# بنية اللاشعور الجمعي في الشعر الجاهلي
### قبائل الجاهلية وتأثيرها في الشعر العربي
تعتبر القبيلة عنصرًا محوريًا لفهم الشعر العربي، حيث يُعبر الشعر عن بيئته. لذلك، من الضروري استيعاب الظروف الاجتماعية والنفسية التي أدت إلى إنتاجه. عند دراسة الشعر الجاهلي، يتضح أنه محكوم بتقاليد القبلية، وتنطبق هذه الملاحظة أيضًا على أشعار ذاتية مثل الشعر الغزلي وشعر الصعاليك، حيث يُظهر الآخر (الجماعة) تأثيرًا قويًا في تلك القصائد. وقد كانت الظروف القاسية كالجفاف والظلم والعنف هي التي دفعت الأفراد إلى التجمع لحماية أنفسهم، مما أوجد ما يُعرف بالانتماء القبلي.
### العصبية وتأثيرها على الشعر الجاهلي
تأسست العصبية على مفهومي “صلة الدم” و”صلة النسب”، وتبنت أساليب الانتقام كوسيلة للحفاظ على نفسها. هذه العصبية لم تكن شعورًا عابرًا بل تطورت لتصبح “لاشعورًا جمعيًا” يتحكم في أفعال الشاعر الجاهلي، الذي استطاع توظيف هذا اللاشعور لتحقيق مشروعه الإنساني والتعبير عن ذاتيته.
حسب يوسف خليف، العقد الاجتماعي بين الشاعر والقبيلة تطور ليصبح عقداً فنياً معبّراً عن مشاعر القبيلة وتطلعاتها، أكثر مما كان مجرد تعبير عن المشاعر الشخصية للشاعر. لذا، تمحورت قصائده حول الفخر بالشجاعة والقيم الجماعية للقبيلة.
### دور الشاعر كمرآة تعكس القبيلة
كان الشاعر رمزًا لقبيلته، إذ كانت قصائده تعتبر قمة في التعبير عن هويتها. وعندما يتألق شاعر جديد، تحتفي القبيلة وتحتفل بذلك، إذ يُمثل فوز الشاعر فوزًا للقبيلة بأسرها. وتشير المصادر التاريخية إلى أن القبائل كانت تتنافس فيما بينها للاحتفاء بشعرائها، وتقديم الأطعمة والتفاخر بما حققوه من إنجازات.
### حالة عبد يغوث الحارثي ودلالاتها
من خلال قصيدة عبد يغوث الحارثي، يمكن فهم عميق للعلاقة بين الشاعر وقبيلته. فرغم اعتراضه على الحرب، إلا أن قومه أصروا عليها، وعندما أُسر لم ينتظره أحد لإنقاذه، مما أوقعه تحت ضغط الشعور بالواجب تجاه القبيلة. الأمر الذي يعكس مفهوم “لاشعور الجمعي” عند كارل يونغ، حيث هجاء القبيلة يُحاسَب عليه الشخص كأنه هجاء لنفسه.
عبر عبد يغوث عن مشاعره بصورة متجذرة في ذاته الجماعية، حيث أشار إلى أن فقدان قبيلته يمثّل فقدانه الشخصي، مما يعكس التلاحم بين الفرد وجماعته.## الشوق إلى القبيلة
يعبّر الشاعر في قصيدته عن شوقه إلى قبيلته، حيث يستحضر مشاعر الن nostalgia التي تجتاحه حتى وهو في سكرات الموت. يُظهر الشاعر هيامه بأصحابه المقربين، مرددًا أسماءهم بصفات تميزهم، ويجمعهم تحت صفة واحدة تمنحهم الاحترام والقوة: “اليمانيا”.
## الشجاعة وقوانين القبيلة
تجلى الفخر والشجاعة في موقف الشاعر، الذي اختار البقاء في ساحة المعركة بدلًا من الهروب. فهو، بوصفه سيد قومه، يتحمل مسؤولية الدفاع عنهم، حيث يُظهر ذلك في أبيات تعبر عن تضحيته وولاءه لهم.
## التحدي الذاتي
يتجلى الصراع الداخلي للشاعر في محاولاته للتخلص من ضغط “اللاشعور الجمعي” للقبيلة. كان هذا الصراع في عمق مشاعره، حيث تآكلت ثقته في قبيلته عندما لم تفِ بالتزاماتها إزاءه، مما دفعه إلى مواجهة ذلك بمزيد من الفخر بنفسه.
## التأثير النفسي والإبداع
يشير كارل يونغ إلى أن الفن هو تعبير عن المخزون اللاشعوري للذات الجمعية، وهذا ينطبق على شعراء الجاهلية. إذ يستسلم الشاعر وقلم الإبداع لديه ليعبر عن غريزة الحياة – تلك الرغبة التي تدفعه لاستعطاف بني تميم وتعويضه عن انعدام سطوته.
## غريزة البقاء والسعي نحو الحياة
تظهر غريزة البقاء لدى الشاعر بشكل واضح، حيث يسعى إلى النجاة مهما كلّف الأمر، حتى لو استدعى ذلك الفخر بماله كسبيل إلى التحرر من قبضة القتلة. إن قراره بأهمية الحياة يؤدي به في النهاية إلى تفضيل حياته على عزته.
## الفخر والشعور بالخذلان
ينتقل الشاعر بين الفخر بشجاعته وكرمه، وبين شعوره بالخذلان من قومه. فيسجل تلك المتناقضات في شعره، مؤكدًا سعيه لاستعادة سطوته المعنوية رغم البدء في لوم قبيلته بشكل غير مباشر.
## الخاتمة العاطفية
تنتهي القصيدة بتعبير الشاعر عن الألم الذي يجسده بشكل مكثف، حيث يطرح تساؤلاته التي تحمل في طياتها مشاعر الخسارة والإحباط، ويجد نفسه مضطرًا إلى إعادة بناء صورته من خلال الفخر بما ولدته نفسه على مر الزمن.