<
div aria-live=”polite” aria-atomic=”true”>تشير الإحصائيات الأخيرة الصادرة عن شركة “نيكو بارتنرز” (Niko Partners) في شهر فبراير الماضي إلى أن 58% من عدد اللاعبين في المنطقة العربية يتواجدون في مصر، وهذا الرقم يفوق نسبة السعودية والإمارات بنسب تبلغ 30% و11% على التوالي.
لم يكن من غريب أن نشهد ظهور شركات مصرية تحاول تطوير ألعابها الخاصة والدخول في مجال صناعة الألعاب العالمية، بغية تجميع المهارات البرمجية والشغف بالألعاب من قبل مؤسسيها ومهندسيها، غير أن هذه الشركات لم تتمكن من تحقيق الشهرة المرجوة رغم نجاحها في نشر الألعاب بشكل جيد والتعاون مع شركات نشر عالمية، ما جعلها تتواجد في حالة مريرة تتراوح ما بين النجاح والفشل، وهو ما أدى إلى ترك ألعابها في ما يمكن تسميته بـ “جحيم التطوير” الذي لا يبدو بأنه سينتهي.
تاريخ طويل من الإنجازات
صناعة تطوير الألعاب في مصر لم تكن غريبة عنا، بل كانت لها نجاحاتها منذ عام 2008 عندما تمكنت شركة “تايم لاين إنتراكتيف” (Timeline Interactive) من التعاون مع شركة “يوبي سوفت” لنشر لعبتها “سل فاكتور: سيكوكنيتك وارز” التي كانت من نوع الألعاب منظور الشخص الأول وتدور حول حروب مستقبلية تستخدم فيها القدرات الخارقة كسلاح.
ّ
“سل فاكتور: سيكوكنيتك وارز” قدمت الكثير من التجارب الفريدة في ذلك العصر، حيث جلا الأسلوب اللعب الجماعي ليشبه الألعاب العالمية وألعاب الزمان الحديثة، وأمتلكت محرك فيزيائي متقدم قادر على تمثيل جميع التأثيرات الفيزيائية بشكل جيد، مما دفع شركة “آجييا” للتعاون مع الأستوديو لعرض اللعبة ضمن تقنية “في إس إكس”، وهي التقنية التي تم تقديمها لاحقاً من قبل “نفيديا” ويعتبرها البعض مما لديها.
كان التعاون مع الشركات العالمية ليس مقتصراً على “تايم لاين إنتراكتيف” فقط، بل امتد إلى الشركات المحلية الأخرى، بما فيها “أنستنكت غيمز” التي تعاونت مع أستوديو “وايلد كارد” في تطوير لعبة “آرك سيرفايفال إيفولفيد” التي تُعتبر واحدة من أشهر ألعاب البقاء والتحدي على منصة “إكس بوكس”.
في عام 2020، كشف الأستوديو المصري لتطوير الألعاب “رامبلنغ” عن نسخة الوصول المبكر من لعبة “كنيت أوف لايت: ذي برولوغ” التي تدور في بغداد في القرن السابع وتروي بعض المعارك والحروب التي كانت تدور في تلك الحقبة، وتتميز اللعبة بجودة رسومها العالية والمستوى التقني المميز.
وفي عام 2019، تمكنت 3 شركات مصرية من الفوز بالمراكز المتقدمة في بطولة كأس أفريقيا للألعاب الإلكترونية وكانت هذه الشركات: “آغورا” الحائزة على المركز الأول، وأستوديو القطب لتطوير الألعاب في المركز الثاني، و”آركانيم” في المركز الثالث، على الرغم من أنها لم تكن لها وقع كبير في عالم تطوير الألعاب على المشهد العالمي.
اختفاء غامض
على الرغم من أن الشركات المذكورة أعلاه حققت نجاحاً ووصلت إلى مكانة مرموقة، إلا أن محاولات التواصل معها في الوقت الحالي باءت بالفشل، سواء عن طريق المحاولة في الوصول لحساباتها الإلكترونية أو التواصل معها، مما يشير إلى اختفاءها تمامًا من الساحة أو عدم توفر المعلومات الضرورية حولها وتوقف تحديثاتها.
لم يقتصر الأمر على اختفاء الشركات البارزة في ذلك الوقت، بل امتد هذا الغياب لعدم ظهور شركات جديدة متخصصة في تطوير الألعاب، على الرغم من توفر المهارات التي كانت تفيد في السابق، مما جعل المجال يُقتصر حاليا على تطوير ألعاب الهواتف المحمولة والألعاب التصفحية التي تعتبر أضعف جودة وقوة من الألعاب على الحواسيب الشخصية أو المنصات الأخرى.
