حياة كورماك ماكّارثي وتأثيرها الأدبي
تناولتُ في مقال سابق في “ثقافية الشرق الأوسط” تحليل روايتين مترابطتين للكاتب الأمريكي الراحل كورماك ماكّارثي، اللتين نُشرتا قرب وفاته. قدمتُ ملخصاً لحياة ماكّارثي وشغفه الفكري، المتمثل في تبرّعه بمبلغ 250,000 دولار لمعهد سانتا في، حيث أقام كعضو دائم حتى وفاته في يونيو 2023. كان ذلك مثار تساؤل حول سبب انجذاب كاتب روائي للإقامة في مركز بحثي يعنى بدراسات التعقيد. وهذا يعكس الترابط بين العلم والأدب.
معهد “سانتا في” وفكرة التعقيد
أدى فضولي حول تجربة ماكّارثي إلى دراسة معهد “سانتا في”، الذي يعد مركزاً رئيسياً للأبحاث التعليمية في مجالات التعقيد والنظم المعقدة. ينشر المعهد فيديوهات وكتباً تتناول موضوع التعقيد من منطلقات مختلفة، مما يوفر مزايا تعليمية وتثقيفية لكل المهتمين.
الشطرنج ومكتبة بابل كمثال على التعقيد
تعتبر لعبة الشطرنج مثلاً رائعاً لفهم التعقيد، حيث أن قواعدها بسيطة ولكن احتمالات التحركات كبيرة جداً. كما تعبر مكتبة بابل الورخسية عن هذا المفهوم بتمثيلها للكون وإمكانات تطوره الهيولية من خلال عدد محدود من الرموز. هذه الأمثلة تدفعنا للتأمل في كيفية تحصيل التعقيد من عناصر بسيطة، وكيف تؤدي التركيبات المعقدة إلى ظهور خصائص جديدة، مثل الوعي واللغة.
دور موراي غيلمان في معهد “سانتا في”
موراي غيلمان، أحد مؤسسي معهد “سانتا في”، حصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1969 لاكتشافه الكوارك. كان شغوفاً بظواهر التعقيد مثل شغفه بالقوانين الفيزيائية الأساسية. تُظهر أبحاثه مدى أهمية رؤية الصورة الشاملة بدلاً من الاقتصار على التفاصيل.
“الكوارك والنمر”: مغامرات في البسيط والمعقد
نشر معهد “سانتا في” كتاب غيلمان “الكوارك والنمر”، الذي يستعرض تجاربه وأفكاره حول العلاقة بين التعقيد والبساطة. يوضح غيلمان في مقدمة الكتاب أن كتابه ليس سيرة ذاتية، بل يعكس مساعيه لفهم القوانين الأساسية للكون.
الاستكشاف الفكري والتعقيد
تتراوح موضوعات الكتاب بين دراسة التعقيد والعمليات الطبيعية. غيلمان يتناول موضوعات مثل كيفية تعلم الطفل للغة أو كيف تطور البكتيريا مقاومة للعلاج. يدعو القارئ لفتح آفاقه الفكرية ومغادرة منطقة الراحة في قراءاته التقليدية.
الفصل بين التخصصات في العلم
يشير غيلمان إلى أهمية التفكير الذي يجمع بين التخصصات العلمية المختلفة. يصف المشتغلين في هذا المجال بأنهم يتسمون بصفات فريدة تجمع بين الفكر التحليلي والحدسي، مما يتيح لهم رؤية الروابط الجوهرية بين العلم والنظم المعقدة.
قراءة شاقة لكن مثمرة
على الرغم من الصعوبة التي قد تواجه القراء في الكتاب، إلّا أن الشغف والمعرفة يمكن أن يقودا إلى فهم أعمق. يجدر بالقراء تجربة أساليب جديدة قد تفتح لهم عوالم جديدة من المعرفة والتفكير kreativ.