المغرب يطلق حملة تلقيح واسعة ضد الحصبة

الرباط – بدأت المغرب يوم الاثنين الماضي حملة شاملة لتلقيح الأطفال في المدارس ضد مرض الحصبة المعروف محلياً بـ”بوحمرون”، وذلك بعد ملاحظة ازدياد حالات الإصابة في الأشهر الأخيرة.
فحص الدفاتر الصحية والإجراءات التنظيمية
عقب العطلة المدرسية، باشرت المدارس بفحص الدفاتر الصحية للأطفال للتحقق من تلقيهم اللقاحات اللازمة. ووجهت وزارتا التربية الوطنية والتعليم الأولي والصحة والحماية الاجتماعية مذكرة إلى مديري المؤسسات التعليمية ومديريات الصحة لتنظيم مراقبة واستكمال عمليات التلقيح في المدارس.
حسب المذكرة التي حصلت “الجزيرة نت” على نسخة منها، تم الاتفاق على استبعاد الطلاب الذين لم يوافق آباؤهم على تلقيحهم من الدراسة في حال ظهور إصابات، مع إمكانية متابعة التعليم عن بعد.
إجراءات احترازية لمكافحة المرض
بناءً على توصيات الجهات المختصة بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، تقرر إغلاق المؤسسات التعليمية التي تمثل بؤراً لتفشي المرض، وذلك في إطار إجراءات احترازية للحد من انتشار الحصبة.
تم تسجيل انتشار مقلق للمرض في جهات مختلفة من المملكة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث بدأ الوباء في جهة سوس ماسة وامتد تدريجياً إلى جهة مراكش آسفي وبقية المناطق.
أرقام مقلقة وتعبئة عامة
منذ تفشي المرض، سجلت السلطات 25 ألف حالة إصابة و120 وفاة، مما دفع الجهات المعنية إلى إعلان حالة استنفار واستجابة شاملة لمواجهة هذا التحدي.
فعّل المركز الوطني لعمليات طوارئ الصحة العامة بوزارة الصحة 12 مركزاً للطوارئ الصحية لمتابعة الحالة الوبائية وإطلاق حملات تلقيح موجهة للأطفال والبالغين في يناير/كانون الثاني الماضي. كما أطلقت حملة توعوية عبر وسائل الإعلام لإقناع الأسر بأهمية التلقيح.
توعية اجتماعية ودينية
عملت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على تخصيص خطب الجمعة للتوعية بأهمية الحفاظ على صحة الأطفال وتلقيحهم للوقاية من الأمراض الخطيرة.
انتشار مرض الحصبة بين الفئات العمرية
سُجلت الإصابة بمرض الحصبة في المغرب بين جميع الفئات العمرية، وهي تشمل حتى الرضع الذين لم يصلوا إلى عمرهم التاسع، وهو العمر الذي يُعطى فيه التطعيم الأول للطفل.
وبحسب معطيات من مدير مديرية الأوبئة ومكافحة الأمراض بوزارة الصحة محمد اليوبي، في ندوة نظمها المرصد الوطني لحقوق الطفل، بلغ عدد الإصابات 7633 حالة لدى الفئة العمرية بين 18 شهراً و11 عاماً، و6429 حالة لدى الأشخاص بين 12 و36 عاماً، و2028 حالة لمن تجاوزت أعمارهم 37 عاماً، بالإضافة إلى 1893 حالة لأطفال دون 9 أشهر، و1693 حالة بين 9 و17 شهراً.
أما بخصوص الوفيات، فقد سُجل 42% منها لدى الأطفال دون سن 5 سنوات، و24% لدى أشخاص تتجاوز أعمارهم 37 عاماً، و15% بين 18 و36 عاماً، و12% بين 5 و11 عاماً، و7% بين 12 و17 عاماً.
تركزت أعلى نسبة من الإصابات في جهة طنجة تطوان الحسيمة، تليها جهة فاس مكناس، ثم جهة الرباط القنيطرة، وتواجدت أيضاً بدرجة أقل في جهة الدار البيضاء سطات وبعض أقاليم جهة مراكش آسفي.

تفاصيل المرض وسبل مكافحته
يوضح مولاي سعيد عفيف، عضو اللجنة العلمية للتلقيح ورئيس الجمعية المغربية للعلوم الطبية، أن مرض الحصبة هو عدوى فيروسية تنتقل عبر الهواء. تبدأ الأعراض عادة بعد فترة حضانة قد تمتد إلى أسبوعين، حيث تشمل ارتفاعاً في درجة الحرارة، وسعالاً، واحمراراً في العينين، قبل تطور طفح جلدي أحمر على الوجه والرقبة ويمتد لأجزاء الجسم الأخرى، ولهذا السبب يُعرف في المغرب بـ “بوحمرون”.
وأضاف عفيف في حديثه للجزيرة نت أن خطورة الحصبة تتجلى في كونها مرضاً معدياً، إذ يمكن لشخص واحد أن ينقل العدوى إلى ما يقرب من 15 إلى 20 شخصاً.
أهمية التطعيم ضد الحصبة
وأشار الدكتور سعيد عفيف إلى فعالية التطعيم في الوقاية من مرض الحصبة، حيث يتم إعطاء الأطفال جرعتين: الأولى في الشهر التاسع والثانية في الشهر الـ18. اللقاح متاح مجانا في المستشفيات الحكومية، ويمكن الحصول عليه في القطاع الخاص مقابل 50 درهما (حوالي 5 دولارات). وأكد عفيف أن 98% من الوفيات المسجلة كانت لأشخاص لم يتلقوا اللقاح، مما يبرز أهميته في الحماية.
قلق ومخاوف متزايدة
صرح عفيف بأن الأرقام التي أعلنتها وزارة الصحة بشأن إصابات مرض الحصبة تكشف عن حالة وبائية لم يشهد لها مثيل في المغرب منذ عام 1987. بعد هذا التاريخ، شهد المغرب تراجعاً في عدد الإصابات بفضل البرنامج الوطني للتلقيح وحملات التلقيح في المستوصفات والمدارس، وآخرها كان عام 2013، حيث تم تلقيح 11 مليون شخص، مما أدى إلى تغطية تلقيحية بنسبة تتجاوز 95%. وبيّن عفيف أن المغرب كان يسجل أقل من عشر إصابات سنوياً منذ عام 2013.
الوضع الحالي وأسبابه
وصف الدكتور الطيب حمضي الوضع الحالي بـ”غير العادي والمقلق”، خاصة أن المغرب كان قريباً من الحصول على شهادة الخلو من داء الحصبة. أرجعت وزارة الصحة تفشي المرض إلى تراجع الإقبال على التلقيح بسبب جائحة كوفيد-19 وانتشار الشائعات حول اللقاحات. كما أدى عدم احترام الجدول الوطني للتلقيح المعتمد إلى زيادة الأعداد غير المحصنة، مما ساهم في تفاقم الوضع.
التدابير الوقائية وأهمية الوعي الصحي
حذر الدكتور سعيد عفيف من الأخبار الكاذبة حول اللقاح، مؤكداً سلامته وفعاليته المجانية التي جربها المغرب لعقود. أسهم اللقاح في تراجع إصابات الحصبة وحقق مناعة جماعية. البرنامج الوطني لمنع انتقال الأمراض يحمي من 13 مرضاً، ونتج عنه انخفاض وفيات الأطفال دون سن الخامسة من 52 لكل ألف مولود حي عام 2000 إلى 17 وفاة عام 2022.