وكانت المجموعة تستعصي في الحصون وتنتهج الاغتيال كوسيلة للتخلص من أعدائها، وأثارت الرعب في نفوس الفاطميين في القاهرة والعباسيين في بغداد والسلاجقة في إيران بالإضافة إلى الصليبيين. انتهى وجودهم في فارس بفضل القائد المغولي هولاكو في عام 1255 ميلادي وفي الشام أنهاها الظاهر ببيرس.
الاقتباسات وأسماء أخرى
انتشرت الأساطير حول سبب تسمية الاقتباسات بهذا اللقب، ولكن قيل إنها حصلت على هذا اللقب بسبب تعاطيهم للحشيش، فقد زعموا أن الصباح كان يزوّدهم به لتنفيذ المهام المكلفين بها، وروجت الشائعات أيضًا بأنه أنشأ حدائق غناء في قلعة صلحب، وكان يأخذ أتباعه إليها بعد تعاطيهم الحشيش ويجعلهم يعتقدون أن هذا هو “الجنة الموعودة” في الآخرة، وعندما يستفيقون يعدهم بالعودة لها إذا نفذوا ما طلب منهم.
يقال إن تسمية “الاقتباسات” مستحدثة من الكلمة الأجنبية (Assassin) التي تعني في بعض اللغات الغربية “القاتل خلسة أو غدرًا”، أو “القاتل المحترف المأجور”، وقد برر أنصار هذا التفسير رأيهم بأن أتباع هذه المجموعة احترفوا الاغتيال، وروجت الشائعات بأن الصليبيين الفرنسيين كانوا يطلقون هذا اللقب على المجموعة لأن أتباعها كانوا يستهدفون ملوكهم وقادة جيوشهم.
وأطلقت الاقتباسات العديد من الأسماء البديلة، مثل الإسماعيلية -لتشابه معتقدهم مع طائفة الإسماعيلية- وكانت أيضًا تلقب بالباطنية والنزارية، نظرًا لدعمهم للإمام الذي ينادون به وهو نزار بن المستنصر الفاطمي.
اطلق عليهم ابن العديم في كتابه “تاريخ حلب” اللاورشيين والقاصية، وهي الأسماء الأكثر شيوعًا بين كتب العرب القدامى، مثل جمال الدين الحموي وشمس الدين الذهبي وعبد الرحمن بن خلدون الذي ذكر بأنهم أيضًا كانوا يُعرفون بـ “الفداوية” بسبب مهارتهم في “العمليات الفدائية” ضد خصومهم.
المؤسس حسن الصباح
اسمه الكامل الحسن بن علي بن محمد بن جعفر بن الحسين بن محمد الصباح الحميري، وأصل نسبه يعود إلى اليمن، ولد في إيران عام 1037 ميلادي وتوفي فيها عام 1124 ميلادي. نشأ على المذهب الاثنا عشري ثم اعتنق المذهب الإسماعيلي عند بلوغه الـ17.
عمل لفترة في ديوان الدولة السلجوقية، ثم بدأ ينتقل بين مناطق إيران لنشر المذهب الإسماعيلي بشكل سري، فزاد أتباعه حتى استولى على قلعة “آلموت” واعتمدها كمركز لدعوته، ومن هنا بدأ توسيع نفوذه في المناطق المجاورة، شملت بلاد فارس والشام.
العقيدة العسكرية
كانت المجموعة القتلة تستهدف الملوك والأمراء والوزراء وغيرهم من الزعماء والقضاة والعلماء، وكانت تتجنب المواجهات المباشرة من أجل تفادي الخسائر الكبيرة، معتمدة على تصفية الأهداف الرئيسية أمام الجمهور لخلق الرعب في الأنفس.
كانت المجموعة القتلة فرسانًا ماهرين في التنكر والاغتيال، خاصة “فدائيون” منهم، وهم جماعة من المخلصين للإمام يتدربون على تنفيذ اغتيالات مهمة، جاهزين لتقديم أنفسهم للموت عند القبض عليهم لعدم الكشف عن أسرار المجموعة.
كانت المجموعة القتلة تتسلل بين خصومهم وتجماعاتهم ببراعة، يختبئون أتباعهم في محيطات الخلفاء والمراكز الحيوية في الدولة، لجعل تنفيذ اغتيالاتهم أسهل. نجحوا في اغتيال شخصيات بارزة مثل وزير سلجوقي نظام الملك والخليفة العباسي المسترشد والراشد وملك بيت المقدس كونراد.
العقيدة الملهمة
يُعتبر القتلة من الانشقاقات عن الشيعة، وتتشارك آراءهم عموما مع الإسماعيليين، حيث يثقون في وجود إمام معصوم وضامن.
