ثرثرة فوق البسفور
تردد صوت البردوني وهو ينشد أبياتًا من قصيدة الغزو من الداخل “يمانيون في المنفى ومنفيون في اليمن”، ووجدت نفسي أكرر شيئًا مشابهًا بعدما رأيت العديد من المصريين في أحد أحياء إسطنبول، الذين جاءوا إلى هنا بحثًا عن عمل في ظروف معيشية صعبة. ولكن قبل أن أسرد لك تفاصيل هذه المأساة، يدعوني الأمر لاستعراض أزمة مارييل.
أزمة مارييل
هل سمعت يومًا عن أزمة مارييل؟ في عام 1980، فتح النظام العسكري الكوبي بقيادة فيدل كاسترو ميناء مارييل أمام الذين يرغبون في الهجرة إلى الولايات المتحدة، حيث هاجر حوالي 125000 شخص، وكان نصيب ولاية فلوريدا، وبالتحديد مدينة ميامي، الأكبر من هؤلاء. جاء ذلك بعد توترات طويلة بين كوبا وأميركا خلال فترة الحرب الباردة، شملت العقوبات الاقتصادية ومحاولات الإطاحة بكاسترو، بالإضافة إلى أحداث مثل غزو خليج الخنازير وأزمة الصواريخ الكوبية في 1962.
في ظل بيع الأوهام من قبل عصابات الاتجار بالبشر، وتوثيق العديد من حالات النصب، وضياع حقوق القادمين للعمل في تركيا، يظل من الصعب إقناع من يعاني أوضاعًا صعبة في مصر بأن تركيا ليست أرض الأحلام.
أثناء هذه الصراعات، ضغط كاسترو على الولايات المتحدة لدفع الراغبين في الهجرة نحوها. ما فعله كاسترو في مارييل كان خطوة جريئة تجاه إدارة الرئيس كارتر، التي كانت تعاني من أزمات عدة، منها أزمة الرهائن في إيران. ومن وجهة نظري، كان تصرف كاسترو ذكيًا سياسيًا، حيث نقل الصراع إلى داخل أميركا، وفرض عليها التعامل مع تدفق هائل من اللاجئين، مما أحدث آثارًا داخل المجتمع الأميركي وأضعف ضغط المعارضة ضده.
تحديات المصريين في إسطنبول
عند رؤيتي للأسر المصرية في إسطنبول، يتساءل ذهني دائمًا: ما الذي جاء بهم إلى هنا؟ وغالبًا ما أجد الإجابة في الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها مصر، التي دفعت العديد للبحث عن فرص معيشية أفضل وسط ارتفاع الأسعار وزيادة نسبة التضخم والفقر.
يبقى من الصعب إقناع من يعاني أوضاعًا صعبة في مصر بأن تركيا ليست أرض الأحلام، لكنني أنصحهم بعدم الوثوق في شركات توظيف العمالة المصرية هنا.
لماذا تختار تركيا؟
يعتقد بعضهم أنهم يستطيعون العمل في وظائف بسيطة وتأمين احتياجاتهم، في حين يأتي آخرون متجهين نحو أوروبا. لكن سوق العمل التركي لا يحتاج إلى مزيد من العمالة، كما أن تقنين أوضاع المهاجرين في تركيا أصبح صعبًا في ظل الأوضاع الحالية والمشاعر السلبية تجاه المهاجرين. ومع التشديدات الأمنية على الحدود، يبدو من الصعب الوصول إلى أوروبا.
بالإضافة إلى ذلك، تروج عصابات الاتجار بالبشر لأوهام قد تؤدي إلى حالات نصب وحرمان من الحقوق، مما يجعل من واجبي أن أنبه الذين يسعون للهجرة من مصر إلى أن تركيا ليست الوجهة المثلى لهم. وبخاصة أن العديد من شركات التوظيف هنا وهمية، وقد تسببت في فقدان الكثيرين لفرصهم بخداعهم.
ودمتم للإنسانية المعذبة..
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة العربية الآن.
رابط المصدر