زيارات بلينكن لإسرائيل.. أحاديث العشيات على ضفاف نهر الدماء بغزة
في زيارته الأولى بعد “طوفان الأقصى”، اعتبر بلينكن وجوده تعبيراً عن هويته الشخصية كيهودي، وليس فقط كوزير للخارجية الأمريكية.
وفي جولته الأخيرة، التي اختتمت اليوم، أبدى بلينكن دعمه للرؤية الإسرائيلية، مشيراً إلى أن الاقتراح معروض الآن على حركة حماس التي يجب أن تهتم بحياة الفلسطينيين في غزة، وفق تعبيره.
التصريحات التي أدلى بها بلينكن خلال المؤتمر الصحفي الأخير بدت خيبة أمل للكثيرين الذين كانوا يأملون في أن يضغط على نتنياهو لقبول اقتراح بايدن الذي وافقت عليه حماس لكن نتنياهو رفضه.
قبل هذه التصريحات، كان مكتب نتنياهو يمجد نتائج اللقاء الذي جمع بين بلينكن ونتنياهو في القدس واستمر ثلاث ساعات، وهو ما اعتُبر الأطول من بين زيارات بلينكن المتكررة منذ بداية العدوان على غزة في 7 أكتوبر الماضي.
9 جولات في 10 شهور
مع نهاية زيارته الحالية، يكون بلينكن قد زار إسرائيل تسع مرات على مدار عشرة أشهر، أي بمعدل زيارة واحدة تقريباً كل شهر.
فيما يلي عرض للجولات التي قام بها بلينكن في الأشهر العشرة الماضية في إسرائيل والمنطقة، وأبرز المعلومات والسياقات المتعلقة بها:
الزيارة الأولى.. ضوء أخضر للحرب المفتوحة
كانت أولى زيارات بلينكن لإسرائيل بعد 6 أيام من “طوفان الأقصى”، يوم الخميس 12 أكتوبر 2023، حيث وصف زيارته بأنها تعبير عن هويته كيهودي وقدومه ليكون بجانب الإسرائيليين في هذه اللحظة الحرجة.
تلك الزيارة كانت تضامنية مع إسرائيل بعد العملية المفاجئة التي قامت بها المقاومة الفلسطينية، وأعطت ضوءاً أخضر لبداية الحرب الإسرائيلية على القطاع.
صرح بلينكن خلال زيارته بأنه سيظل دائمًا جانب الإسرائيليين الذين لا ينبغي عليهم الدفاع عن أنفسهم بمفردهم.
كما شارك بلينكن في اجتماع لمجلس “الحرب” الإسرائيلي الذي تشكل عقب الهجمات الأخيرة.
الزيارة الثانية.. حشد التأييد والتلاعب بالزمن
كانت الزيارة الثانية للوزير الأميركي عبارة عن جولة تشمل إسرائيل ودول عربية، حيث حملت طابعًا إنسانيًا يتضمن إمكانية مناقشة المساعدات الإنسانية، لكنها في الأساس كانت تهدف لتحقيق الدعم لتل أبيب ومحاصرة أي دعم محتمل لحماس.
أثناء وجوده في إسرائيل (16 أكتوبر)، تحدث بلينكن عن “أفكار جيدة” من الدول التي زارها، خاصة بشأن تقديم المساعدات لغزة، مؤكدًا على استحالة طرد الفلسطينيين من القطاع.
الزيارة الثالثة.. من أجل مفاوضات لا سقف لها
في 3 نوفمبر 2023، عاد بلينكن إلى إسرائيل في ثالث زيارة، رغم توقعات بتقديم ضغوط على حلفائه في تل أبيب، إلا أن تصريحاته أكدت التزام الولايات المتحدة بدعم إسرائيل، مشدداً على حقها في الدفاع عن نفسها.
بعد زيارته، توجه بلينكن إلى الأردن وجولة في دول آسيوية شملت اليابان وكوريا الجنوبية والهند.
الزيارة الرابعة.. تهدئة لمحاصرة الانتقام بعد اغتيال العاروري
في 9 يناير 2024، قام بلينكن بالزيارة الرابعة التي شملت مراحل مختلفة من الحرب، منتقلاً بين تركيا والأردن وقطر والإمارات والسعودية، بالإضافة إلى إسرائيل.
تأجلت تلك الزيارة بسبب الغضب الذي تبع اغتيال القيادي في حماس، والبدايات الانتقامية التي أعقبت ذلك في لبنان.
