الحجز على أموال بلديات معارضة يثير الجدل في تركيا
أفادت وسائل الإعلام التركية بأن وزارة العمل والضمان الاجتماعي قد اتخذت إجراءات حجز على أموال وحسابات أربع بلديات كبرى، إضافة إلى بلدية منطقة يديرها حزب الشعب الجمهوري، أحد أكبر أحزاب المعارضة. وترافقت هذه الإجراءات مع جدل واسع حول خلفياتها.
شملت إجراءات الحجز بلديات إسطنبول وأنقرة وإزمير وأضنة ومرسين وشيشلي، وذلك بهدف تحصيل ديون مستحقة لمؤسسة الضمان الاجتماعي.
تؤكد الحكومة أن هذه الخطوة ضرورية لتأمين حقوق الدولة، بينما تصف المعارضة الإجراء بأنه “استهداف سياسي” يهدف إلى إضعاف البلديات المعارضة التي تتمتع بشعبية متزايدة.
في وقت سابق، أعلنت وزارة العمل والضمان الاجتماعي قائمة بأكثر البلديات مديونية، والتي جاءت على النحو التالي:
- بلدية أنقرة الكبرى: 8.7 مليارات ليرة تركية (248.6 مليون دولار)
- بلدية إسطنبول الكبرى: 6.4 مليارات ليرة تركية (182.9 مليون دولار)
- بلدية إزمير الكبرى: 5.3 مليارات ليرة تركية (151.4 مليون دولار)
- بلدية أضنة الكبرى: 4.3 مليارات ليرة تركية (122.9 مليون دولار)
- بلدية شيشلي بإسطنبول: 2.8 مليار ليرة تركية (80 مليون دولار)
- بلدية مرسين الكبرى: مليار ليرة تركية (28.6 مليون دولار)
بداية الأزمة
تجدد الحديث حول ديون البلديات لمؤسسة الضمان الاجتماعي بعد تصريحات زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال في يوليو/تموز الماضي، حيث دعا إلى رفع الحد الأدنى للمعاشات التقاعدية لمواجهة الزيادات في الأسعار.
وخلال اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية في 24 يوليو/تموز الماضي، دعا الرئيس رجب طيب أردوغان البلديات التابعة لحزب الشعب الجمهوري إلى سداد ديونها، محذرًا من اتخاذ الحكومة إجراءات قاسية في حال عدم السداد.
في اجتماع لمجلس الوزراء في 10 ديسمبر/كانون الأول، زاد أردوغان من انتقاداته لاقتراحات المعارضة بشأن رفع الحد الأدنى للأجور، مطالبًا البلديات المعارضة بتسديد ديونها لمؤسسة الضمان الاجتماعي.
بدوره، صرح وزير العمل والضمان الاجتماعي وداد أشقهان بأنه يجب على البلديات تسديد ديونها وذكّر بأنها لا تتخذ خطوات فعلية نحو ذلك، مما يضطر الوزارة إلى اتخاذ إجراءات قانونية بما فيها الحجز.
وأضاف أشقهان أن البلديات الأعلى مديونية هي تلك التابعة لحزب الشعب الجمهوري، حيث وصلت ديون بلدية أنقرة الكبرى إلى 8.4 مليارات ليرة تركية (240 مليون دولار)، بعد أن كانت 200 مليون ليرة (5.7 ملايين دولار) فقط في عام 2019.
واختتم الوزير بأن إجمالي ديون البلديات يقدر بـ150 مليار ليرة تركية، حيث أن 67.5% منها مستحقة على بلديات حزب الشعب الجمهوري، و25% على بلديات حزب العدالة والتنمية، و3% على بلديات حزب الحركة القومية، و2% على بلديات حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب.
موقف المعارضة
بلدية إسطنبول تنفي تجميد الحسابات المصرفية
أصدرت بلدية إسطنبول الكبرى بيانا رسميا أعلنت فيه نفي الأنباء التي انتشرت عبر بعض وسائل الإعلام بشأن تجميد حساباتها المصرفية، أو حسابات الشركات التابعة لها. أكدت البلدية عبر منصات التواصل الاجتماعي أن هذه الادعاءات غير صحيحة، مشيرة إلى أن جميع حساباتها تعمل بشكل طبيعي دون أي إجراءات حجز أو تجميد.
بلدية شيشلي تواجه إجراءات الحجز
في المقابل، أكدت بلدية شيشلي -للجزيرة نت- أنها تلقت إشعارا رسميا من مؤسسة الضمان الاجتماعي بخصوص بدء تنفيذ إجراءات الحجز على أموالها بسبب الديون المتراكمة عليها. وأوضحت أنها ستتعاون مع الجهات المعنية لحل الأزمة بطرق مناسبة، مشددة على حرصها على عدم تعطيل مصالح المواطنين.
تصريحات رئيس بلدية أنقرة الكبرى
صرّح رئيس بلدية أنقرة الكبرى، منصور يافاش، عبر منصات التواصل الاجتماعي، أن عمليات الحجز شملت حسابات ست شركات تابعة للبلدية. وأكد يافاش أن هذه الإجراءات لن تؤثر على الخدمات والدعم الذي تقدمه البلدية للمواطنين، قائلاً: “رغم هذه التدخلات، نلتزم بتقديم دعمنا دون أي تقليص وسنعمل على زيادته”.
تحليل الأزمة
يرى المحلل السياسي جوكهان بولوت أن أزمة حجز أموال البلديات التابعة لحزب الشعب الجمهوري تعكس صراعا معقدا بين الجوانب السياسية والإدارية في تركيا، مما يجعل القضية مجالا للجدل المستمر بين الحكومة والمعارضة. يعتبر بولوت أن الحكومة لديها مبررات قانونية تدعم سياستها، فقد رأت أن الديون المتراكمة على البلديات تمثل عبئا على مؤسسة الضمان الاجتماعي، التي تُعتبر أساسية لاستقرار نظام الرعاية الاجتماعية.
وأكد أنه رغم مبررات الحكومة، فإن التركيز على بلديات حزب الشعب الجمهوري دون غيرها قد يعزز ادعاءات المعارضة بأن الحكومة تستغل هذا الملف للضغط السياسي على البلديات المعارضة. وبشأن تأثير هذه الأزمة على المواطنين، يعتقد بولوت أن تجميد حسابات البلديات قد يقيد قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية.
جوانب إيجابية من القرار الحكومي
أكد الباحث السياسي مراد تورال أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التركية تجاه البلديات المدينة لمؤسسة الضمان الاجتماعي جاءت بعد سلسلة من التحذيرات أُرسلت للبلديات. وأوضح تورال أن هذه الخطوات دفعت بعض البلديات إلى اتخاذ تدابير جدية لتسوية ديونها، كما في حالة بلدية إزمير التي تسارعت في التواصل مع المؤسسة لبحث آلية جدولة ديونها.
وأوضح أن الحكومة ركزت على البلديات ذات المديونيات العالية التي تُشكل ضغطا كبيرا على مؤسسة الضمان الاجتماعي، مشيراً إلى أن هذا القرار ليس موجهاً بشكل خاص ضد البلديات التابعة للمعارضة، إذ هناك بلديات أخرى تحت نفس الإدارة ولم تتلق إجراءات حجز.
واستشهد تورال بتجارب سابقة مماثلة، مثل الحملة التي أطلقها وزير العمل في عام 2000 ضد 950 بلدية غير ملتزمة بسداد ديونها، والتي شملت إجراءات حجز كذلك.