تنوعت معتقداتهم بناء على توجهات زعمائهم، إذ أظهر إمامهم في الشام رشيد الدين سليمان إيمانا بالتناسخ، وادعى معرفته بالغيب، أما إمامهم الملقب بـ”الحسن الثاني”، فقد أشار إلى قدوم القيامة وألغى الشريعة وألغى التكاليف، ونقل جلال الدين بن الحسن الثاني وجهة نظر أسلافه، مع تبعيات لابنه وتجريم عمل والده وعودته إلى المفهوم الأصلي للجماعة.
وأُطلق على الإسماعيليين لقب “الباطنية” بسبب زعمهم أن القرآن والأحاديث تحتوي على إشارات داخلية تمضي في جوهر اللب من الغلاف.. وتكون هذه الرموز والاشارات إلى حقائق محددة العقول والعباقرة، وادعوا أن أولئك الذين يفهمون هذه الحقائق والإشارات هم الذين يتخلون عن التكليف.
التأسيس والإقامة
حَصدت فكرة الدواعش أثناء حكم الفاطميين في مصر، حيث أُرسل أحد قادة الإسماعيليين في مدينة الريّ الفارسيّة، حسن الصباح، إلى مصر في عام 1078 ميلادي للتقرُب من الخليفة الفاطمي ودراسة عقائد المذهب الإسماعيلي هناك.
ولدى وصول الصباح إلى الخليفة الفاطمي آنذاك، المستنصر بالله رحمه وأكرمه، طلب منه أن يعلن عن إمامته، فسأله الصباح “من سيكون إمامي بعدك؟”، فأجاب “ابني، نزار”، وهكذا بدأ الصباح في دعم إمامية نزار.
وبعد وفاة الخليفة المستنصر بالله، ظهرت خلافات في الحكم الفاطمي، حيث أن الوزير بدر الجمالي كان يروج أن أحمد (الأخ غير الشقيق لنزار) هو الأقدر على تولي الخلافة ولقبه بـ”المستعلي بالله”، فلاذ نزار إلى الإسكندرية وانفصل عن أخيه، وبَدأ بجمع قواته لاجتياح القاهرة، ولكنه فشِل وقُتل هناك.
الدعوة الخفية
غادر الصباح مصر وأبحر إلى عكا، ومنها إلى حلب، ومن ثم بغداد، ومنها إلى العراق الفارسي، ووصل أصفهان في يونيو/حزيران 1081 ميلادي، حيث بقي لمدة 9 سنوات يتنقل سرا بين المدن داعيا إلى عقيدة الإسماعيلية وجنّبا للأنظار.
ادعى الصباح أن الإمامة تنتقل إلى حفيد نزار، الذي جلبته الدواعش سراً إلى القلعة المعروفة باسم “آلموت” وأبقوا أمره سرياً.
عُنيف أنصار الصباح في أصفهان اقتحموا مؤذنا رفض اعتناق عقيدتهم مما أدى إلى مخاوفهم من كشف هويتهم للسُلطات، وهذه العملية كانت أولى جرائم القتل التي نفذوها. وكانت ممارسات الحشاشين حينها تمثل تهديدا للدولة السلجوقية ونفوذها في إيران.
عندما وصلت الأخبار عن الحادثة للوزير السلجوقي نظام الملك، أمر بالقبض على القاتل، وأدرك حينها خطورة هذا الفصيل والتهديد الذي يشكله على أمان واستقرار الحكومة، لذا بدأ في مطاردة أتباعه وداعيته، وهذا دفع الصباحعليه أن يهتم بتأمين وتعزيز ملاذ آمن يحميه وأتباعه من المضايقات المتكررة ويمكّنه من نشر دعوته.
تحصين الملاذ
اختار الصباح قصر الهلاك لهذا الغرض، وهو منصرة بناه أحد سلاطين الديلم ويقع فوق تلة شاهقة وسط السلسلة الجبلية ويبعد نحو 100 كم عن مدينة طهران، وقد كان احتلال الصباح لهذا القصر أول فعل تاريخي هام نفذته هذه الحركة الناشئة. وقد زعم أن الصباح قد اقتناها بـ3 آلاف من الدنانير الذهبية.
وتعني “الهلاك” بالفارسية “ملاذ الإنتقام”، وبحسب بعض القصص فقد شكّله الصباح “الفردوس المرغوب” و “الفينق” لتبعيه، وكان يزوّدهم بالحشيش الذي وجده في تلك المنطقة، ويهديهم إلى حديقة سامية فيها خمر ونساء وغيرها، حتى يعتقدوا أنهم في الفردوس، وعندما يستفيقون يعتقدون أنهم دخلوا الفردوس فعلا، ويرى أن مفتاح الفردوس بيده، فيحتفون به تمامًا، وهذا تفسير بعض القصص لوجود “الفدائيين”، لكنها قصة فنّدها البعض بسبب قسوة المنطقة وبرودتها طويلا مما يجعل من الصعب إنشاء مكان “الفردوس الموعود”.
