من الواجب ألا يكتسب المال بطرق محرمة أو ينفق في المحرمات، أو ما يؤذي الآخرين. الثروة أداة للقياس ووسيلة للتبادلات التجارية، وليست سلعة. فلا يجوز شراءها وبيعها بالربا ولا تأجيرها بالربا النسيئ.
من هذا المفهوم تنبثق القيم الاقتصادية الإسلامية، وهي مجموعة المبادئ والأسس الاقتصادية التي تقود النشاط الاقتصادي في الدول الإسلامية مستمده من النصوص القرآنية والسنة النبوية، ويمكن تطبيقها بمرونة وفق الزمان والمكان.
يأتي الاقتصاد الإسلامي ليعالج مشاكل المجتمع الاقتصادية وفق رؤية الدين الإسلامي للحياة.
1- الامتلاك في الإسلام
تُحدد الامتلاك في الدين الإسلامي بضوابط محددة، حيث المالك الحقيقي هو الله والإنسان مستخلف. يقول الله تعالى: (سنجمع بينكم وبين الله). هذه النصوص توضح أن الملكية تعود لله تعالى، وأن البشر مأمورون بالتصرف بما يرضي الله، كما توضح الدكتورة هناء محمد الحنيطي أن “الأموال في أيديكم هي أموال الله، جعلكم مسؤولين عن إدارتها لبناء وتطوير الاقتصاد والمال، بإيمان أن الله قد جعل ما في الكون تحت خدمة الإنسان ونشاطه الاقتصادي، لتحقيق نظام اجتماعي متوازن ومنظم، فالمخلوقات مكلفة ببعضها لبعض لتحقيق هدف مشترك (وهو تحقيق رضا الله)”. الامتلاك في الدين الإسلامي له قواعد وضوابط شرعية محددة، كما ورد في الحديث النبوي الشريف الذي يذكر أن العبد سيسأل عن أصل ماله وكيفية صرفه، وهذا ينقلنا إلى مفهوم الثروة في الإسلام.
2- الثروة في الإسلام
ترى الثروة في الدين الإسلامي وسيلة وليست هدفا، وأن الثروة لا تمثل سوى وسيلة لقرب الإنسان من الله في الدنيا والآخرة، ومن هنا تأتي القيم الأساسية مثل الزكاة والصدقات والوقف ومنع الاحتكار وغيرها لتوزيع الثروة، ومنع التجاوز الذي يرتكبه الأثرياء على الفقراء.
الإسلام يسمح للناس بتحقيق الثروات بطرق مشروعة، كما توضح الدكتورة الحنيطي أن “الإسلام يسمح للمسلم بكسب الثروة بما يتناسب مع الأحكام الشرعية الإسلامية، وقد وردت التوجيهات التي تشجع على الكسب والاستحقاق بما يضمن له حياة كريمة بحسب قوله تعالى: (هو الذي جعل لكم الأرض مساكن)”.
3- سبل اكتساب الثروة في الإسلام
أحد أهم سبل اكتساب الثروة هو العمل الجاد الذي يزيد من الموارد والثروات،هذا يدل على توجيه الجهد نحو التطوير عبر الاستثمار بمختلف الوسائل والطرق التي تتبع الضوابط الشرعية وترفض كل ما يتنافى مع توجيهات وضوابط الشريعة الإسلامية، أو الذي يهدف فقط إلى تحقيق المكاسب الشخصية على حساب الآخرين.
يُعتبر العمل أحد الأساسيات في عملية الإنتاج، حيث يتطلب مجهودًا جسديًا مثل العمل في المجال الزراعي والصناعي والتجاري، وجهودًا ذهنية مثل العمل في المجال الإبداعي والقضائي والابتكاري.
حث الدين الإسلامي على العمل وكسب الرزق، إذ يُعتبر في الإسلام الربح تطورًا للمال نتيجة تحريكه في صفقات التبادل المُختلفة بالطرق الشرعية المعرضة للمخاطر، ولذا قد تتحقق الربح أو الخسارة في صفقات التجارة المتعددة.
يبين الحنيطي أن الإسلام حدد ضوابط للربح من بينها:
- عدم اكتساب الثروة بالطرق غير المشروعة
- عدم الاحتيال والغش والاحتيار
- منع التكاسل
- منع التجارة بالسلع الضارة للمجتمع
ويشير الحنيطي إلى أن الربح يُستحق عن طريق ثلاثة أسباب وهي:
- الربح المالي: إذ يُعتبر الربح نتاجًا للمال الأساسي الذي تم استثماره بالوسائل الشرعية.
