جنوب أفريقيا.. كاتدرائية الشعب المناهضة للفصل العنصري تتحول إلى ساحة تضامن مع فلسطين
<
div class=”wysiwyg wysiwyg–all-content” aria-live=”polite” aria-atomic=”true”>كيب تاون، جنوب أفريقيا– تقع أقدم كاتدرائية في جنوب أفريقيا عند تقاطع رئيسي في قلب مدينة كيب تاون. منذ أكثر من 52 أسبوعًا، يجتمع المتظاهرون كل يوم أربعاء على درجات الكاتدرائية، رافعين لافتات ويرتدون الكوفية الفلسطينية للمطالبة بإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة.
قال الإمام رشيد عمر، من مسجد كليرمونت: “نحن جميعًا نعاني من صدمة ثانوية من رؤية الوحشية، لكننا نجد السلام معًا”. ويقف بجانبه خليط من المتظاهرين بما في ذلك نشطاء مسيحيون ويهود، مثل ميجان تشوريتز من “اليهود الجنوب أفريقيين من أجل فلسطين حرة”، الذين يشاركون أيضًا في هذه الوقفات الأسبوعية.
وجّه عمر تحية للمشاركين، مؤكداً أنهم مستمرون رغم الظروف المناخية لإظهار تضامنهم مع الشعب الفلسطيني. لقد عاش عمر النضالات في زمن الفصل العنصري، ويعبر عن ارتباطه بالقضية الفلسطينية.
يتداخل الشعار “حرية لفلسطين” مع أصوات السيارات العابرة، حيث تُصدر السيارات أبواقها تضامنًا مع المتظاهرين. وتُذكر اللافتات بالعنف الممارس من قبل إسرائيل، حيث قُتل أكثر من 42 ألف فلسطيني في غزة منذ أكتوبر 2023.
تستمر كاتدرائية سانت جورج، الشهيرة بلقب كاتدرائية الشعب، في كونها علامة على الوحدة والأمل في ظل الأزمات، حيث كانت تُعد ملجأً للناس من جميع الأعراق خلال حكم الفصل العنصري. وقد أصبحت اليوم مركزًا للتضامن مع قضية فلسطين، مستلهمة من تاريخها ومبادئ العدالة الاجتماعية التي ساندتها في الماضي.
تاريخ من التضامن
خلال النضال ضد الفصل العنصري في ثمانينيات القرن الماضي، كانت كاتدرائية سانت جورج منصة يُشارك فيها رجال الدين والنشطاء في الاحتجاج ضد الظلم. وقد ترك الأسقف الراحل ديزموند توتو بصمة كبيرة، حيث كان ناشطًا رئيسيًا في حركة الحق والعدالة سواء داخل بلاده أو خارجها.
عمر، الذي ناشط منذ عام 1976، يتذكر كيف انتفض الطلاب السود في تلك السنة ضد القوانين العنصرية، ويمتد تأثير توتو إلى مساحة المناصرة الحالية لقضية فلسطين، حيث أكد بشكل دائم على عدم شرعية الاحتلال.
تعتبر كاتدرائية سانت جورج اليوم رمزًا للتضامن مع جميع المعاناة التي عاشها الشعب الفلسطيني، ونقطة تجمع لكل جانب يسعى إلى العدالة. قال عمر: “الكاتدرائية تمثل نضالات العدالة الاجتماعية، وهي مستمرة في تقديم صوتها للحق في عصر ما بعد الفصل العنصري”.
هذه النسخة من الكاتدرائية، القديمة والجديدة، تظهر لنا أن تأثير التضامن لن يتلاشى مع الزمن، بل يستمر في إلهام الأجيال الجديدة من أجل العدالة والحرية في كل مكان.
كاتدرائية القديس جورج: ملاذ للناشطين
أعرب القس الأنجليكاني الأب إدوين أريسون، الذي كان تحت إشراف الأسقف الراحل ديزموند توتو وأحد أعضاء فريقه، عن أهمية الكاتدرائية في حياته قائلاً: “كانت الكاتدرائية حقًا منزلًا و’مساحة آمنة’ لنا كناشطين”. أريسون، وهو كاهن أسود، بدأ نشاطه في حركة مناهضة الفصل العنصري في ميتشلز بلاين بين أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات. كانت الكنائس عادةً ملاذًا لأصوات الناشطين في ظل القمع الذي مارسته شرطة الفصل العنصري.
أشار أريسون إلى أن الكاتدرائية كانت مكان انتماء ودعم له ولعديد من الناشطين، خاصة في تلك الأوقات العصيبة. وقد تعرض للاعتقال عدة مرات بسبب نشاطاته، حيث قضى في السجون نحو 137 يومًا.
دور الكاتدرائية في النضال
حاليًا، ينتمي أريسون إلى لجنة توجيه مؤتمر مناهضة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، التي تم تشكيلها بهدف مناهضة الفصل العنصري الإسرائيلي.
كنيسة سانت جورج: تاريخ يرجع إلى القرن التاسع عشر
تأسست كنيسة سانت جورج الأنجليكانية في عام 1834، وأعيد بناء المبنى الحالي في بداية القرن العشرين تحت إشراف المهندس المعماري البريطاني هربرت بيكر. الكاتدرائية، التي تُعتبر واحدة من أبرز المعالم التاريخية في كيب تاون، تم الاعتراف بها كموقع تراثي إقليمي قبل عشر سنوات.
