الصين وأميركا ترامب ما بين الاحتواء و”الصدام الحتمي”
تشير التصريحات الأخيرة للرئيس الصيني شي جين بينغ إلى موقف الصين الثابت تجاه الولايات المتحدة، والذي تجلى في خطاباته خلال قمم متعددة، منها “بريكس” و”بريكس بلس” ومنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي (APEC) وقمة العشرين.
في ظل عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى السلطة، استعرض شي استراتيجيته تجاه الولايات المتحدة التي تراها بكين عاملاً لإعاقة التقدم العالمي، محددًا خطوطًا حمراء تشمل قضية تايوان وحقوق الإنسان ومسار التنمية الصينية.
أبرز منصة للتعبير عن هذه الخطوط كانت خلال لقائه مع الرئيس الأميركي جو بايدن في 16 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث دعا إلى التعاون القائم على الاحترام المتبادل، مؤكدا أن سياسة “احتواء الصين” محكوم عليها بالفشل.
فخ ثوسيديس
انتقد شي خلال حديثه مع بايدن نظرية “فخ ثوسيديس” التي تشير إلى أن الصدام بين القوى الصاعدة والمهيمنة شبه حتمي، مشددًا على أن الصين غير قابلة للهزيمة وأن المحاولات لإلحاق الهزيمة بها ستؤدي إلى فشل مبين، مما سيضر بالجميع.
كما أثار شي خلال اللقاء فكرة أن النجاح لا يتوقف على سعي الفرد نحو العظمة بل يتطلب أيضًا مساعدة الآخرين أيضًا في تحقيق النجاح.
وحدد الرئيس الصيني خلال النقاش مع بايدن سبع نقاط تعتبر مبادئ توجيهية أساسية للعلاقات الثنائية، وهي:
- عدم حتمية المواجهة بين الطرفين.
- الثقة والتأكيد على تطابق الأقوال مع الأفعال.
- تعامل منطلق من الندية والمنافسة.
- احترام المصالح القومية الكبرى.
- اعتماد مبدأ الحوار والتعاون.
- ملاءمة تطلعات الشعب للسلام والرفاه.
- تحمل الدول الكبرى مسؤولية السلام العالمي.
كما شدد على أربع خطوط حمراء رئيسية في العلاقات، وهي:
- قضية تايوان.
- ملف حقوق الإنسان.
- مسار التنمية ونظام الصين.
- حق الصين في التنمية.
من الواضح أن الرئيس الصيني يتحدث إلى ترامب، المعروف بمواقف تجاه الصين، وليس بايدن. وقد عكس مقال في وكالة بلومبيرغ هذا المضمون بلغة واضحة، محذرًا من لدى شي إلى ترامب بشأن هذه الخطوط الحمراء.
إن العلاقات الصينية الأمريكية تعيش مرحلة حرجة، خاصة مع وجود ترامب في المشهد مجددًا وما يحمله ذلك من قلق للصين بشأن المستقبل.
# شي يحدد خطوطًا حمراء في المحادثات مع بايدن عقب تهديدات ترامب## تصريحات ترامب حول الرسوم الجمركية
أثناء حملته الانتخابية، هدد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية قد تصل إلى 60% على الواردات الصينية، إضافةً إلى الرسوم الحالية. كما أشار إلى إمكانية فرض رسوم 100% على دول منظمة “بريكس” التي قد تتآمر لتقويض هيمنة الدولار الأمريكي، مما يعكس سياسته المتشددة تجاه الصين في الساحة الدولية.
## الدعوة لإجراءات صارمة
ضم ترامب فريقاً من مؤيديه المعروفين بتصريحاتهم المعادية للصين، مثل بيتر نافارو وستيفن ميلر. وقد أكدا في مقالاتهما على أهمية مواصلة الضغط على الصين عبر إجراءات صارمة مثل فرض تعريفات جديدة وتعزيز الحماية للصناعة الأمريكية.
## الرؤية الصينية للعلاقات الأمريكية
في هذا السياق، جاء حديث الرئيس الصيني شي جين بينغ ليؤكد رغبة بكين في تحديد المسموح والممنوع في العلاقات الصينية الأمريكية، مع التركيز على التعاون بدلاً من النزاع. وعبّر شي عن استعداده لفتح آفاق جديدة في العلاقات، مشيراً إلى أهمية تحديد مصالح مشتركة دون تدهور العلاقات.
