تأثير فلورانس نايتينغل: متى يتجاوز التعاطف الإنساني الحدود؟
يُعرّف “تأثير فلورانس نايتينغل” بأنه يحدث عندما يقع بعض مقدمي الرعاية الصحية أو الاجتماعية في حب الشخص الذي يقدمون له الرعاية، سواء كان مريضًا، أو مشردًا، أو معاقًا. يحمل هذا التأثير اسم رائدة التمريض الحديثة فلورانس نايتينغل.
بينما قد يتساءل البعض عما إذا كانت السيدة المعروفة بـ “سيدة المصباح” قد وقعت في حب أحد مرضاها، قد تكون هذه هي المفاجأة المرتبطة بهذا التأثير النفسي الشهير.
ما هو تأثير “فلورانس نايتينغل”؟
في روايته المعروفة “المريضة الصامتة”، استطاع أليكس ميخائيليدس خلق حبكة تعتمد على انغماس الطبيب النفسي ثيودور فويتشن في حب السيدة آليس، التي وُجدت بجانب جثة زوجها، وتبقى صامتة بعد العثور عليها.
تولي ثيودور مسؤولية علاجها، لكنه يتورط عاطفياً في انجذابه لها، حيث يصبح سعيه لفهم أسباب صمتها مدفوعًا بعواطفه الشخصية.
في روايته، لا يُطلق ميخائيليدس اسمًا على هذه العلاقة غير المهنية، لكنها تُعرف في الواقع باسم “تأثير فلورانس نايتينغل”، والذي يدل على انجذاب مقدم الرعاية لمريضه أثناء عملية الشفاء، وهو متناقض مع “متلازمة ستوكهولم” التي يقع فيها الضحية في حب الجلاد.
في أواخر القرن التاسع عشر، لاحظ علماء النفس أن ديناميكيات معينة تشير إلى ارتباط قوي بين مقدمي الرعاية ومرضاهم، خاصةً إذا كانت الرعاية تتم بعاطفة وتعاطف واضحين. الغريب أن هذا الارتباط يميل إلى التلاشي عند تحسن حالة المريض، مما يدل على أن المشاعر لا تتعلق بشخصية المريض بل تنبع من حالة التعاطف.
ولا تقتصر هذه الظاهرة على المشاعر العاطفية فحسب، إذ تقدم دراسات أخرى معلومات أعمق حول تأثير “فلورانس نايتينغل” على مقدمي الرعاية. على سبيل المثال، دراسة نشرت عام 2016 تشير إلى أن التعاطف المفرط لدى موظفي الرعاية الذين يتعاملون مع المشردين يقلل من مستويات الإرهاق والإجهاد.
دراسات مماثلة أجريت في جامعة كويزلاند أظهرت أن المعاناة التي يعيشها المشردون توفر شعورًا بأهمية الانتماء بين مقدمي الرعاية والمشردين، مما يؤدي إلى أن يكون مستوى الرضا الوظيفي أعلى وأن الإرهاق أقل، مع وجود علاقة طردية بين التماهي مع معاناة المرضى وانخفاض مستوى الإرهاق.
السر الغريب وراء الاسم
اسم “فلورانس نايتينغل” يأتي من واحدة من أشهر الممرضات عبر التاريخ، حيث كان لها دور بارز في تطوير مهنة التمريض وتوفير الرعاية الصحية.
### فلورنس نايتينغيل: رائدة التغيير في الرعاية الصحية
ولدت فلورنس نايتينغيل في عام 1820، وكانت سيدة أرستقراطية بريطانية تتمتع بتعاطف كبير مع المرضى. خلال خمسينيات القرن التاسع عشر، وجدت نفسها في الخطوط الأمامية لحرب القرم، حيث صدمت بشدة من الظروف الصحية المزرية ونقص الرعاية للمسنين، بالإضافة إلى الوفيات الناتجة عن غياب أساليب مكافحة العدوى. بدلاً من الاستسلام، بدأت فلورنس تنفيذ إصلاحات شاملة في الجيش البريطاني، خاصة بعد انتشار وباء الكوليرا، حيث تضمنت جهودها:
– التخلص الصحي من النفايات.
– توفير المياه النقية.
– مكافحة العدوى.
– وضع قواعد للنظافة والتعقيم قبل وبعد التعامل مع المرضى.
– إنشاء شبكة من المستشفيات الميدانية لعلاج المصابين.
على الرغم من عدم زواجها، خشية أن يؤثر الزواج على عملها، ارتبط اسم فلورنس بتأثيرها النفسي الإيجابي بسبب تعاطفها العميق مع مرضاها.
### حدود المشاعر في الرعاية المهنية
قد يكون من الصعب توجيه اللوم للأفراد بسبب مشاعرهم، حيث أظهرت دراسة في كلية ملبورن للعلوم النفسية أن العاطفة جزء من إنسانية العاملين في مجالات الرعاية. لكن يبقى السؤال: هل الحب تجاه الشخص المتلقي للرعاية يتجاوز القواعد المهنية؟
وفقًا لدليل إدارة الخدمات الاجتماعية والصحية بواشنطن، يجب على مقدمي الرعاية الالتزام بالسلوك المهني والنقاط الحدودية، خاصة في حالة الرعاية المنزلية، التي تعتمد جودة حياة العملاء فيها على التزام مقدمي الرعاية وأخلاقهم.
### أهمية الحفاظ على الحدود المهنية
تشير الحدود المهنية هنا إلى طبيعة العلاقة التي يجب أن تبقى احترافية ولا تشمل صداقات أو علاقات غير مهنية، إذ أن تجاوز هذه الحدود قد يؤدي إلى مواقف غير مريحة أو خطيرة. وتساعد الحدود الواضحة في الحفاظ على اتصالات آمنة وأخلاقية مع العملاء، خاصةً عند تقديم الدعم لعدة أشخاص في نفس الوقت.
المرشدون في هذا الصدد يمنحون تنهيدًا للعوامل التي قد تشير إلى تجاوز الحدود المهنية، مثل:
– قضاء وقت الفراغ مع متلقي الخدمة.
– مشاركة المعلومات الشخصية.
– تفضيل أحد العملاء على الآخرين.
– الاحتفاظ بالأسرار الخاصة.
– قبول الهدايا أو المال.
– النقاش حول المشاكل الشخصية.
– اقتراض أو إقراض المال.
– استخدام ممتلكات العميل لأغراض شخصية.
– الحديث عن أمور لا تتعلق بالخدمة المقدمة.
### نصائح للحفاظ على الحدود المهنية
توصي إدارة خدمات الرعاية الاجتماعية والصحية في واشنطن بالالتزام بعدد من الممارسات للحفاظ على الحدود المهنية، منها:
– الاستمرار في التقييم ما إذا كانت الأفعال والكلمات تتماشى مع المهنية.
– تعديل السلوك في حال تم ملاحظة تعامل شخصي مع متلقي الرعاية.
– الحفاظ على مسافة جسدية وعاطفية مناسبة بين مقدمي الرعاية والعميل.
تظل هذه المبادئ ضرورية لضمان تقديم رعاية آمنة وفعالة تحافظ على احترام المتلقين وتؤسس لعلاقات مهنية سليمة.