<
div class=”container”>
<
div class=”container__inner”>
<
div class=”l-col l-col–8–centered”>
<
div class=”article-info-block”>
<
div class=”social-share-buttons”>
بدا كل شيء جاهزًا في الملعب الأولمبي ببيروت مساء الأول من يناير/كانون الأول 1982، لتنفيذ عملية اغتيال وصفها الكثيرون بأحد أكثر عمليات الموساد عنفًا. كانت العملية مستهدفة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ومعظم قيادات منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن في اللحظة الأخيرة، ألغى رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن العملية التي خطط لها وزير دفاعه أرييل شارون.
الخطة الدمويّة
أُطلق على العملية اسم “أولمبيا 2″، نسبةً إلى مطعم مشهور في تل أبيب، وكانت الخطة تتضمن زرع كمية هائلة من القنابل يتم التحكم فيها عن بُعد تحت منصة لكبار الشخصيات في الملعب، حيث كانت منظمة التحرير الفلسطينية تستعد للاحتفال بذكرى تأسيسها بحضور عدد كبير من قياداتها وضيوفهم، من بينهم دبلوماسيون أجانب.
تضمنت الخطة الإسرائيلية إحاطة الملعب وطرق الخروج بسيارات مفخخة للتأكد من قتل من ينجو من الانفجار الرئيسي، وفقًا لما ورد في كتاب “انهض واقتل أولًا.. التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية المستهدفة”، الذي كتبه الصحفي رونين برغمان.
تغييرات في الخطط
تم تعديل خطة “أولمبيا 2” إلى خطة أخرى تحمل الاسم نفسه، والتي تضمنت أيضًا وضع شاحنات مفخخة محملة بنحو طنين من المتفجرات حول مسرح في شرق بيروت، حيث كان يُفترض أن تُقيم منظمة التحرير الفلسطينية مأدبة عشاء احتفالية في أواخر ديسمبر/كانون الأول 1982. كان الانفجار المتوقع كفيلاً بقتل ياسر عرفات وكامل قيادة المنظمة.
اعتماد إسرائيل على وحداتها الاستخباراتية
اعتمدت إسرائيل في تلك الفترة على وحداتها الاستخباراتية، “أمان”، والموساد، والتي كانت تعتبر الذراع الطويلة لعملياتها. كما اعتمدت على شبكة من العملاء والمتعاونين، خصوصًا من منظمة أنشأها الموساد في لبنان تحت مسمى “جبهة تحرير لبنان من الأجانب”، حيث كانت هذه المنظمة تزرع الفوضى وتفخخ كل ما يمكن من سيارات ودراجات نارية.
“اقتلوهم جميعا”
تشكلت الاغتيالات المستهدفة كجزء أساسي من العقيدة الأمنية الإسرائيلية، حيث استهدف الموساد تصفية عشرات القادة والناشطين الفلسطينيين، حتى لم ينجُ المفكرون والأدباء والفنانون من هذه العمليات. تعرّض عرفات نفسه لمحاولات اغتيال عدة أعوام 1967 و1968 و1973.
في عام 1974، تم تعليق اسمه لفترة من لوائح الاغتيالات بعد ضغوط من الولايات المتحدة. وكشف عرفات أنه نجا من 14 عملية اغتيال على الأقل، بينما استشهد عشرات من رفاقه وكبار قادة حركته وحركات أخرى بفعل تصفيات غادرة.
شكلت عملية نهاريا، التي نفذها فدائيون فلسطينيون في 22 أبريل/نيسان 1979، ذريعة لتوسيع خطة التصفيات، مما أدى إلى إصدار تعليمات جديدة لتنفيذ عمليات إضافية ضد الفلسطينيين.## أوامر بإزالة القيادة الفلسطينية
في سياق العمليات العسكرية الإسرائيلية، أُصدر تعليمات من القائد العسكري لمنطقة الشمال أفيغدور بن غال تتعلق بتصفية جميع قيادات منظمة التحرير الفلسطينية، حيث طالب بشكل صريح: “اقتلوهم جميعاً”.
مئير داغان ومهمة التصفية
في عام 1980، تولى مئير داغان قيادة منطقة جنوب لبنان، وعُين مسؤولاً عن تنفيذ تلك التعليمات. وعندما أصبح أرييل شارون وزير الدفاع في عام 1981، كان من أبرز الداعمين لفكرة تصفية القيادات الفلسطينية، وجعل من ياسر عرفات هدفاً شخصياً له. عزم شارون على القضاء على منظمة التحرير من خلال حرب شاملة في لبنان، م believing أن تصفية عرفات ستشكل ضربة قاسية للقضية الفلسطينية.
ولقد حقق عرفات، الذي أصبح معروفًا حتى في الإعلام الغربي، تأثيراً هائلاً على المستوى السياسي والإعلامي.
سحب عملية “أولمبيا 2”
رغم التخطيط القائم، لم تنفذ خطة “أولمبيا 2” بسبب اختلافات داخلية وتحفظات من رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، مناحيم بيغن. وكانت إحدى المخاوف الرئيسية هي احتمال مقتل سفير الاتحاد السوفيتي في لبنان، مما قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على إسرائيل.
أسف داگان على الفشل
في وقت لاحق، أعرب مئير داغان عن أسفه لعدم تنفيذ تلك العمليات، معرباً: “لو سمحوا لنا بشطب قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، لكنا وفّرنا على أنفسنا حرب لبنان التي وقعت بعد ستة أشهر”.