## بايدن يشير إلى أهمية التعاون
في لقاء شي وبايدن خلال قمة ليما، تم التأكيد على أهمية التعاون في مواجهة التحديات العالمية مثل التغير المناخي والأمن الغذائي. ومع ذلك، لم يعكس البيان الرسمي الأمريكي بعد الاجتماع جدية حقيقية في التعامل مع مواقف الصين، حيث وصف اللقاء بأنه “إيجابي وبناء” دون أن يكون له أثر واضح على العلاقات الثنائية.
## قمة قازان
قبل أقل من شهر، ألقى شي خطاباً مؤثراً في قمة “بريكس” في قازان، حيث تناول تصوراته لنظام عالمي جديد يسعى لأكثر عدالة. واعتبر أنه يتعين على الدول النامية أن تلعب دوراً مهماً في تشكيل المستقبل، مشدداً على أهمية تحديثها وتنميتها الاقتصادية.
## تعزيز الحوكمة العالمية
في خطابه، استخدم شي مصطلح “الجنوب العالمي” 13 مرة، مشيراً إلى ضرورة تعزيز الحوكمة العالمية في مجالات الأمن والاقتصاد. وقد رفض بقوة السياسات التي تعيق التعاون الدولي، مندداً بالهيمنة الغربية.
## التحول نحو نظام متعدد الأقطاب
يشير التركيز على “الجنوب العالمي” إلى رغبة بكين في جمع الدول المتضررة من النظام الحالي تحت مظلتها، لضمان توازن القوى العالمية ردًا على الهيمنة الغربية.
## رؤية الصين للنظام العالمي
لا تقتصر رؤية الصين على انتقاد النظام الدولي الحالي، بل تتجاوز ذلك لتقديم مبادرات تهدف لإعادة صياغة النظام العالمي ليكون أكثر توازناً. وفي هذا السياق، تمثل مبادرات مثل “مبادرة الحزام والطريق” و”مبادرة الأمن الجماعي” جزءًا من مساعي بكين لبناء نظام عالمي جديد.
تمكن الصين من إخراج 800 مليون شخص من تحت خط الفقر يعكس قدرتها على تقديم حلول لمشاكل العالم. كما تسعى حكومة شي لتعميق الإصلاحات ودعم التنمية الاقتصادية، معززةً بذلك موقفها كقوة صاعدة تؤثر في الشأن العالمي.
## مخاوف الولايات المتحدة
على الجانب الآخر، تشعر الولايات المتحدة بالقلق جراء هذه المبادرات، حيث تعتبرها تهديدًا لهيمنتها العالمية. تخشى واشنطن أن تصبح الشركات الصينية التي تشارك في هذه المبادرات، مركزًا لنظام جديد قد يتعارض مع مصالحها.
استعداد لكل الاحتمالات
تواجه الصين قلقًا متزايدًا من السياسات الأميركية، خاصة بعد تبني واشنطن لنظرية تفيد بأن الصدام بين القوى الناشئة والقوى المهيمنة أمر محتوم. بينما تسعى بكين إلى اتباع استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تجنب الصراع وتعزيز دورها العالمي، تسلط الحكومة الصينية الضوء على الخطوط الحمراء التي أشار إليها الرئيس شي، والتي تُعتبر من المداخل الأساسية لتهديد السيادة الصينية.
وتدرك بكين أن رغبتها في تجنب الصراع مع الولايات المتحدة ليست مرهونة فقط بنواياها، بل تعتمد أساسًا على سلوك واشنطن، التي تتبنى نظرية الصدام. هذا السلوك يتجلى بشكل واضح في استراتيجية “الفناء الصغير والسياج العالي”، التي وضعتها مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، والتي تهدف إلى تقليص النفوذ الصيني.
يبدو أن هذا النهج لا يقتصر على إدارة بايدن والحزب الديمقراطي فقط، بل يمتد ليشمل غالبية النخبة السياسية الأميركية، التي تنظر إلى الصين كتهديد لهيمنتها على العالم والحضارة الغربية. ومن هنا، تسعى تلك النخبة إلى منع الصين من تحقيق أهدافها، وأفضل وقت لذلك هو قبل أن يصبح الوقت متأخرًا.
في المقابل، يُركز القادة الصينيون على نظرية تفيد بأن الولايات المتحدة تتجه نحو الانحدار، وأن تأجيل الصراع يُمكن أن يُسهم في تجنب الحاجة إليه، مع تراجع الدور الأميركي وضعف النفوذ الغربي بشكل عام. ومع ذلك، فإنهم يُدركون أهمية اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الصين من الهزيمة إذا ما حدثت مواجهة مع الولايات المتحدة، خصوصًا في ظل وجود رئيس مثل ترامب، المعروف باستراتيجيته غير القابلة للتنبؤ “الرجل المجنون” في إدارة العلاقات الخارجية.