كيف يؤثر الانشغال بالهاتف على علاقاتك مع الآخرين؟
تخيل أنك في مناسبة اجتماعية مع أصدقائك، وأحدهم يستمر في استخدام هاتفه، متجاهلاً الحديث معكم. هذا التصرف يتمثل في ظاهرة تعرف باسم “فبينغ”، والتي أصبحت شائعة في الحياة اليومية.
ما هو مفهوم “فبينغ”؟
تم ابتكار هذا المصطلح عام 2012 من قبل شركة إعلانات أسترالية، وذلك كجزء من حملة “أوقفوا الانشغال بالهاتف”. يشير “فبينغ” إلى تجاهل الأصدقاء للتركيز على الهاتف بدلاً من التفاعل الشخصي. الكلمة تتكون من “Phone” (هاتف) و”Snubbing” (تجاهل)، مما يدل على استبدال اللحظات الحقيقية بالتصفح أو الرد على الرسائل.
الآثار السلبية على العلاقات
تشير دراسات مختلفة، مثل واحدة أجرتها جامعة كولومبيا البريطانية، إلى أن انشغال الأشخاص بهواتفهم في اللقاءات يتسبب في تشتت الانتباه ويقلل من مستوى التفاعل والارتباط. وهذا بدوره قد ينعكس سلبًا على العلاقات الاجتماعية، حيث يشعر الطرف الآخر بعدم التقدير وانخفاض مستوى الرضا.
تأثير الانشغال على العلاقات الزوجية
وليس الأصدقاء فقط مَن يتأثرون، بل يشمل ذلك العلاقات الزوجية. انشغال أحد الزوجين بالهاتف يشعر الآخر بعدم الأهمية، مما يخلق شعور بالانفصال والكم الهائل من المشاعر السلبية.
الفقدان في النشاطات الحياتية
تقول الاختصاصية راشيل غولدبرغ إن الاعتماد المستمر على الهواتف يعكس خسارة للمتعة في التجارب الحقيقية، حيث يتجه الأشخاص نحو العزلة عن اللحظات الحميمة مع أحبائهم، مما يسهم في زيادة الشعور بالقلق والاكتئاب.
لذا، من الضروري أن نتخذ خطوات لتقليل الانشغال بالهاتف أثناء التفاعل مع الآخرين لنحافظ على جودة علاقاتنا.
دراسة تكشف عن تأثير الهواتف على العلاقات الزوجية
أظهرت دراسة نُشرت في دورية “أجهزة الحاسوب والسلوك البشري” عام 2022، أن الانشغال بالهاتف يؤدي إلى تراجع في الرضا الزوجي ويعزز الانفصال العاطفي إضافة إلى تدني جودة الحياة بشكل عام. وقد وثق الباحثون مجموعة من المشاعر السلبية التي تنتاب الشريك الآخر نتيجة هذا التجاهل، أبرزها:
- زيادة القلق والاستياء والملل.
- محاولة الانتقام عن طريق عدم الاهتمام والافراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لاستعادة الاهتمام المفقود.
- فقدان الثقة وزيادة مشاعر الغيرة بسبب القلق من وجود علاقة عاطفية محتملة.
تأثير الهواتف على الأبناء
تجلى أثر الانشغال بالهواتف على الأبناء أيضاً. فعندما يتصفح الآباء هواتفهم أثناء حديث أبنائهم أو في أوقات الطعام، تتكون لدى الأطفال مشاعر الرفض والانفصال الاجتماعي. وأظهرت مراجعة شاملة لأكثر من 40 دراسة أجريت على طلاب المدارس في الصين عام 2023 أن التجاهل الناتج عن استخدام الهواتف كان مرتبطاً بتراجع جودة التكيف لدى الأطفال، حيث كانت نسبة القلق والاكتئاب والسلوكيات السلبية مثل العدوان والتنمر أعلى بين الأطفال الذين واجهوا تصرفات التجاهل من الأهل.
لماذا نفضل الانشغال بالهاتف؟
هناك عدة أسباب تعزز التجاهل الناتج عن الانشغال بالهواتف المحمولة أو ما يعرف بـ”فوبينغ”، منها:
-
الخوف من تفويت شيء
قد تكون الرغبة في البقاء على اتصال بكل جديد على الساحة الرقمية ما يعرف بـ”فومو” أحد الأسباب التي تبعد انتباهنا عن الأشخاص من حولنا.
-
إدمان الهواتف
تستخدم الهواتف المحمولة في كل شيء تقريباً، مما أحدث تحولاً كبيراً في العادات الاجتماعية، حيث أصبح الأفراد مرتبطين بهواتفهم الذكية بشكل يجعلهم يتجاهلون من حولهم.
-
الافتقار إلى ضبط النفس
في عام 2019، نشر جيسبر آجارد من جامعة آرهوس دراسة تناولت علاقة الشباب بالهواتف الجوالة ورغبتهم الملحة في التحقق من الرسائل والإشعارات. وقد أشار المشاركون إلى أنهم يدركون أن هذا السلوك قد يكون مزعجاً، ومع ذلك فإنهم يجدون صعوبة في التوقف عن ذلك.
فسر آجارد هذه الظاهرة بما يدعى “عدم الاتساق الزمني”، والذي يعبر عن الصعوبة في اتخاذ قرارات مناسبة والتنفيذ بناءً على القناعات الشخصية. حيث يميل الدماغ البشري إلى تفضيل المكافآت الفورية بدلاً من الفوائد طويلة الأمد.
بعض الحلول
سنستعرض قريباً بعض الحلول الممكنة لتقليل أثر الانشغال بالهواتف وزيادة التركيز على العلاقات الحقيقية والمهمة في حياتنا.
## أهمية التواصل المباشر في عصر الهواتف الذكية
في زمن الهواتف الذكية، يُعتبر الانشغال بالهاتف أثناء الحديث مع الآخرين ظاهرة شائعة، لكن من المهم أن نجعل من عدم النظر إلى الهاتف قاعدة عند التفاعل مع الأشخاص.
## تعزيز العلاقات من خلال التركيز
عندما تشعر بالرغبة في تصفح هاتفك، قم بوضعه بعيدًا وركز نظرك على المتحدث أمامك. هذه اللحظات من التفاعل المباشر تعزز الروابط الاجتماعية وتبني الثقة، كما تسهل فهم المشاعر والمواقف التي قد لا تُدرك في العالم الافتراضي.
## تقليل التشتت من خلال إيقاف الإشعارات
لتحسين جودة التفاعل، يُنصح بإيقاف تشغيل إشعارات الهاتف خلال اللقاءات. حيث أن الأصوات الناتجة عن الهواتف تشكل عائقًا كبيرًا أمام قدرة الشخص على التركيز على المحادثة، مما يُشعره بالحاجة المستمرة للتحقق من الهاتف.
## فهم دوافع استخدام الهاتف
يستحسن أيضًا أن تسأل نفسك عن أسباب سلوكك في استخدام الهاتف. هل تلجأ إليه عندما تشعر بالتوتر؟ هل تستخدمه كوسيلة للهروب من الضغوط اليومية؟ فهم دوافعك يمكن أن يساعدك في تغيير سلوكك للأفضل.
في الختام، من خلال العمل على هذه النقاط، يمكنك تعزيز تفاعلاتك مع الآخرين وتقوية العلاقات الحقيقية في حياتك.
المصدر: الجزيرة