“البلدوزر” والسمكة المالحة
أطلق لقب “البلدوزر” على أرييل شارون بسبب تصميمه على اغتيال ياسر عرفات، حيث اعتقد أن هذه العملية ستغير مسار تاريخ الشرق الأوسط. وذكر عرفات في إحدى لقاءاته أن شارون اعترف بتنفيذ 14 محاولة لاغتياله حتى عام 1982.
في ديسمبر 1981، أقال شارون أفيغدور بن غال قائد المنطقة الشمالية، نظرًا لعدم رؤيته الاستراتيجية، حيث كان بن غال يخطط لقتل العديد من القيادات الفلسطينية.
على إثر ذلك، تم تشكيل وحدة خاصة برئاسة المقدم أوزي دايان للبحث عن عرفات في بيروت، وأطلق عليها اسم “السمكة المالحة”. ساهمت الاستخبارات العسكرية والموساد في جمع المعلومات عن تحركات عرفات.
محاولات الاغتيال الفاشلة
شهدت محاولات اغتيال عرفات عدة إجهاضات، بفضل حنكته ومهارته في التخفي. حيث تمكن من النجاة مراراً، مما أثار إحباط وحدة “السمكة المالحة”. يقول دايان إن عرفات كان دائماً يغير نمط تحركاته، مما زاد من صعوبة العملية.
صيد “السمكة الذهبية”
وفي أكتوبر 1982، إثر معلومات عن وجود عرفات في طائرة مدنية متجهة من أثينا إلى القاهرة، أصدر قائد الأركان الإسرائيلي أمراً بإسقاط الطائرة، إلا أنه تبين لاحقاً عدم وجوده بينها، وتم إلغاء العملية.
في الفترة بين نوفمبر 1982 ويناير 1983، أقلعت الطائرات الحربية الإسرائيلية عدة مرات بأوامر من شارون لاستهداف الطائرات المدنية التي كان يُعتقد أن عرفات بها. ومع ذلك، ألغيت هذه العمليات في اللحظات الأخيرة.
بين تونس ورام الله
في السادس من يونيو 1982، أطلقت إسرائيل عملية “سلامة الجليل” كجزء من الحرب ضد منظمة التحرير الفلسطينية، في محاولة للاستيلاء على الأراضي اللبنانية والتي كانت تحت سيطرة الجيش اللبناني.
في تاريخ 30 أغسطس/آب 1982، وعلى الرغم من المجازر الإسرائيلية المروعة، مثل مجزرة صبرا وشاتيلا، خرج ياسر عرفات ومعظم قيادات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت إلى تونس، حيث أبدوا صمودًا “أسطوريًا”.
الهجمات الإسرائيلية المستمرة
استمر ياسر عرفات وقادة المنظمة الكبار كأهداف رئيسية للاحتلال الإسرائيلي، رغم خروج وزير الدفاع الإسرائيل شارون من منصبه. وفي 1 أكتوبر/تشرين الأول 1985، شنت 6 مقاتلات إسرائيلية هجومًا على اجتماع للقيادات في مقر منظمة التحرير الفلسطينية بمنطقة “حمام الشط” في الضاحية الجنوبية للعاصمة التونسية. أدت الهجوم إلى استشهاد 65 شخصًا وجرح 100 آخرين، وكان معظمهم من الفلسطينيين.
لم تكن أجهزة الأمن الإسرائيلية على علم بتأجيل الاجتماع بعد تعذر وصول بعض القيادات، ونجا ياسر عرفات مرة أخرى من محاولة الاغتيال. ومع ذلك، تمكن الموساد الإسرائيلي من اغتيال قادة كبار مثل خليل الوزير (أبو جهاد) في 16 أبريل/نيسان 1988، وصلاح خلف (أبو إياد) وهايل عبد الحميد (أبو الهول)، وفخري العمري (أبو محمد) في 14 يناير/كانون الثاني 1991 في العاصمة التونسية.
فترة الهدوء قبل العودة للاغتيالات
توقفت المحاولات لاغتيال عرفات في بداية التسعينيات وبعد اتفاق أوسلو تحت الضغط الأمريكي. ولكن شارون لم يتردد في التفكير في تصفية عرفات لعقود، خصوصًا بعد توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية (2001-2006). خلال الانتفاضة (2000-2005)، أصبح دور عرفات مبررًا لاستمرار نوايا شارون.
مخطط الاغتيال
بدأ شارون ببطء في الإعداد لمخطط اغتيال عرفات، وهو محاصر في مقر السلطة برام الله، دون إثارة الشبهات ودون ترك بصمات واضحة، كما ذكر الكاتب رونين برغمان. وأكد بسام أبو شريف، مستشار الرئيس الراحل، في كتابه “السمك المالح” (دار بيسان، الطبعة الأولى 2021) أن شارون قرر تصفية عرفات عام 2000 متجاوزًا التعليمات الأمريكية. وحاول أبو شريف تحذير عرفات من خطة اغتياله “بطريقة خبيثة ومتخفية”.
وفاة عرفات
توفي ياسر عرفات في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، وتؤكد العديد من المعطيات أن حصاره في المقاطعة برام الله كان تمهيدًا من شارون لتصفيته سياسيًا ثم جسديًا. وكانت حالته الصحية المفاجئة، وسرطان الغموض الناجم عن تعرُّضه لسم أو مادة إشعاعية، تحمل بصمات شارون. لم يستطع شارون تصفية “الختيار” رغم المطاردات المستمرة لعقود، لكنه تمكن من محاصرته في زمن “سلام ملتبس” في رام الله.