رغم قوتها العسكرية.. لماذا يشعر الإسرائيلي دائماً بالهزيمة؟
15/10/2024
–
|
آخر تحديث: 15/10/2024 12:24 ص (بتوقيت مكة المكرمة)
هذه الحكاية تسلط الضوء على أزمة عميقة الجذور لدى الإسرائيليين تتمثل في فقدان الثقة في أمن دولتهم، وقدرتها على البقاء على المدى الطويل، وهي أزمة تمتد بين جميع فئات المجتمع الإسرائيلي من القيادات العليا إلى القواعد الشعبية.
### شعور انعدام الأمن
يتصاعد هذا الشعور بانعدام الأمن خصوصاً في الأوقات التي تتعرض فيها إسرائيل لضربات من خصومها، حتى لو كانت الأضرار التي لحقت بهؤلاء الخصوم تفوق ما تعرضت له إسرائيل. تجلت هذه الحالة بعد “طوفان الأقصى”، حيث ارتكبت إسرائيل عام 2024 تقريباً 5000 مجزرة في غزة، مما أسفر عن أكثر من 42 ألف شهيد و98 ألف مصاب، فضلاً عن عشرات الآلاف من المفقودين.
وعلى الرغم من هذه الوقائع، تشير استطلاعات الرأي إلى أن الغالبية العظمى من الإسرائيليين يشعرون بالهزيمة. وأظهر استطلاع أجرته قناة “كان” أن 38% من المشاركين يعتبرون أن إسرائيل خسرت الحرب، بينما يعتقد 27% فقط أنهم انتصروا.
### تراجع الثقة في الجيش
أشار نفس الاستطلاع إلى تراجع ثقة المواطنين في جيشهم، حيث عبر 41% عن هذا التراجع، وقالت أغلبية تصل إلى 86% إنهم يرفضون العودة إلى مستوطنات “غلاف غزة”.
وبحسب استطلاع آخر، أظهر المعهد الإسرائيلي للديمقراطية أن ثلثي المشاركين شعروا بتدهور إحساسهم بالأمان الشخصي منذ بداية أكتوبر 2023.
### انتقادات من المقين
لم تقتصر النتائج على استطلاعات الرأي، بل تبنى العديد من المحللين هذه الخلاصات، مثل المحلل العسكري عاموس هرئيل الذي اعتبر أن الفشل في 7 أكتوبر سوف يستمر في ملاحقة إسرائيل.
وفي مقال لصحيفة “هآرتس”، قال الكاتب حاييم ليفنسون: “لقد هزمت إسرائيل هزيمة كاملة”.
### مآلات الحرب وصدماتها
تظل المفارقة قائمة بين حجم الدمار الناتج عن العدوان الإسرائيلي والشعور المتأصل بالهزيمة، وهي تفتح المجال لتساؤلات هامة حول الأسباب العميقة لهذا القلق المتأصل في الوجدان الإسرائيلي، والتي تعود جذورها إلى التاريخ والجغرافيا.
### معضلة الجغرافيا وعقدة التاريخ
من خلال تحليل هذه الديناميكيات، يتضح أن الشعور بعدم الأمان الذي يعاني منه الإسرائيليون ليس مجرد رد فعل على الأحداث الجارية، بل هو نتاج تاريخ طويل من التوترات والصراعات التي أثرت على الهوية الوطنية الإسرائيلية، مما يجعلهم يشعرون بالقلق المستمر في ظل الظروف الراهنة.
## الجغرافيا والتاريخ: العوامل المؤثرة في وجود إسرائيل
تصريحات بن غوريون وتحديات الجغرافيا
صرح ديفيد بن غوريون، بعد إعلان قيام دولة إسرائيل في عام 1948، قائلاً: “سوف نقبل بحدود الدولة كما سترسم الآن، ولكن حدود الآمال الصهيونية هي شأن الشعب اليهودي وحده، ولن يستطيع أي عامل خارجي الحدّ منها”. تعبر هذه الكلمات عن الآمال التاريخية لجماعة الصهاينة، بالإضافة إلى الحاجة الجيوسياسية لتأمين الدولة الإسرائيلية التي أُقيمت في ظروف قاسية، وسط عداوة واضحة من الجوار.
تعاني إسرائيل من العديد من التحديات، لكن الجغرافيا تُعتبر من أبرز هذه المشاكل وأكثرها تعقيدًا. فالمسافة القصيرة بين حدودها وعاصمتها، القدس، تجعلها عرضة لمخاطر كبيرة، بالإضافة إلى ضعف خطوط اتصالاتها البحرية والبرية، خاصة مع جيرانها الذين لا يشعرون بالأمان رغم اتفاقيات السلام المبرمة مع كل من مصر والأردن.