تحتوي الكاتدرائية على تصاميم معمارية رائعة، بما في ذلك نوافذ زجاجية ملونة وحدائق جميلة، مما يجعلها وجهة للزوار ولمن يسعون للتفكير في تاريخ النضال ضد الفصل العنصري.
دور الأب ويدر في النضال الفلسطيني
خلال فترة عمله كعميد للكاتدرائية، كان الأب ويدر نشطاً في قضايا دعم فلسطين، حيث قاد العديد من الاحتجاجات، بما في ذلك إضراب عن الطعام للغرض نفسه. وأكد على التحديات التي واجهها بسبب مواقفه، بما في ذلك رسائل الكراهية التي وردت له عبر وسائط التواصل الاجتماعي.
إرث ديزموند توتو: رمز المقاومة
كان ديزموند توتو، أول رئيس أساقفة أسود في جنوب أفريقيا وأحد أهم الشخصيات في النضال ضد الفصل العنصري، قد قاد العديد من المظاهرات من على درجات كاتدرائية سانت جورج. إحدى الميزات البارزة كانت مسيرة السلام التي شهدت مشاركة حوالي 30 ألف شخص في سبتمبر 1989، حيث واجه المتظاهرون هجمات شرطة الفصل العنصري.
قالت الناشطة باتريشيا أنيت فارن فورت، التي شاركت في تلك المسيرة، إن الكاتدرائية كانت ملاذًا لهم من قسوة الشرطة، حيث تم استخدام الغاز المسيل للدموع وضغوط أخرى ضد المشاركين.
ازدهرت الكاتدرائية كمساحة للتضامن والأمل، حيث لعبت دورًا محوريًا في تاريخ النضال من أجل الحرية والعدالة.
كاتدرائية سانت جورج: رمز الأمل والمقاومة في جنوب أفريقيا
حذرت فارن فورت من أن الصبغات التي تستخدم في الاحتجاجات تلطخ معظم المباني المحيطة. وفي اليوم التالي، انتشرت رسومات غرافيتي في المدينة تقول “الأرجواني سيحكم”، مستوحاة من العبارة الشائعة في تلك الفترة “الشعب سيحكم”.
إرث ديزموند توتو ومكانته في الكاتدرائية
بعد عقود من النضال، وفي عصر جنوب أفريقيا الحرة، تزين كاتدرائية سانت جورج نوافذ زجاجية ملونة تخلد ذكرى أيقونات متعددة من ضمنها توتو، الذي تم وضع رماده في الكاتدرائية. تظهر الصورة الشهيرة لتوتو أمام شروق الشمس الأفريقي، والتي تمثل فجر حقبة جديدة مفعمة بالأمل والتنوير. وأكد ويدر، خلال افتتاح النافذة، أنها تكريم لإرث توتو ودوره الجوهري في النضال ضد الفصل العنصري.
الرموز تبقي الأمل حيا
عند صعود درج الكاتدرائية، يمكن رؤية مجموعة متنوعة من النقوش. من بينها واحدة تقول: “إذا أردت السلام، فلا تتحدث مع أصدقائك، بل تحدث مع أعدائك”. ونقش آخر يبرز أهمية التسامح كفرصة للبدء من جديد.
الأب بيتر-جون بيرسون، مدير مكتب التفاعل مع الأساقفة الكاثوليكيين، يؤكد أن الكاتدرائية تمثل “استمرارية لا تصدق” للعديد من النضالات، وأن روح النشاط فيها تلمس قلوب الزوار وتحملهم إلى مجتمعاتهم.
وأكد بيرسون أن “الطاقة” التي يشهدها الكثيرون في كاتدرائية سانت جورج تنعكس على المجتمعات في جميع أنحاء جنوب أفريقيا، حيث يرتب الجميع خيوط النضال مع الأمل الذي يميز هذا المكان.
مكان للضمير ونقطة انطلاق للتغيير
تعتبر الكاتدرائية رمزاً دائماً للمقاومة والعزيمة، حيث تشهد الفعاليات والاحتجاجات. وقد استضافت مظاهرات شجاعة، مثل أدوات التضامن خلال فترة رئاسة جاكوب زوما. كما تتجاوز الكاتدرائية الحدود، حيث تلعب دورًا مهمًا كمنارة للأمل في كل من السودان والكونغو الديمقراطية وفلسطين.
وأشار عمر، ناشط لأكثر من 45 عامًا، إلى استمرارية الرسالة الإنسانية في الكاتدرائية، ويرى أن تآلف الناس من مختلف الثقافات أثناء الوقوف معًا من أجل فلسطين يذكرهم بعمق الروابط الإنسانية.
وفي ختام حديثه، أكد على أهمية هذا التواصل والتضامن، قائلاً إن الناس يجتمعون داخل الكنيسة بعد الاحتجاجات لمشاركة قصصهم، مما يساعد الكثيرين على الشفاء من الصدمات الناتجة عن الحروب.
المصدر: الجزيرة