تعدد الزوجات وشروطه في القرآن.. الوسطية القرآنية

Photo of author

By العربية الآن



تعدد الزوجات وشروطه في القرآن.. الوسطية القرآنية

تغيير الحرب والهجرة تقاليد السوريين في الزواج وفرضت واقع غير مألوف لم يكن متعارفًا
إباحة تعدد الزوجات بالشروط والحدود القرآنية يدل على الوسطية القرآنية في باب التشريع (شترستوك)
وضع القرآن تعدد الزوجات كإجراء لم يكن إلزاميا بالمعنى الذي زعم، بل كان تقديمًا عامًا تأتي باعتباره سياقية لباقي الأحكام الشرعية وفقا لحالة المستفيد منها، ونظرًا إلى ذلك، اعتبر الشريعة -مثل أي قوانين أخرى- مصالحها الإنسانية وضماناتها القانونية، التي تجعل منها في التنفيذ مصلحة اجتماعية ومرونة للبشر، وتقلل من حدود تداعياته السلبية.

أقر القرآن بأهمية العدل والمساواة بين الزوجات في جميع الحقوق المتاحة للزوج، مثل السكن والجماع

والإنفاق وسكن وغيرها

أخذ الله تعالى قوانين وحدود منها:

  • ضع حد أقصى من أربع نساء، مثلما قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]، وكان في الجاهلية بدون حدود.
  • أمر بالعدل والمساواة بين الزوجات في جميع الحقوق الممكنة للزوج، مثل الإقامة والجماع والنفقة والسكن وغيرها، ولم يستثن سوى (الميل القلبي) الذي لا يمتلكه أحد، مشروطًا أن لا يؤثر في التعامل الظاهر. لذا، حث من يخشى التقصير على تجنب التعدد، قال تعالى في نهاية الآية السابقة: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا} [النساء: 3]، فجعل الله العدل شرطًا يجب اتباعه قدر الإمكان والقدرة كما قال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء:129]، لأن العدل الكامل المطلق ليس ممكنًا، خاصة الميل القلبي. أمر الله بالعدل الذي يمكن تحقيقه، الذي لا يتمادى فيه الشخص ولا يفرط.

وهكذا يُظهر خطأ القائلين بأن العدل شرط لصحة التعدد، ونفى الله قدرته عليه، وبالتالي إلغاء إباحة التعدد، وهو خطأ في التفسير، واعتقاد خاطئ.

وإلى جانبي، يبدو لي أن الذين يؤمنون بهذا يهدفون إلى دفاع عن الإسلام أمام منتقديه، خاصة في العصور الأخيرة وما بعدها عند اشتداد الهجوم والشكوك في الإسلام. اليوم، يعود المنكرون للتطبيق بصحة هذه الفكرة، ويُطالب الكثيرون منهم بإباحتها في مجتمعاتهم. قدم الشيخ محمد رشيد مقالات من الصحف الأوروبية داعيًا إلى التعدد، وقد قاموا بمقارنته بفواحش المجتمع الأوروبي، ويُمكن العثور على ذلك في تفسير المنار.

وجدت في تفسير الشيخ محمد رشيد وجهة نظر الشيخ محمد عبده (رحمه الله) في تعدد الزوجات؛ حيث كان يؤيد فكرة تعدد الزوجات ومدرسته بعد ذلك. ويستند رأي محمد عبده إلى (ضرورة بغيضة تقتضي الله لها ما يصعب تحقيقه، وأنها كانت مقبولة لضرورات تاريخية لم يعد لها تبرير الآن) ولم يكن رأيه صحيحًا، بل كان متأثرًا بالهجوم الشرس الغربي على أحكام الإسلام.

“جميع المجتمعات التي تمنع التعدد، وتندد بإباحته بحجة انتهاك كرامة المرأة وإلحاق أذى لمشاعرها، وتحذّر من المفاسد الاجتماعية بسبب تفاوت الأسرة وما شابه، تسمح للمرأة بأسوأ أشكال العلاقات فسادًا وفجورًا وإفسادًا”

يتبقى الإشارة إلى أن كل المجتمعات التي تحظر التعدد، وتندد بإباحته بحجة أنه انتهاك لكرامة المرأة وإيذاء لمشاعرها، ومصدر لمشاكل اجتماعية نتيجة تفاوت الأسرة وما شابه، تسمح للمرأة بأسوأ أشكال العلاقات فسادًا وفجورًا وإفسادًا. وتعترف بأبناء الحرام بسهولة لهذه العلاقات. والواقع واضح: أن أول ضحية لهذه الظروف هي المرأة، التي أصبحت سهلة الفريسة لعلاقات مشينة مع رجال لا يتحملون مسؤولية الأسرة ورعاية الأبناء الخارجين من تلك العلاقات؛ ليقعوا عبءًا على المجتمع برمته.

إن إباحة تعدد الزوجات بالشروط والحدود المذكورة تدل على وسطية القرآن في قضية التشريع، واختلف الفقهاء في حكم التعدد. ورأى الجمهور أن الأمر في قوله تعالى: {فانكحوا} يدل على الإباحة مثلما يدل أمره في قوله تعالى: {وكلوا واشربوا} وفي قوله: {كلوا من طيبات ما رزقناكم} [طه: 81]. وعلى صفيح ساخن: النكاح إلزامي، وأصروا على الظاهرية في هذه الآية: {انكحوا ما طاب لكم}، ولست في موقف المدافعين عن الإسلام، فأحكام القرآن صريحة تُقنع العقل وتُبهج القلب وتُطهّر النفس وتُهدي إلى الطريق المستقيم.

بل، أنا في صف النقاد للأنظمة الجاهلية التي ترى الحسن سيئًا والسيئ حسنًا، والحلال حرامًا والحرام حلالًا، فهناك من يوافق على أن يكون للرجل عشاق وعلاقات محرمة، ويرافقهن بطريق الفساد والسفور، ومعارضة له أن يتزوج عددًا من النساء، تحتفظ بنقاء وطهارة في تعاملاته. لقد رأينا أبشع من ذلك عند الغربيين المعارضين لشريعة الإسلام، وتلامذتهم المستفزين بأيديولوجيا الغرب بعض الناس من المسلمين؛ حيث منحوا النساء حرية التعامل مع من يشاؤون دون معارضة أو انتكاس، ونتج عن ذلك التعدد الزوجي. المرأة عندهم لا تقتصر على زوجها فقط، بل تتمتع بحقها في التواصل مع من تشاء، مثلما يتصرف الرجل مع الصديقات والعشيقات.

فلينظر العاقل كيف وصلت هذه الحضارة الغربية الفاسدة، وبعد ذلك يناقش نظام الإسلام ويعتبر أن ما هم عليه من نجاسته هو حضارة؟ {فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: 78]، إن مسألة تعدد الزوجات وتقييده بشروط وحدود تشير إلى وسطية القرآن الكريم في مسألة التشريع.



أضف تعليق

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.