المعري ورسالة الغفران: تأملات في تجربتي الشخصية

Photo of author

By العربية الآن

![تدشين نصب تذكاري لأبي العلاء عام 2023 في ضواحي العاصمة الفرنسية. وهو من إنجاز النحات السوري عاضم الباشا.](https://d2uetvlc9n2f1p.cloudfront.net/wp-content/uploads/2024/10/المعري-ورسالة-الغفران-تأملات-في-تجربتي-الشخصية.png)

### تأملات في “رسالة الغفران”

في كتابي الأخير بعنون “العباقرة وتنوير الشعوب” الذي صدر عن “دار المدى”، أزعم أنني استطعت الارتفاع إلى مستوى المعري في “رسالة الغفران”. قد يبدو هذا الموقف مغرورًا، لكنني أؤكد أن الغطرسة ليست من طباعي، بل أنا معروف بالتواضع والابتعاد عن الأضواء. على الرغم من ذلك، أصابتني نوبة غريبة من جنون العظمة وأجد نفسي أكتب عن المعري.

في عام 1984، تمت ترجمة “رسالة الغفران” إلى اللغة الفرنسية بواسطة دار نشر “غاليمار”، ولكنها تُباع بسعر مُبالغ فيه يصل إلى 150 يورو. من يستطيع تحمل هذه التكلفة؟ وبالرغم من صعوبة فهم النص حتى باللغة العربية، إلا أنني أشكر المستشرق الفرنسي فانسان مونتيل على جهوده في نقل هذا العمل الأدبي إلى اللغة الفرنسية. لقد أصبح اسمه الكامل فانسان منصور مونتيل بعد اعتناقه الإسلام، وهو أمر يعكس إعجابه العميق بالفكر الإسلامي.

### الرؤية الفلسفية للمعري

يقول ديكارت: “الفيلسوف يتقدم مقنّعاً على مسرح التاريخ”، ويشير إلى ضرورة إخفاء بعض أفكاره لحماية نفسه. ويبدو أن المعري قد اتبع هذه القاعدة منذ عصور بعيدة، حيث تظهر خلفية شخصيته الحقيقية عبر سطور “رسالة الغفران”. فعلى الرغم من تقديم نفسه كإنسان متدين، إلا أن جوهره يعكس رؤية مغايرة.

من خلال أسلوبه الفريد، يؤدي المعري دورًا مخادعًا حيث يتناول في رسالته مواضيع دينية بعمق فكاهي، مما يجعل من النص تجربة ترفيهية فكرية عظيمة، تتيح للقارئ الاستمتاع بعالم مليء بالأفكار والأبعاد المختلفة.

### طرح عبقري ورؤية جديدة

في ختام هذه الرحلة الفكرية، يتضح أن المعري استمتع بتوزيع الشخصيات الشهيرة بين الجنة والنار، على الرغم من قناع الوقار الذي ارتداه. وكانت هناك محاولات لتكفيره والنيل منه، لكن قناعه لم يدم طويلاً. وبهذا، يلتقي مصيره بمصير ديكارت الذي تعرض للسخرية والكفر بعد سبعة قرون.

في النهاية، تبرز عبقرية المعري ويصبح فخرًا للفكر العربي. إن “رسالة الغفران” ليست مجرد نص أدبي، بل هي صرح يبرز جماليات الأدب العربي ويؤكد على عظمته أمام العالم.

أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.