ترامب والمركزي الأميركي.. سيناريوهات محفوفة بالمخاطر في 2025
معدلات الفائدة.. بين الاستقرار والمخاطر
رفع الاحتياطي الفدرالي معدلات الفائدة إلى 5.5% في عام 2023، وهو أعلى مستوى له منذ عقدين، مما يعكس استجابته لتضخم وصل إلى 9.1% في منتصف 2022. ومع تراجع التضخم إلى 3.2% بحلول نهاية 2024، قام الاحتياطي الفدرالي بتخفيض الفائدة بمقدار مرتين لتتراوح بين 4.25% و4.50%.
هذا التحول نحو تخفيف القيود المالية يهدف إلى تحفيز الاقتصاد ويحمل رهانات معينة في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي. لكن ترامب، عقب توليه المنصب، أكد أن خفض الضرائب وزيادة الإنفاق سيكون لهما دور مركزي في سياساته الاقتصادية، مما أثار مخاوف من احتمال عودة الضغوط التضخمية.
وعلى الرغم من توقع الاحتياطي الفدرالي خفض معدلات الفائدة 50 نقطة أساس إضافية خلال 2025، إلا أن تنفيذ سياسات مالية توسعية قد يغير هذه التوجهات.
ديان سونك، كبيرة الاقتصاديين في “كيه بي إم جي”، تحذر من أن السياسات المالية العدوانية قد “تقيد الاحتياطي الفدرالي”، مما قد يدفعه إلى رفع الفائدة مجددًا للحد من التضخم.
السياسات المالية وتأثيرها على الاقتصاد الكلي
- خفض الضرائب وزيادة العجز
أحد تعهدات ترامب الرئيسية هو تمديد قانون تخفيض الضرائب المعتمد في 2017، الذي أدى إلى خفض الضرائب على الأفراد والشركات، ما ساهم في تحفيز النمو الاقتصادي بنسبة 0.4% سنويًا وزيادة العجز الفدرالي بـ 1.5 تريليون دولار على مدى 10 سنوات. إذا تم تمديد هذه التخفيضات، فقد تعزز السيولة ولكنها سترفع الضغوط التضخمية مما يستلزم من الاحتياطي الفدرالي اتخاذ سياسات أكثر تشددًا.
- التعريفات الجمركية وحرب تجارية متجددة
وفي إطار سياسة “أميركا أولاً”، يعتزم ترامب إعادة فرض تعريفات جمركية تصل إلى 25% على الواردات الصينية، وهو ما قد يزيد من تكاليف الإنتاج ويؤدي إلى زيادة الأسعار للمستهلكين، مما قد يرفع معدل التضخم بنحو 0.5%-0.8% خلال العام الأول.
تأثير التعريفات الجمركية على الاقتصادات الناشئة
تتوقع الأسواق العالمية أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى تحديات إضافية خاصة للاقتصادات الناشئة، مثل انخفاض تدفقات رؤوس الأموال وتدهور قيمة العملات المحلية، وهو ما حدث سابقًا مع تركيا والأرجنتين.
التوسع في الوقود الأحفوري
في قطاع الطاقة، يسعى ترامب لتعزيز إنتاج الوقود الأحفوري، مما قد يخفض تكاليف الطاقة بما يصل إلى 10% ويحفز الإنتاج الصناعي. ومع ذلك، يشير مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في “موديز أناليتيكس”، إلى أن هذه السياسات، رغم أنها تحقق نموًا اقتصاديًا على المدى القصير، قد تؤدي إلى عدم استدامة النمو على المدى الطويل.
الانعكاسات العالمية والمحلية
لا تتوقف تأثيرات السياسات الأميركية عند حدود البلاد، إذ تمتد إلى الاقتصاد العالمي. تعتمد العديد من البنوك المركزية على سياسات الاحتياطي الفيدرالي كمرجعية لاستقرار العملات. على سبيل المثال، رفع البنك المركزي الأوروبي معدلات الفائدة إلى 4.5% في 2024 بمحاكاة لنظيره الأميركي.
يؤدي تخفيض الفدرالي للفائدة إلى استقرار أكبر في الأسواق المالية، بينما يفاقم ارتفاع الدولار نتيجة تدفق رؤوس الأموال الأجنبية عجز الميزان التجاري الأميركي ويضعف تنافسية الصادرات، مما يزيد الضغط على العلاقات التجارية مع شركاء مثل كندا والاتحاد الأوروبي.
التحديات أمام الأسر الأميركية والقطاعات الاقتصادية
سوق الإسكان والرهون العقارية
رغم انخفاض معدلات الفائدة، قد تؤدي سياسات ترامب إلى ارتفاع عوائد السندات الحكومية طويلة الأجل، الأمر الذي يعد المعيار الأساسي لتحديد معدلات الرهون العقارية. وهذا قد يحافظ على تكاليف الاقتراض مرتفعة ويزيد التحديات أمام سوق الإسكان.
الإنفاق الاستهلاكي والعمل
يمثل الإنفاق الاستهلاكي نحو 68% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي. ومن المتوقع أن يشهد نموًا محدودًا بسبب ارتفاع التعريفات الجمركية وتأثيرها على القوة الشرائية. كذلك، قد تؤدي السياسات المناهضة للهجرة إلى تقليص المعروض من العمالة، مما يسهم في ارتفاع الأجور ويزيد من صعوبة إدارة التضخم.
سيناريوهات مستقبلية
سيناريو النمو المدعوم بالتحفيز المالي
من الممكن أن تؤدي سياسات ترامب التوسعية مثل تمديد تخفيض الضرائب وزيادة الإنفاق على البنية التحتية إلى انتعاش اقتصادي سريع ونمو قوي. لكن هذا الانتعاش قد يصحبه تضخم وعجز مالي متزايد.
سيناريو التضخم المرتفع
قد تؤدي السياسات المالية والجمركية العدوانية إلى موجة تضخمية حادة تؤثر على القدرة الشرائية وتزيد تكلفة الإنتاج، مما قد يضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى تشديد السياسة النقدية ويؤدي إلى اضطرابات اقتصادية محلية وعالمية.
سيناريو الاستقرار النسبي
في هذا السيناريو الأكثر تفاؤلاً، يمكن أن تنجح الإدارة الأميركية في تنسيق سياساتها المالية مع الاحتياطي الفيدرالي، مما يؤدي إلى تحقيق نمو اقتصادي مستدام مع معدلات تضخم معتدلة واستقرار الأسواق المالية العالمية.
سيناريو الركود الاقتصادي
في حال أدت السياسات المالية غير المنضبطة إلى ضغوط على الاحتياطي الفيدرالي لرفع معدلات الفائدة بشكل كبير، فإن الاقتصاد الأميركي قد يدخل في ركود بسبب تباطؤ النشاط الاقتصادي وارتفاع البطالة.
سيناريو التوترات الجيوسياسية
تبعًا لتصاعد التوترات التجارية الناتجة عن سياسات ترامب الحمائية، قد تتأثر سلاسل التوريد العالمية وتضعف الصادرات الأميركية بسبب ارتفاع الدولار، مما يؤدي إلى اضطرابات في التجارة العالمية وزيادة تقلبات الأسواق المالية.