- الربح بالعمل: حيث يستحق عن جهد العمل، إذ يُعتبر جزاء للعمل وإنتاجه.
- الربح بالضمان: يتعلق بتحمل المسؤولية، وهو حق لمن قام بالشراء وامتلاك المال على سبيل الضمان، وضرورة تحمل المخاطر المحتملة والاستفادة من الدخل والمنفعة.
4- لا يوجد حد للربح في الدين الإسلامي
في الإسلام، لا يوجد مقيد معين للربح، وذلك لأنه يعتمد على اتفاق الطرفين وفق قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بالباطل إلا من تجارة عن تراضٍ).
ولم يأت في الشريعة، سواء في القرآن أو السنة، تقييد بالنسبة المئوية للربح، بل تركت هذه المسألة لضمير التاجر المسلم ونزاهته، واهتمامه بالعدل والإحسان والرحمة تجاه الآخرين، وهي قيم أساسية في النظام الاقتصادي الإسلامي.
5- الاستثمار
الاستثمار هو أحد الوسائل الرئيسية لتحقيق الثروة في الإسلام، ويُعتبر جزءًا من مبدأ بناء الأرض الذي حث عليه الدين، حيث يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “من أحيا أرضًا ميتة فهي له”.
ويُفهم من الاستثمار في التصور الإسلامي هو توظيف المال لتكبيره من خلال زيادة الإنتاج، بهدف تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية.
وشجع النبي صلى الله عليه وسلم على الاستثمار بمعنى القيام بالمشاريع، حيث أنه قال: “إذا حلت الساعة وفي يد أحدكم فَسِيلةٌ، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل”.
وتقول الدكتورة الحنيطي “يستطيع المسلم تحقيق الثروة من خلال الاستثمار بأدوات الاستثمار الشرعية في الاقتصاد الإسلامي، وتحقيق أقصى قدر من الربح بمصاحبة تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية تنعكس على المجتمع بأسره”.
6- التمويل
مصطلح التمويل في الإسلام يُشير إلى تقديم الخدمات المالية وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها وضوابطها.
وتحظر الشريعة الإسلامية:
- احتساب الربا (الفوائد)
- الغش والاحتيال
- الربح السريع
- المعاملات المالية الحرام
- أي نشاط تمويلي يُعتبر ضارًا للمجتمع.
وبدلا من ذلك يجب على الأطراف ذات الاهتمام تبادل المخاطر والفوائد الناتجة عن المعاملات التجارية.
وتتضمن تمويل الإسلامي:
- أنشطة المصارف
- التأجير
- الوثائق الشرعية (السندات)
- أسهم وصناديق استثمار وغيرها.
وفي عام 2021، وصل إجمالي قيمة أصول أسواق التمويل الإسلامي العالمية إلى نحو 3.95 تريليون دولار. ومن المتوقع أن تتجاوز قيمة الأصول الكلية لأسواق التمويل الإسلامي العالمية 5.9 تريليون دولار بحلول عام 2026.
وحسب الدكتورة الحنيطي، “تتفاوت صيغ التمويل المباحة بناءً على مدى السلطة التي يتمتع بها الطرف المستثمر في المال والحقوق والتزاماته”.
وبيّنت الحنطي:
- بعض صيغ التمويل المرخصة تتضمن تحميل الطرف العامل وحده عبء اتخاذ القرارات الاستثمارية، ويكون دور المالك مقتصرًا على إيداع أمواله تحت تصرف الطرف الآخر دون حق التدخل في إدارة أو استثمار الأموال كالتجارة.
- في بعض الصيغ الأخرى، يقوم المالك بتحديد نوع السلعة وامتلاكها وتجهيزها وفقًا للمواصفات المطلوبة من الطرف الآخر، ويتحمل المالك التزاماته المرتبطة بتملكه للسلعة مثل الإيجار أو البيع بالتقسيط، على سبيل المثال.
- ويمكن استخدام عقود المشاركة، التي تُعَد من أهم صيغ استثمار الأموال في الفقه الإسلامي، لتمويل الأنشطة الاقتصادية المتنوعة.