الزيارة الخامسة.. من أجل المحتجزين لا السلام
في 5 فبراير 2024، بدأ بلينكن جولته الخامسة من السعودية وتوجه إلى مصر وقطر وإسرائيل والضفة الغربية، حيث كانت قضية الأسرى الإسرائيليين في غزة البند الأكثر أهمية في محادثاته، وسط تواصل أعداد الشهداء الفلسطينيين.
الزيارة السادسة.. حضور الضفة ومواصلة الحرب
وصل بلينكن إلى إسرائيل في 22 مارس 2024 بعد زيارة للرياض والقاهرة، حيث كانت النقاشات تدور حول المساعدات الإنسانية، إلى جانب الأوضاع في الضفة الغربية، دون ذكر أي خطوات لإنهاء الإبادة.
وفي تفاعل مع القيادة الفلسطينية، خرج بلينكن بحديث عن تحسين الأمن والحرية للفلسطينيين في الضفة.
الزيارة السابعة.. لمواجهة حماس مجددا
في 30 أبريل 2024، بدأ بلينكن زيارة جديدة قادماً من الأردن والسعودية، حيث ناقش مع الإسرائيليين الخطط العسكرية ضد حماس، محذرًا من حدوث تصعيد في عمليات اجتياح مدينة رفح.
وأخبر بلينكن القادة في إسرائيل بأن الولايات المتحدة تعارض توسيع الهجوم بشكل واسع على رفح، مقترحًا حلولاً تتسم بالمسؤولية في التعامل مع حماس.
الزيارة الثامنة.. ترميم البيت الصهيوني المتآكل
بدأ بلينكن جولته الثامنة في 10 يونيو 2024 من مصر ثم قطر والأردن، حيث جاءت هذه الزيارة ضمن جهود لترميم العلاقات الإسرائيلية خاصة بعد استقالة وزير الدفاع الإسرائيلي.
الزيارة التاسعة.. الفرصة الأخيرة للتوافق
بدأ بلينكن زيارته التاسعة يوم الأحد 18 أغسطس 2024، في إطار محاولة لدفع جهود الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، بعد ارتفاع حصيلة الشهداء إلى نحو 140 ألف.
تزامنت الزيارة مع اقتراح أمريكي لم تجد حماس فيه تطمينات، حيث أشار بلينكن إلى أن نتنياهو كان قد قبله، في الوقت الذي باتت فيه الحرب منهكة لإسرائيل وفي ذات الوقت ترهق واشنطن.
رأى بلينكن أن الوقت ينفد للتوصل إلى اتفاق لتهدئة الأوضاع، مع استمرار الجهود في توجيه اللوم إلى الجانب الفلسطيني في حال فشل أي مفاوضات.
مؤشرات ودلالات
على الرغم من أن الزيارات التسع لم يكن لها تأثير ملحوظ على الأرض، ولم تتوقف الحرب، ولم تنجح إسرائيل في تحقيق النصر، فإنها أبرزت:
- تناقص النفوذ الأميركي بشكل كبير في المنطقة، حيث أصبحت الجولات المكوكية هي البديل لنقاط التواصل التي كانت فاعلة في حل النزاعات، لكنها الآن تعكس عجزًا عن إيقاف الصراع المتصاعد.
- فشل محاولات إنهاء الإبادة الجماعية، حيث تمحورت مواقف بلينكن الأولية حول دعم إسرائيل بنشاط، لكن التصريحات الأخيرة أظهرت التركيز على أهمية التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار.
- الهم الأميركي الأساسي هو تأمين مزيد من الحماية والدعم لإسرائيل، حيث كانت رسائل بلينكن واضحة لدول المنطقة عن عدم السماح للتهديدات ضد إسرائيل.
- التراجع الأمريكي أمام الضغوط الداخلية في تل أبيب، حيث لم تعد الضغوط تثمر في تغيير مواقف الحكومة الإسرائيلية.
- تأثير نتنياهو على قرارات الإدارة الأمريكية، حيث برز استعداد بايدن لتفويت الفرص لمجاراة مواقف نتنياهو في المناورات حول الهدنة.
وبينما لم يتغير الخطاب الدبلوماسي الأمريكي، فقد استمر بلينكن في دعمه الواسع لإسرائيل من خلال مجموعة من الزيارات التي لاحظت فيها المجتمع الدولي بالمأساة المتزايدة في غزة.
رابط المصدر