رحلة اليهود من وادي النيل إلى النفي في إسبانيا
تاريخ مضطرب ومصير مشؤوم
يكشف الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما» في مؤلفه “قصة اليهود”، الذي صدر عن دار نشر فينتغ بوكس في لندن، عن تفاصيل حياة اليهود بدءًا من استقرارهم في منطقة الألفنتين في دلتا النيل بمصر عام 475 قبل الميلاد، وحتى نفيهم من إسبانيا في عام 1492 ميلادية. يسلط سكاما الضوء على كفاحهم، حيث كان اليهود في البداية عبيدًا في مصر، وطُردوا لاحقًا بشكل جماعي. حتى اليوم، يحتفل اليهود بذكرى تحريرهم من العبودية في مصر، رغم أن أوامر الله لهم بعدم العودة إليها تم كسرها مرارًا.
شتات مستمر وسط الاضطهاد
يبرز الكاتب أن اليهود عاشوا حياة الشتات، حيث كانوا يمثلون أقلية دائمًا في نقطتين متعارضتين ووسط حضارتين عظيمتين. ويعكس ذلك على مدى التاريخ مع حضارات كالإغريق والبطالمة والسّلوقيين، وكيف كانوا منغلقين على أنفسهم في المجتمعات التي عاشوا فيها. على الرغم من التعايش السلمي مع شعوب مختلفة، إلا أن سكاما يشير إلى أنهم كانوا يشعرون دائمًا بالخطر المحدق بهم.
اضطهاد في العصور الوسطى
مع بداية العصور الوسطى، وُضعت قوانين صارمة على اليهود، تضمنت فرض ارتداء شعار خاص وتقييدهم من دخول الوظائف الرسمية، مما زاد من عزلتهم. تضيف الملكة إيزابيلا في سنة 1492 المزيد من الضغوط، حيث أصدرت قانونًا لطرد اليهود مما أجبرهم على اتخاذ خيارات صعبة بين اعتناق المسيحية أو الهجرة أو الموت.
أسباب الاضطهاد وأثرها
يُعزي سكاما هذا الاضطهاد إلى أسباب، منها وشايتهم للملك الروماني ضد يسوع والأفعال المروعة التي قاموا بها. يشير إلى أن العديد من اليهود تم إجبارهم على اعتناق المسيحية خوفًا، حيث أُطلق عليهم لقب «كونفرتو» أو «المسيحيون الجدد» رغم استمرارهم في ممارسة طقوسهم سرًا.
تاريخ يهودي متواصل
يستعرض الكتاب كذلك تاريخ اليهود في العصور الوسطى، من شبه الجزيرة العربية خلال فترة النبي محمد، إلى يهود الأندلس وصلاح الدين الأيوبي. كما يعرض سكاما تفاصيل الحياة الاجتماعية والثقافية في تلك الأزمنة، مثل العمارة اليونانية التي تأثر بها اليهود.
قراءة نقدية للمؤلف
رغم ثراء المعلومات والموضوعية، يُلاحظ أن الكتاب يفتقر إلى تسليط الضوء على فترات إيجابية من تاريخ اليهود، ويعطي انطباعًا أكبر عن الحروب والاضطهاداتلكن دون تناول العوامل المضيئة في تاريخهم. كما استخدم سكاما العديد من الوثائق والمخطوطات لدعم روايته، لكن هناك نقاط مهمة كفترة حياة عيسى عليه السلام لم يتم تقديمها بشكل كافٍ.
في النهاية، يقدم “قصة اليهود” لمحة شاملة عن الفصول المظلمة في تاريخ اليهود، بل يعكس تاريخًا غنياً بمعاناة مستمرة تشكل جزءًا لا يتجزأ من الهوية اليهودية.