ومن قصر “الهلاك” واصل الصباح نشر دعوته في المناطق القريبة، واستولى على عدد من الأبراج والمناصر باستخدام أحيانًا الإقناع المذهبي وأحيانًا القوة العسكرية، وقد أثارت طموحاته التوسعية غضب السلطان السلاجقي ملك شاه، فقرر توجيه حملتين عسكريتين إلى قصر “الهلاك” و “كوهستان” للتخلص من نفوذ الصباح المتنامي، لكنهما فشلتا في تحقيق أهدافهما.
أحداث في تاريخ الحشاشين
أرسل السلطان ملك شاه رسولا للصباح يحذره ويدعوه للرجوع عن أفعاله في الاغتيالات والقتل، فقال الصباح لجماعة من أصحابه كانوا حاضرين “أنا أريد أن أرسلكم إلى سيّدكم لحل مشكلة فمن يتطوّع لذلك”، فاستجابت الجماعة كلها، فظن الرسول حينها أنه سيرسل مع أحد منهم رسالة، فأشار الصباح لأحد منهم، وقال “انتحر” فاستخرج الشاب سكينًا واختراق نفسه، ثم أشار إلى آخر وقال له “اندفع من القلعة” فقذف الشاب نفسه ومات، ثم التفت الصباح للرسول وقال له “لدي 20 ألفًا كهؤلاء هذا حدّ طاعتهم لي، وهذا جوابي”.
ثم وضع الصباح وزير السلاجقة نظام الملك أولًا على رأس قائمة الاغتيالات نظرًا لأنه عدوه الأول وعدو حركته، إذ كان من أشد المحاربين للمذاهب الداخلية، وفي عام 1092 ميلادية أرسل فدائي ليقتل نظام الملك، ويعتبر هذا أول اغتيال لشخصية بارزة تنفذها هذه الحركة، وبها أرسى حسن الصباح أسس “الفدائية” كما يقول بعض المؤرّخين.
بعد هذا العمل نفّذت الحركة سلسلة اغتيالات طالت قادة كبار عارضوا دعوتها من وزراء وقادة في الجيوش وأمراء وعلماء بهدف زرع الرعب في قلوب خصومها، وساهم في ذلك ضعف الدولة السلاجقية وما تعرّضت له، إذ توفّي الملك شاه بعد وزيره قليلًا، فاندلع صراع استغلّته الحشاشين وانتشرت نفوذهم حتى وصلت الشام.
وامتد نفوذ الحشاشين حتى ازدادت أعداءهم، واتّفقت الدول الإيرانية على الانقضاء عليهم وقتل كل الذين ينتمون لهم، فتعرضت الجماعة لهزيمة كبيرة، وحاصرت قلعتهم لسنوات عديدة، حتى هدّد الصباح بقتل السلطان الأخير الذي أحاط بقصره فحلّت الحصار عنه.
وجّه الصباح جهوده لاغتيال جميع القيادات التي أعلنت عداءها له في فارس والشام، ومن بين الذين قتلهم الوزير المقرب أبو المحاسن عبد الجليل بن محمد الدهستاني وزير السلطان بركيارق بن ملك شاه، ووالي بيهق، ومفتي أصفهان، وزعيم فرقة الكرامية في نيسابور، والوزير السميرمي وزير السلطان محمود.
الحشاشون في الشام
توسّعت نفوذ الحشاشين شرقا حتى وصلوا مازندران ثم قزوين واحتلّوا منطقة رودبار ولاماسار وكوهستان، واستولوا فيها على العديد من الأبراج وامتدوا إلى نهر جيحون.
ووصلت دعوتهم إلى الشام وهناك احتكموا بعدد كبير من الأبراج والمناصر على طول البلاد، وكانت من أبرز أبراجهم بانياس وقلعة مصياف والقدموس والكهف والخوابي وسلمية والمنيقة والقليعة.
ونجحوا في إغواء والي حلبآنذاك رضوان بن تتش لمذهبهم حتى قبل، وهو ما سهم في تحويل العديد من الفرسانالمؤمنون المقاتلون إلى حلب في ذلك الزمان، تزايدت قوتهم وصلابتهم.
ومن زعماءهم في بلاد الشام بورم الأسترابادي وإسماعيل الفرسي، وأبرزهم شيخ الجبل سنان بن سليمان المشهور برشيد الدين وهو وُصِف بأنه كان شخصية مخيفة، ويُروى أنه حصل على علومه في الحصن “آلموت” ثم أُرسل إلى بلاد الشام.
