التي عالجت الشق في ظهر البطلة، مما يعكس المستوى العميق للألم والمعاناة.

يتناول الفيلم قضية القمع الذي يتعرض له كل من المرأة والرجل نتيجة للنظام الرأسمالي. يظهر المسخ الذي أصاب البطلة كنتيجة مباشرة للمنتج “هارفي”، حيث يبدو أن كلاهما يمثل نمطًا رأسماليًا يحول الأفراد إلى كائنات مفترسة من أجل جمع الثروات، متجاهلاً التكاليف النفسية والمادية الباهظة التي تدفعها الروح البشرية.

الخاتمة: تأثير العمل الفني

إن العمل لا يرتقي ليكون فناً راقياً بقدر ما هو صرخة مؤلمة، تؤذي المشاعر وتجعل المشاهد يشعر بالأسى, مما قد يؤدي به إلى الانصراف عن القضية الأساسية المطروحة.

رابط المصدر

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.