مشاهد من معاناة الحياة اليومية في حاجز بيت فوريك بنابلس
يتميز حاجز “بيت فوريك-بيت دجن” (شرق مدينة نابلس في شمال الضفة) عن مئات الحواجز العسكرية الأخرى التي يقيمها الاحتلال في مختلف المناطق، حيث أصبح حاجزاً يعزل سكان البلدتين 23 ألف نسمة. وقد تحول حياتهم إلى جحيم بعد إغلاق المنفذ الوحيد الذي يربطهم بالعالم الخارجي.
تجربة ثائر حنيني ليست أفضل حالاً من باقي أهالي قريته، بل تفوقها مأساة الحبس التي استمرت 20 عاماً. ومع مجيئه من الأسر قبل شهرين، فقد مُنع من مغادرة قريته سوى ثلاث مرات، وذلك لأسباب قاهرة.
مسجون رغم تحرره
عبر هاتف عمه، تحدث ثائر حنيني مع “العربية الآن”، حيث لم يتمكن حتى الآن من شراء شريحة هاتف خاصة به، كما أنه لم يشتري أشياء أخرى بسبب إغلاقات الحاجز المتكررة وصعوبة المرور عبره. يقول: “عشت قهر الحاجز منذ اللحظة الأولى التي مررت بها عبره”.
ويضيف “احتجزونا لساعتين، وقاموا بتفتيش كل مركبة بيضاء مثل التي أقلتني، فأدركت أنهم يهدفون إلى سلب فرحتي بالإفراج عني، ولذلك استقلت مركبة أخرى وتمكنت من تجاوزهم”.
لكن المعاناة استمرت، إذ منع الحاجز حنيني من رؤية بعض أقاربه وأصدقائه الذين اتصلوا لتهنئته، واعتذروا عن الحضور بسبب الصعوبة التي تفرضها إجراءات الوصول. كما أن آخرين يعيشون في الأردن مُنعوا من القدوم جراء ذلك الحاجز “سيئ الصيت”، وليس بسبب بُعد المسافة.
نظراً لمزاجية جنود الاحتلال وإجراءاتهم المتعسفة، وتجنباً لاحتمالية احتجازه مجدداً والتحقيق معه كأسير سابق، بات حنيني يخشى من التنقل، ويلجأ إلى أشقائه وأصدقائه لتلبية احتياجاته، بما في ذلك شراء ملابسه الخاصة.
يدرك حنيني حاجز بيت فوريك جيداً منذ إقامته في عام 2000 خلال الانتفاضة الثانية، إلا أن الإجراءات الحالية أشد وطأة من أي وقت مضى، ويقول: “المنطقة أصبحت محاطة بالحواجز واستثمارات المستوطنين، ولا يوجد أي منفذ عبر الطرق الالتفافية البديلة أو الحواجز الأخرى التي لا تقل سوءًا، وكأنني لا زلت داخل الأسر”.
تداعيات الإغلاق
يقول الأهالي إن “الإغلاق هو سمة دائمة للحاجز”، لذا تكتظ منصات التواصل الاجتماعي بتوثيق معاناتهم اليومية، وكأن الحاجز أصبح جزءًا من “روتين القهر اليومي” الذي يتوجب عليهم التعايش معه.
وعاش مراسل “العربية الآن” نفس المعاناة خلال توجهه إلى بلدتي بيت فوريك وبيت دجن، حيث شهد مآسي السكان، خاصة سائقي الحافلات العامة الذين تنشغل هواتفهم باستفسارات حول فتح أو إغلاق الحاجز، ولا يتحرك أحدهم إلا بإشارة من الآخر.
محمد أبو ثابت، الناشط ضد الاستيطان في قرية بيت دجن، قام بتوثيق ما سماه “جحيم” حاجز بيت فوريك عبر هاتفه نتيجة تنقله اليومي عليه. وأوضح لـ”العربية الآن” أن معاناة المواطنين متعددة الأوجه: اجتماعية، صحية، اقتصادية وتعليمية، حيث شلت الحواجز حركة الناس بشكل كبير.
وأضاف: “ارتفعت أسعار المواد الغذائية، والمرضى يواجهون صعوبات في الوصول للعلاج، وتقلصت مشاركة الناس في المناسبات الاجتماعية، وأصبح التنقل محصورًا في حالات الطوارئ فقط، مما أجبر العديد على مغادرة قراهم، بما في ذلك الموظفون والطلاب، حتى أن عروسًا اضطرت لإلغاء حفل زفافها بسبب إغلاق الحاجز”.
منظور أمني وعسكري
على الرغم من ادعاءات الاحتلال حول إقامة الحاجز لأسباب أمنية وحماية للمستوطنين في مستوطنتي “ايتمار” و”ألون موريه”، إلا أنه يُستخدم كوسيلة لعقاب المواطنين وتنكيلهم، حيث يُطلق النار عليهم.
يرى حسين حج محمد، رئيس بلدية بيت فوريك، أن أخطر ما يميز “حاجز بيت فوريك-بيت دجن” هو كونه المنفذ الوحيد لسكان البلدتين، وإغلاقه الذي يستمر أحياناً لمدة 10 ساعات يعني عزلهم تمامًا، والأسوأ أن هذا يحدث بشكل يومي.
وبعقلية أمنية بحتة لحماية المستوطنين وتوفير طرق آمنة لهم، يتعامل الاحتلال مع الفلسطينيين بعنف، مفروضًا عليهم “عقاباً جماعياً” تحت أي ذريعة أو حدث أمني، ويُغلق الحاجز ليصبح أداة لقمعهم، خاصة في ساعات الليل. ومنه تنطلق أيضاً عمليات جيش الاحتلال نحو نابلس ومخيماتها.
في الجهة المقابلة، يُسمح للمستوطنين بأداء الصلوات عند الحاجز، مما يتسبب بإغلاقه لعدة ساعات، كما لا يُمنعون من الاعتداء على المركبات الفلسطينية ورشقها بالحجارة. وقد وثقت “العربية الآن” حادثة إيعاز أحد المستوطنين للجنود باحتجاز فتاة فلسطينية ومركبتها.
يعاني الأهالي من صعوبة دخول التجار وموردي البضائع، مما يتسبب في شح المواد الغذائية وارتفاع أسعارها. فقد تضررت الاستثمارات وأُلغيت فرص اقتصادية، كما تراجع حجم الإنتاج الزراعي في المنطقة بشكل ملحوظ.
منذ أكثر من عقدين، أُقيم حاجز بيت فوريك-بيت دجن ليضاف إلى أكثر من 10 حواجز حول مدينة نابلس، مما أدى إلى فرض طوق عسكري على المنطقة بأسرها، وعبره مُورست كل أشكال الاضطهاد ضد الفلسطينيين.
رابط المصدر