أستوديو تايم لاينإن تطبيق الذي كان جزءًا من العرض التجريبي لإحدى التقنيات الثورية، لم تعد إمكانية الوصول إليه بسبب توقف الموقع الخاص به عن العمل. أما شركة أنفرنت ستوديوز التي عملت على واحدة من أشهر الألعاب في العالم، فلم تُطلِق أي عناوين جديدة مؤخرًا أو تُحدّث موقعها الرقمي، بينما فريق رامبلنج الذي نجح في إصدار لعبة على منصة “ستيم” قد تخلّى عن استكمال العمل عليها وتحديثها، مما أدى إلى تراجع تقييم اللعبة بشكل سلبي على المنصة وتعرّضها لانتقادات واسعة بسبب عدم جودتها وعدم قيمتها مقابل سعر 30 دولارًا.
التحديات العديدة
عند استكشاف العوائق التي أدت إلى اختفاء هذه الشركات الناجحة أو غياب الشركات الجديدة عن الساحة، ندرك أنها تتعلّق بظروف اقتصادية صعبة يمر بها البلد، إذ يُعتبر تطوير الألعاب من الجهود المكلفة للغاية والتي تتطلب تكنولوجيا متقدمة أكثر من المتاح للجمهور، وتحتاج أيضًا إلى تمويل كبير ووقت طويل للتطوير حتى تُقدم اللعبة بالجودة التي تستحقها.
قد تنجم بعض التحديات التقنية عن نقص المهارات والتدريب اللازم على أحدث تقنيات الرسوم ثلاثية الأبعاد للألعاب وعالم تطوير الألعاب، بالإضافة إلى مهارات الذكاء الاصطناعي وتدريب الآلة على التفاعل مع أوامر المستخدم، ولكن هذا ليس الجانب الوحيد المتعلّق بتطوير اللعبة.
تُعد عملية تطوير الألعاب أكثر تعقيدًا وتحدّيًا من إنتاج الأفلام السينمائية الفريدة، إذ تتطلّب مجموعة واسعة من المهارات التقنية والإبداعية والرسومية لإنشاء عالم اللعبة وقصتها وشخصياتها، وابتكار أساليب لعب جديدة تتماشى مع تقدم القصة، وهذا الأمر يُجعل تكلفة تطوير الألعاب ترتفع بشكل كبير.
ربما تكون لعبة “السارق الكبرى الجزء الخامس” (GTA V) من أهم الأمثلة على تكلفة الألعاب العالية، إذ بلغت تكلفة إنتاجها 265 مليون دولار، ولذلك نجد قليلًا من الألعاب التي تصل إلى هذا المستوى. وعادة ما تتراوح تكلفة تطوير الألعاب الكبيرة بين 50 و100 مليون دولار، حسب حجم وأسلوب اللعبة، فيما يمكن تطوير الألعاب الصغيرة أو المعروفة بـ “ألعاب AA” بتكلفة أقل، لكن حجمها يكون أصغر ولا يضمن نجاحها بنفس القدر.
على الرغم من التكلفة العالية لتطوير تلك الألعاب، فإنها تُعتبر مصدر دخل قومي هام وقادر على دعم الاقتصاد المحلي في مختلف ميادينه وتوفير فرص عمل مُحترمة. على سبيل المثال، لعبة “السارق الكبرى الجزء الخامس” حققت أرباحًا تُقدّر بأكثر من 8 مليارات دولار حتى الآن، أي ثلاثين مرة تكلفتها تقريبًا.
لعبة “ذا ويتشر 3” وشركة “سي دي بروجيكت ريد” تعتبران من النماذج البارزة للنجاح في عالم الألعاب التي تؤثر في اقتصاد الدول، حيث تمكّنت الشركة من تحسين الوضع الاقتصادي في بولندا بشكل كبير، ويُقدّر بأن الشركة وحدها تولّد 25% من الناتج المحلي الإجمالي في بولندا.
قد لا تصل جميع الألعاب التي يُطوّرها الاستوديوهات المصرية إلى مستوى النجاح الذي حققته “ذا ويتشر 3” أو “السارق الكبرى الجزء الخامس”، ولكن على الأقل، ستكون واحدة منها بإمكانها تحقيق نجاح مماثل، وقد يؤدي التعاون المشترك بين هذه الألعاب الناجحة إلى تنشيط الاقتصاد المصري المرتقب.