سباق دبلوماسي أميركي في لبنان لتجنب سيناريو الحرب
بيروت- دخلت منطقة الشرق الأوسط مرحلة خطيرة وحذرة، وبدأ سباق محموم بين الجهود الدبلوماسية لخفض التصعيد العسكري الذي يُنذر بحرب واسعة، على وقع انتظار رد كل من إيران وحزب الله على جريمة الاغتيال الإسرائيلية الأخيرة بحق رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، والقيادي في حزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت نهاية يوليو/تموز الماضي.
ومع اقتراب موعد اجتماع الدوحة حول مفاوضات وقف النار في غزة المقرر غدًا الخميس، وصل المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت اليوم الأربعاء، للمرة الخامسة منذ اندلاع معركة “طوفان الأقصى” في إطار الجهود الدبلوماسية الرامية لوقف التصعيد عبر الحدود اللبنانية، تزامنا مع تصاعد حدة المواجهات بين حزب الله وإسرائيل وكسر قواعد الاشتباك بين الطرفين.
وبينما واصل حزب الله قصف المدن والمستوطنات بالصواريخ، وأعلن اليوم استهدافه 5 مواقع إسرائيلية قبالة الحدود الجنوبية للبنان، وفي تلال كفرشوبا ومزارع شبعا المحتلة، كثف الجانب الإسرائيلي غاراته الجوية وقصفه المدفعي على عدة بلدات جنوب لبنان.
جهود المبعوث الأميركي
دفع هذا التوتر المتصاعد المبعوث الأميركي إلى توجيه رسالة واضحة مفادها أن الحاجة للحل الدبلوماسي أصبحت أكثر إلحاحا مع تصاعد “الأعمال العدائية بين الطرفين” منذ زيارته الأخيرة إلى لبنان، حسب تعبيره.
وأشار هوكشتاين، عقب لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، إلى إمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي، مشددا على أن لا أحد يرغب في اندلاع حرب شاملة بين لبنان وإسرائيل، وأكد أن الرئيس بايدن يعمل بلا كلل للتوصل إلى اتفاق لوقف النار وإطلاق المحتجزين، موضحا أن الرئيس طلب منه العودة إلى لبنان قبل بدء مفاوضات غزة.
وقد صرح مصدر رسمي لبناني للجزيرة بأن هوكشتاين أبلغهم أن واشنطن تبذل جهودا كبيرة للتوصل إلى وقف النار في غزة، وأوضح أن اجتماع الدوحة سيتركز على جانبين أساسيين يتعلقان بالخطة التطبيقية للاتفاق، وأن هذه الاجتماعات -التي ستستمر يومين- ستكون مكثفة بهدف التوصل إلى اتفاق شامل لوقف النار.
كما أكد هوكشتاين أن إدارة الرئيس بايدن تعمل على منع توسع المواجهة إلى لبنان، داعيا إلى تهدئة الأوضاع لتفادي تطور الأمور إلى حرب، وموضحا أن هناك قناعة أميركية بأن وقف القتال في غزة سيساهم في تهدئة الوضع في لبنان.
ومن جهته، حذر رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، خلال جلسة وزارية اليوم، من خطورة الوضع الراهن قائلا “نحن أمام فرص محدودة للتحرك الدبلوماسي لمنع الحرب ووقف العدوان الإسرائيلي”.
وأشار ميقاتي إلى أن الجولات الخارجية مع رؤساء وقادة دول عربية وأجنبية تكثفت، نظرا لخطورة الوضع في لبنان، وتأثيره على أمن المنطقة، وأكد أن لبنان ملتزم بتنفيذ القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بكامل بنوده، معتبرا أنه المدخل الأساسي لأي حل.
مخاوف أميركية
ويرى علي مطر الباحث في العلاقات الدولية والمحلل السياسي أن زيارة هوكشتاين تأتي بهدف منع توسع الاشتباكات في المنطقة، مما يؤدي إلى وقف التصعيد في لبنان وإعادة المدنيين بالجنوب اللبناني إلى قراهم، وكذلك المستوطنين إلى منازلهم.
وأوضح الباحث -للجزيرة نت- أن الولايات المتحدة لا ترغب في توسع الحرب حاليا لأسباب عدة، أهمها أنها تمر بفترة انتخابات رئاسية حاسمة، بالإضافة إلى أن أي تصعيد واسع في المنطقة قد يهدد المصالح والقواعد الأميركية، كما أن الجيش الإسرائيلي يعاني من الاستنزاف، وليس في مصلحته التورط في تصعيد إضافي.
ولفت إلى مخاوف الولايات المتحدة من رد جدي من إيران وحزب الله، مشيرا إلى أن الأمور قد تتفاقم إذا رفض الإسرائيليون التوصل إلى وقف إطلاق النار واستمروا في التصعيد، وأضاف “لذلك نشهد اليوم محاولات من جميع الأطراف لتجنب الانزلاق نحو حرب شاملة” وشدد على أن تحقيق ذلك يتطلب ممارسة ضغط أكبر على الإسرائيليين لضمان الوصول إلى حل يوقف التصعيد.
فترة ترقب
رأى المحلل السياسي توفيق شومان -في حديث للجزيرة نت- أن زيارة هوكشتاين هذه المرة تؤكد أن هناك قرارا أميركيا حاسما بوقف النار في غزة، وبدعم من مختلف العواصم في العالم، وبالتالي فإن الزيارة تهدف إلى تحقيق أمرين رئيسيين هما الترغيب والترهيب.
ويتوقع أن يطلب المبعوث الأميركي من المسؤولين اللبنانيين تأجيل الرد المقرر من قبل حزب الله، بهدف إعطاء الوقت للتوصل إلى اتفاق في المفاوضات المزمع إجراؤها في الدوحة غدا.
وفي قراءته للترهيب، اعتبر المحلل السياسي أن الزيارة حملت رسالة مفادها أن أي رد فعل كبير من حزب الله أو “محور المقاومة” خلال هذه الفترة سيعرضهم للمسؤولية أمام المجتمع الدولي باعتبارهم “معرقلين لوقف إطلاق النار في غزة”.
أما وفقا للترغيب، فإن الزيارة تدعو لتفعيل حل دبلوماسي لمشكلة لبنان عبر تطبيق القرار 1701 الذي يمنح قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “يونيفيل” السلطة للعمل في المناطق الحدودية، دون الحاجة لتعاون مباشر من الجيش اللبناني بالمرحلة الأولى، على أن يتولى مهامه لاحقا بعد تأهيله. وفي المقابل، سيتم الانسحاب من النقاط الحدودية المتنازع عليها.
وأكد المحلل السياسي أن لبنان يرفض مناقشة تطبيق القرار 1701 قبل التأكد من وقف النار في غزة، مشيرا إلى أن الأطراف المعنية ما زالت تكسب الوقت حيث يستمر التصعيد من قبل نتنياهو دون ضغوط أميركية جدية، في ظل ضعف الإدارة الأمريكية الحالية وقرب موعد الانتخابات.
وتوقع أن يسود الصمت اعتبارا من غد الخميس، مع احتمال استمرار الوضع كما هو دون رد كبير من حزب الله أو “محور المقاومة” إلا إذا قامت إسرائيل بخروقات كبيرة.