المختفون في سوريا.. ابتزاز أمني يتاجر بأقدارهم الغامضة
كان عفو عام 2022 الأوسع في تاريخ سوريا، وعلى الرغم من ذلك نادرًا ما تم إطلاق سراح السجناء القدامى منذ بداية الثورة في عام 2011، واقتصر ذلك على المعتقلين حديثًا. وتشير بعض التقارير إلى أن بعض المفرج عنهم كانوا مدانين بجرائم.
استقبل الأهالي الحزينين الذين خرجوا للاستفسار عن أحبائهم المفقودين بفارغ الصبر لمعرفة أي نوع من الأخبار، أو ربما نهاية مأساوية للأمل القديم. واندمجت حالة الدهشة لديهم مع تبدد آمالهم، ليروا صورة قصة مؤلمة حيث تُجبر الغياب القسري في سوريا.
تتنوع العبارات السورية حول الاختطافات القسرية التي شهدتها البلاد منذ حكم حزب البعث، حيث نسمع عبارات مثل “انضب” و”عبوه”، أو “في بيت خالته”. وظهر مصطلح “المفقود” بعد عام 2011 بسبب حالات الاختطاف القسري المتكررة.
السلوك الأمني المحيط بالغموض والصرامة يفتح الباب أمام الأجهزة الأمنية لاستغلال الوضع للحصول على أموال ورهائن عاطفيين من أجل معرفة مصير المفقودين. يشمل الحديث عن المفقودين في سوريا ليس فقط المعتقلين لدى الحكومة ولكن أيضًا المخطوفين والذين فقدوا حياتهم بظروف غامضة.
وفقًا لتقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، هناك أكثر من 112 ألف شخص، بينهم أكثر من 3 آلاف طفل وحوالي 6700 امرأة، لا يزالون في عداد المفقودين منذ مارس/آذار 2011 حتى أغسطس/آب 2023، ويُقدر عدد المخفيين في السجون الأمنية بنحو 87 ألفًا في ذلك الوقت.
خلال عام 2018، أجرت الحكومة تحديثات على قواعد بيانات السجل المدني ونقلتها إلى النموذج الإلكتروني من خلال البطاقة الذكية، وقامت بتغيير تصنيف آلاف المعتقلين من “حي” إلى “ميت” (مثلما حدث في داريا حيث كانت قائمة الألف معتقل قد توفي تحت التعذيب)، وحددت أسباب الوفاة بالسكتات القلبية أو القنص من قبل العصابات المسلحة.
يخفي النظام شخصيات لضحايا الاختطاف في سجونه باستخدام أحوال شخصية ملفتة، وهذا ليس سوى محاولة لإخفاء حقيقة الأمر. وسواء تلقت العائلات هوية للمعتقل أو حصلوا على رقم قبر، فإنه لا يمكن التحقق من صحة المعلومات. وقد تأكدت حالات وفاة تم توثيقها رسميًا وفقًا للأوراق، ثم تبين أنهم لا يزالون على قيد الحياة.
وقد اتخذ النظام السوري طريقًا آخر لطمس معالم المفقودين في سجونه، حيث فرض شرطًا على عودة النازحين إلى منازلهم المدمرة حول دمشق بالحصول على موافقة أمنية، والتي لا يحصل عليها سوى العائلات الكاملة الأفراد، مما يحرم ذوي الأشخاص المفقودين من حق العودة. لذلك، لا يمكن لهؤلاء سوى أن يُثبتوا فقدان أحبائهم المختفين في سجلات الشرطة، ولا يحصلون على.على أساس ذلك يتيح لهم الحصول على الموافقة الأمنية والعودة إلى بيوتهم المهدمة.
ومن طُرق التلاشي أيضا، أن القانون السوري لا يسمح بسفر الأطفال دون موافقة الأب، ومع اختفاء الكثير من الآباء بالقوة، قرر الكثير من الأسر تجنب التهديدات الأمنية، من خلال إثبات فقدان الأب بواسطة إجراء يشبه السابق، للحصول على الوصاية الشرعية على الأبناء.
وفي كلتا الحالتين، يُجبر سلطة ذوي المختفين بالقوة على إصدار وثائق تثبت وجودهم كـ”مفقودين”، لضمان إجراءاتهم الورقية مع الجهات الحكومية؛ مما يدل على تبرؤها من تورطها في اختفاءهم.
يُكمل الفعل لتلاشي البراهين وإخفاء العلامات، في تدمير مواقع المقابر الجماعية، فقد تمت عمليات تجريف للأرض في موقع مقبرة جماعية بمدينة القطيفة في ريف دمشق، حيث يُعتقد أن آلاف المعتقلين السياسيين مدفونون هناك، وفقًا لرابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا.
وهكذا تمتدّ مأساة الانقراض في سوريا من لحظة الاحتجاز الظالمة، حيث يُنقل المعتقل إلى فرع أمني مجهول، ثم إلى سجن مجهول، ينتهي به إلى مصير مجهول، ضلمات تتراكم، لا تنبثق فيها قشرة من الأمل إلا على شاهد نجا من هول الموت، يُنذر الأشخاص الذين لا يزالون عالقين في هذه الشظايا. كل هذا وحكومة سوريا ما زالت تنكر وجود أي سجين سياسي في سجونها.