لم تقبل إسرائيل أن تغفل الضفة الغربية عن عملياتها العسكرية المكثفة، فتوجهت قوات متعددة من الجيش الإسرائيلي إلى عدة مدن بالضفة تحت مسمى “مخيمات صيفية”، في عدوان عسكري يُعتبر الأشد منذ حوالي ربع قرن، منذ عملية السور الواقي في عام 2002.
تركز العمليات العسكرية الواسعة على مخيمات شمال الضفة، لا سيما في جنين وطولكرم وطوباس، ولكنها لم تقتصر على ذلك، حيث تمت زراعة الموت في مناطق أخرى من الخليل ونابلس والقدس.
شهدت الساعات الأولى من هذه الحملة ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الضحايا، حيث سقط نحو 11 شهيداً، بينما أعلنت القوات الإسرائيلية عن اعتقال عدد من الأشخاص الذين تصفهم بالمطلوبين، بالإضافة إلى تدمير للبنية التحتية ونشر الذعر في المدن والمخيمات.
“مخيمات صيفية” أم حرب احتلال جديدة؟
شهدت الضفة الغربية نشاطاً كثيفاً من الاقتحامات والاعتقالات والهجمات الإسرائيلية المتنوعة، حيث اعتقلت القوات الإسرائيلية أكثر من 10,000 أسير منذ بداية الحملة الشاملة قبل 11 شهراً.
تثير هذه العمليات القلق والتساؤلات حول توجه إسرائيل لعمليات تهجير واسعة نطاق، مثلما يجري في قطاع غزة منذ نحو عام.
القلق ناتج عن عدة عوامل:
- مشاركة أعداد كبيرة من الجنود الإسرائيليين في هذه العمليات، بما في ذلك لواء كفير و4 كتائب من حرس الحدود، مما يزيد من احتمالات العنف.
- التكتم على أهداف العملية، مما يعني احتمال حدوث مباغتات.
- سهولة اختراق الدفاعات الفلسطينية مقارنة بالعمليات السابقة.
- السياق العام للحالة الفلسطينية وغياب الاستجابة الدولية لما يحدث.
أهداف وسياقات
تعتبر هذه العملية إحدى العديد من الحملات التي نفذتها إسرائيل خلال العام الماضي، والتي تهدف إلى تحقيق أهداف متزايدة التعقيد، ومن أبرز تلك الأهداف:
- البحث عن انتصار بعد الفشل في غزة، حيث يسعى نتنياهو لتعزيز شعبيته المتراجعة عبر هذه العملية.
- إرضاء اليمين المتطرف ومنع قوى المقاومة من التنسيق بين جهودها.
- الاستفادة من تخفيف المخاوف من التصعيد مع حزب الله.
- إضعاف المقاومة المتزايدة في الضفة، التي تشكل تهديداً متزايداً على إسرائيل.
- التخلي عن العمليات الخاطفة والانتقال إلى نهج أكثر شراسة.
- تزامنت هذه الحملة مع تصاعد التهديدات بشأن الأقصى، بما في ذلك دعوات للإسراع بإقامة كنيس يهودي فيه.
يعتقد الخبير العسكري العراقي الدكتور مهند العزاوي أن إسرائيل تحاول استغلال الوضع الإقليمي لترتيب الوضع الأمني في الضفة، مشيراً إلى أن استمرار هذه العملية قد يؤدي إلى أوضاع كارثية مشابهة لتلك التي شهدتها غزة.
كما يشير العزاوي إلى أن الوضع في الضفة يزداد تعقيداً مع تعرض المستوطنين للسلاح واستمرار التحريض من الجماعات المتطرفة.
هل يبدأ تهجير سكان الضفة؟
تشهد الساحة الإسرائيلية نقاشات متصاعدة حول التعامل مع الضفة بنفس المنهج الذي تم اتباعه في غزة، حيث دعا وزير الخارجية يسرائيل كاتس إلى تهجير السكان من الضفة.
وقال كاتس في تصريحاته: “يجب تنفيذ إجلاء مؤقت للسكان هناك، وتقديم أي خطوات أخرى مطلوبة للانتصار في هذه الحرب”.
تعزز هذه التصريحات ما نشره الإعلام الإسرائيلي حول إمكانية إجلاء منظم للسكان الفلسطينيين المدنيين وفقاً لمواقع القتال المتوقعة خلال العمليات العسكرية.
أخطر من السور الواقي
لا تزال التطورات غير واضحة بشأن ما ستسفر عنه الحملة الإسرائيلية الجديدة، ولكن المؤشرات الأولية تدل على أنها قد تكون أكثر عنفاً مما شهدته سابقاً، حيث أشار محافظ جنين كمال أبو الرب إلى أنها المرة الأولى التي يتم فيها إغلاق جميع مداخل المدينة والمخيم.
أوضح أبو الرب أن الجيش وضع سواتر ترابية وآليات عسكرية محيطة بالمستشفيات، مما أدى إلى تعطيل جميع الخدمات الطبية.
المحلل عزام أبو العدس وصف الحملة بأنها أخطر من عملية السور الواقي، مبرراً ذلك بعدة أسباب، منها:
- وجود الفصائل الفلسطينية في عام 2002 كان أقوى، بينما اليوم هي ضعيفة ويجري تفكيكها.
- عدد المستوطنين في ذلك الوقت لا يقارن بـ800 ألف مستوطن الآن.
- حاجة نتنياهو إلى انتصار لتعزيز شعبيته، خاصة أنه فشل في غزة.
- القدس أصبحت موضوعًا محوريًا، إذ تؤشر أي نجاح إسرائيلي إلى إمكانية تنفيذ مشاريع منها إقامة كنيس في الأقصى.
بينما تتباين الاحتمالات، تؤكد الحقائق على الأرض أن المقاومة مستمرة وقد أعدت ما يمكن من قوة، لتكون الضفة وساحة معركة لا يمكن التراخي فيها أمام جيش ينوء تحت وطأة الحرب المستمرة.