الشعور بعدم الأمان وتأثيره على المجتمع الإسرائيلي
يعتقد الكثير من الإسرائيليين أن حدود دولتهم الحالية ليست كافية، ويعتبرون أن أمن الشعب اليهودي يعتمد على توسيع حدود الدولة كما خطط لها مؤسسوها، مما يمنح المجتمع الإسرائيلي حزام أمان يدعمه.
الوضع الحالي لإسرائيل، مع عدم وجود عمق دفاعي، يجعلها غير قادرة على التعامل مع الغزوات، مما يدفعها للاعتماد على “الإنذار المبكر” كاستراتيجية دفاعية. هذا التوجه يعكس الثقة الإسرائيلية في قدرتها على مواجهة التهديدات، لكن أي فشل في هذا الجانب، كما حدث مؤخرًا، قد يترك آثارًا كارثية على مستقبلها.
العقدة التاريخية للشعب الإسرائيلي
الآثار النفسية للذاكرة التاريخية
يعيش المجتمع الإسرائيلي تحت وطأة تاريخ طويل من الاضطهاد، مما يزرع فيهم خوفًا دائمًا من العودة إلى الشتات. هذا الإحساس التاريخي يؤثر على وعيهم في الداخل كما يؤثر على نظرة الغرب إليهم، وهو ما يتجلى في تصريحات القادة الإسرائيليين عبر السنوات.
في عام 2017، قال رئيس الوزراء نتنياهو: “سأجتهد كي تبلغ إسرائيل عيد ميلادها المئة، لأن مسألة وجودنا ليست مفهومة ضمنًا”. هذا القلق السائد بين الإسرائيليين يشير إلى عدم قدرتهم على التعامل مع التهديدات الوجودية، مما يعكس قلقهم المستمر.
تأملات القادة الإسرائيليين في التاريخ
أشار رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك، في مقال نشر عام 2022، إلى أن التاريخ يعلمنا أن الدولة اليهودية لم تعمر أكثر من 80 عامًا في فترتين استثنائيتين، مما يزيد من مخاوف الإسرائيليين من المآلات السلبية لدولتهم الحالية.
تأثير الطوفان: التحولات في الرؤية الإسرائيلية
تدني الثقة بالأمن القومي الإسرائيلي
نتساءل عن التحولات التي مرت بها إسرائيل خلال سنة من الحرب؛ إذ يشهد الوضع الحالي ثلاث تغييرات رئيسية: انهيار الثقة في الجيش الإسرائيلي، الانهيار الاقتصادي الناتج عن حالة الحرب المستمرة، وتغير الرأي العام الغربي الذي أصبح أكثر إدراكًا لصراع الفلسطينيين.
كتب حاييم ليفنسون في مقال نشر عام 2024 عن هذا الوضع، قائلًا: “لسنا دولة كبيرة، نحن بلد صغير”. تلك الكلمات تلخص التحديات التي تواجهها إسرائيل اليوم، بعد فقدان الثقة في القدرة على حماية الحدود وتوفير الأمن لمواطنيها.
الخاتمة: مستقبل إسرائيل في كف عفريت
إن الشعور بالخطر المتزايد لدى الإسرائيليين، بالإضافة إلى التحولات التاريخية والنفسية، يضع دولتهم في وضع حساس، مما يجعل مستقبلها محط تساؤلات واستفهامات عديدة، في ظل التوترات الحالية.## المبادرة والدفاع الإسرائيلي: تآكل الثقة والانهيار الاقتصادي
في وقت يعاني فيه الاحتلال الإسرائيلي من تآكل الثقة في قدراته التقنية والدفاعية، تظهر التقارير أن الاستخبارات الإسرائيلية رصدت مؤشرات على نية قادة المقاومة القيام بعمليات اقتحام لمستوطنات غلاف غزة. لكن الثقة المبالغ فيها في تأمين الحدود الجنوبية أدت إلى تقييم هذه المعلومات كأحلام مستحيلة تبقى بعيدة عن أن تصبح خططًا واقعية.
خسائر استراتيجية وتصاعد الإحباط
أظهرت الأحداث أن إسرائيل فشلت في تقدير قوة المقاومة وفشلت أيضًا في تحديد ساعة الصفر للتصدي للهجمة. بعد بدء العمليات، فقدت توازنها واحتاجت لوقت طويل قبل أن تصدر أي رد فعلي. خلال الشهور الماضية، ظلت إسرائيل عاجزة عن معالجة الخسائر الاستراتيجية التي لحقت بها، فقد أخفقت في تدمير البنية التحتية للمقاومة حتى في المناطق القريبة من مستوطناتها. وقد كان لهذا تأثير عميق على معنويات الإسرائيليين، حيث عبرت نتائج استطلاعات رأي عن مشاعر القلق وعدم الثقة في المستقبل لدى 48٪ من المواطنين.