اعتُرِف بقيادة شيخ الجبل من قِبل الناس، وفي تلك الحقبة، بنى نفوذه وحشد الأتباع حوله، حتى وفاته وعاد أتباعه لطاعة الأئمة في الحصن. وحاول في عهده اغتيال صلاح الدين الأيوبي مرارًا لأنه أطاح بحكم الفاطميين، ووضع خطط كثيرة لهذا الغرض وقتل العديد من الأمراء في حلب للوصول إليه، إلا أن كل خُططه باءت بالفشل.
يُعتقد من قِبل بعض المؤرخين أن الأساسيين قد تعاونوا مع الصليبيين، وقاموا بهذه الاستنتاجات بناء على عدة دلائل أولها أن هذا الفصيل لم يعتقل أو يقتل أي صليبي، والثاني أنهم قاتلوا حاكم الموصل السلجوقي عندما ذهب لمواجهة الصليبيين، كما تُقول بعض الروايات التاريخية أنهم سلموا حصن بانياس للفرنجة، وشاركت كتيبة منهم مع الصليبيين في أنطاكية بعدما استولى نور الدين زنكي على حلب.
الحشاشين بعد الصباح
تُوفي حسن الصباح في عام 1124 ميلادي دون ترك ذرية، حيث قُتل ابناه وهو على قيد الحياة، فوصى باختيار كيابزرك آميد لرئاسة الطائفة بعده، وقاد الجماعة لمدة 14 عامًا شهدت معارك شرسة مع السلاجقة.
بعد آميد جاء ابنه محمد في عام 1162 ميلادي، وكان اهتمامه الأساسي هو الدعوة إلى “الإمامة”، وتميز بالالتزام بتعاليم مذهبه، حتى الوصول إلى قتل العديد من أتباعه الذين آمنوا بإمامة ابنه وطرده وعذاب الآخرين.
وفي عام 1166 ميلادي جاء ابن الحسن الثاني، والمعروف بالحسن الثاني، وادعى أنه حفيد كيابزرك، بينما رأى أتباعه فيه “إمام العصر” وابن الإمام السابق من نسل نزار، فأعلن “قيام القيامة” في رمضان من عام 559 هجرية، وأبطل العمل بالشريعة والفرائض، وسمح بالإفطار وألغى التكاليف.
وجاء ابن الحسن الثاني في عام 1166 ميلادي ليكمل مسار والده، حيث زاد في فكرة قيام القيامة ورسخت بين أتباعه، وساعده تدهور السلاجقة وتراجع نفوذهم في ذلك الوقت، حتى أوقف جلال الدين الحسن الثالث تلك العقائد في عام 1210 ميلادي، حيث رفض مذهبهم وأحرق كتبهم.
في ذلك الوقت، ركز جلال الدين على ربط جماعته بالعالم الإسلامي، عبر إرسال رسائل للخليفة العباسي الناصر لدين الله وللسلجوقي خوارزم شاه وغيرهم، لتعزيز صحة دعوته للإسلام، فانتشرت الأخبار في العالم الإسلامي وأطلق عليه وعلى جماعته لقب “المسلمون الجدد”.
وبعد جلال الدين، عادت الجماعة إلى مذهبها الأصلي، حيث تولى حكمها ابنه وهو في سن الخامسة، وضعفت قوتها وتفشت فيها السرقة والاعتداءات، حتى أنها وضاعت بين يدي هولاكو.
نهاية الحشاشين
شُدّت نهاية الحشاشين على يد المغول، الذين كانوا يتسعون لإمبراطوريتهم في ذلك الوقت، فأنهكوهم خلال طريقهم، واستولوا على قلاعهم تباعًا، إذ أثار الحشاشون غضب المغول بعد اغتيالهم لزعيم منهم، فأقضى عليهم هولاكو بمساعدة تنوع وتطوّر الأسلحة التي كانوا يمتلكونها.
آنذاك كان حكم الدين خورشاه هو قائد الحشاشين، فاستسلم لهولاكو وأسلم عددًا من القلاع، وتزوج فتاة مغولية منحه إياها هولاكو، الذي قتله فيما بعد. ولا يزال لهذا الطائفة أنصار منتشرون في إيران وسوريا ولبنان واليمن ونجران والهند.
وفي الشام، تضاءل نفوذهم بعد وفاة والي حلب رضوان تتش، حيث أَخَذَ مكانه ألب أرسلان الأخرس الذي خان جميع الإسماعيليين في الولاية، وفقدوا رئيسهم آنذاك أبو طاهر الصائغ ففرّ الباقون.
فمن تبقى منهم في دمشق حاولوا اللجوء إلى الصليبيين وسلموهم قلعة بانياس كمقابل، حتى قضى عليهم الظاهر بيبرس بعد أن تلاشت قوتهم وقيادتهم وعجزوا عن مواجهة المماليك، فبدأوا بدفع الجزية بعد أن كانوا يجمعونها وفقدوا قلاعهم تباعًا حتى وصلت نهايتهم تمامًا في عام 1273 ميلادي.