أثر الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي
من الناحية الاقتصادية، لا تزال تداعيات حرب السادس من أكتوبر عام 1973 حاضرة، إذ أدت إلى ركود طالت مدته الممتدة. وزير المالية بتسلئيل سموتريتش أقر بأن الحرب الحالية تعد “الأعلى تكلفة في تاريخ البلاد”، حيث تقدر التكلفة الحالية بحوالي 250 مليار شيكل (67 مليار دولار)، مما يتطلب زيادات سنوية كبيرة في موازنة الدفاع.
تسببت الظروف الحالية في عجز يتجاوز 8٪ في الميزانية العامة، ما أدى إلى زيادة الاعتماد على الديون في الاقتصاد. في ظل الأزمة، تدهورت قيمة الشيكل بنسبة 5٪، وحققت خسائر قطاع السياحة رقمًا قياسيًا تجاوز 18.7 مليار شيكل (4.9 مليارات دولار) بينما تُقدّر خسائر البورصة الإسرائيلية بنحو 20 مليار دولار.
تغيرات في الرأي العام الغربي
في مشهد غير مسبوق، تضررت صورة إسرائيل في العالم الغربي حيث زادت الأصوات الناقدة من داخل المجتمعات الغربية خاصة بين الشباب. استطلاع أجرته جامعة هارفارد أظهر أن 5 من كل 6 شباب يؤيدون وقف الحرب على غزة بشكل دائم.
تزيد هذه التطورات من الضغوط حول دعم إسرائيل، والتي اعتمدت بشكل أساسي على المساعدات الغربية. مع تغير المزاج العام، اعتبرت العديد من الدول أن عليها اتخاذ مواقف واضحة فيما يتعلق بصادراتها العسكرية لإسرائيل.
انعكاسات الحرب على التطبيع
عقب اندلاع الحرب، تم اعتقال بعض مؤشرات التطبيع التي كانت قد بدأت تتشكل بين إسرائيل وبعض الدول العربية. وقد خلصت إحدى الدراسات إلى أن الحرب قد تؤدي إلى توتير العلاقات مع الدول المطبعة بالفعل، ما قد يحول دون تحقيق فوائد التطبيع في المستقبل.
وفيما تزداد الضغوط على الساحة الدولية، يسير الوضع نحو تغيرات قد تؤثر جذريًا على ديناميكيات المنطقة ومستقبل العلاقات الإسرائيلية العربية.### تأثير الحرب على المجتمع الإسرائيلي
عودة إلى الصراع تحت ضغط الأزمات
تعكس الأحداث الأخيرة في إسرائيل حالة من الانقسام والصراع الداخلي غير المسبوق. “الهجرة اليهودية إلى فلسطين هي دم الحياة لإسرائيل، وضمان أمنها ومستقبلها وجوهر حياتها وروحها”، كما ذكر ديفيد بن غوريون. ولقد أسفرت الحرب المستمرة عن تفاقم أعمق الأزمات في المجتمع الصهيوني، حيث زاد الفجوة بين الدين والعلمانية، مما أدى إلى تعميق الخلافات داخل المجتمع.
تداعيات الأمن والقلق من الهجرة
أدى الصراع إلى زيادة مشاعر القلق بين الإسرائيليين، حيث بدأ العديد منهم يفكرون في الهجرة. استطلاع رأي أجرته قناة “كان” وجد أن حوالي 25% من الإسرائيليين يفكرون بالهجرة إلى الخارج بسبب الظروف الأمنية. هذا الاتجاه، الذي شهدناه منذ عدة سنوات، ازداد بشكل كبير نتيجة الظروف الحالية.
نقص المعلومات حول الهجرة الفعلية
تظل الأرقام الدقيقة عن أعداد الذين غادروا إسرائيل غير واضحة، حيث تشير التقارير إلى أن هناك شكوكا حول الأعداد الرسمية. صحيفة “ذا ماركر” اتهمت دائرة الإحصاء بإخفاء الأرقام الحقيقية، بينما قدرت “تايمز أوف إسرائيل” أن نحو نصف مليون إسرائيلي قد غادروا البلاد خلال الأشهر الستة الأولى من الحرب. في ذات الوقت، تشير الأرقام الرسمية إلى مغادرة 55 ألف شخص في عام 2023، بزيادة ملحوظة عن السنوات السابقة.
آثار الحروب على الوعي الجماعي
تشير هذه الأحداث إلى أن خسائر الحرب تتجاوز الأرقام المادية، فهي تؤثر على الحالة النفسية والمجتمعية في إسرائيل. رغم قدرة إسرائيل على التكيف مع الحرب، فإن آثار الصراع المستمر من تاريخ 7 أكتوبر تظل تطارد المجتمع وتثير قلقه حول مستقبله، وهو ما يتضح من التحذيرات المستمرة للقادة في إسرائيل عبر التاريخ.
المصدر: الجزيرة + مواقع إلكترونية.