سوريا الجديدة.. البداية الضرورية والتحديات
12/1/2025
الوضع الحالي في سوريا
تجذب العاصمة السورية دمشق اهتمام العديد من وزراء خارجية الدول الكبرى والإقليمية، بالإضافة إلى الصحفيين والباحثين. حيث يسعى الجميع لفهم الثورة السورية وآثارها. المسؤولون الغربيون يحرصون على نقل رسائل بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية. ولكن بعض المراقبين يرون أن نظرتهم تلقي بظلال من التشاؤم، ربما لأن التغيير جاء على أيدي السوريين دون تدخل أجنبي مباشر.
التحديات التي تواجه سوريا الجديدة
من أكبر التحديات التي تواجه سوريا الجديدة علاقاتها الإقليمية والدولية؛ حيث كانت تقف سابقًا في صف حليفتيها إيران وروسيا، اللتان تعتبران من الخاسرين الرئيسيين من سقوط نظام الأسد.
تشير الدراسات إلى أن الحروب الأهلية تترك آثارًا مدمرة، حيث أدى الصراع في سوريا إلى مقتل نحو نصف مليون شخص وأكبر موجة نزوح في العقود الأخيرة، وبلغ عدد النازحين حوالي 13 مليون شخص. بالإضافة لذلك، انخفضت صادرات سوريا بنسبة 92٪، من 8.7 مليار دولار في 2010 إلى 0.7 مليار دولار في 2018.
حيث توصل الباحثان ألكسندر كلسلجفي وروك سبروك في دراسة نشرت عام 2023 إلى خمسة آثار للحرب في سوريا تتضمن انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، وخسائر في رأس المال البشري، والعجز المالي، وتأثير سلب على الدول المجاورة نتيجة تدفق اللاجئين.
تحديات العلاقات الإقليمية والدولية
إيران وروسيا، اللتان كانتا حليفتين لنظام الأسد، تعدان من أكبر الخاسرين بعد سقوطه، ولديهما أدوات تجعل مستقبل النظام الجديد معقدًا. يشمل هذا الفلول المتبقية من النظام القديم والأقليات التي تحتاج إلى تعامل دقيق لتجنب عدم الاستقرار.
بالإضافة، فإن هناك تدخلات خارجية قائمة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، حيث عملتا على تقويض قدرات الجيش السوري خلال الأيام الأولى من الثورة.
النظرة إلى المستقبل والتجارب السابقة
التجارب السابقة في دول مثل ليبيا والسودان وجنوب السودان تُظهر كيف أن الحلفاء الذين تجمعهم مصالح مشتركة قد يتعرضون للاختلاف عند تشكيل السلطة الجديدة. وهذا قد يؤدي لعودة الحرب الأهلية. وبالتالي، عدم معالجة الجذور الاقتصادية والاجتماعية التي أدت للصراع قد يكون سببًا لانتكاسات مستقبلية.
سبل تفادي الصراع الداخلي
برغم التحديات الكبيرة، يجب على سوريا الجديدة أن تستند إلى دروس من تجارب مشابهة. من الضروري إقامة شرعية حقيقية للمسؤولين وقد تتمثل في توافق بين القوة الرئيسية أو من خلال مجلس تمثيلي يضم ممثلين عن كافة الفئات. كما أن تعزيز المؤسسات وتمثيل كافة القوى في المجتمع سيقلل من احتمالات الصراع.
مع ذلك، يبقى الوضع متقلبًا، ويتطلب خطوات حاسمة لمنع انتكاسات جديدة قد تعيد سوريا إلى دوامة العنف وتحرم الشعب مما استحقه من سلام واستقرار.
## أهمية المسار الاقتصادي في عملية التحول السوري
المسار الاقتصادي يلعب دورًا حاسمًا في قدرة الدول على الانتقال من حالة الحرب إلى الاستقرار. إن نجاح أي عملية سياسية أو أمنية يعتمد في النهاية على تعزيز الأسس الاقتصادية. وعلى الرغم من أهمية هذا الجانب، فقد ظهرت تحديات بسبب اعتماد الدول، مثل سوريا، على المجتمع الدولي في تحقيق هذا التحول، حيث لم يلتزم الكثيرون بالوعود المعطاة لدعمها.
## الوضع السوري الفريد
تتميز الثورة السورية بكونها ثورة وطنية خالصة، لم يحدث فيها تدخل عسكري خارجي. الثوار لم يدخلوا العاصمة دمشق بدعم من قوات أجنبية، بل كانت الحركة داخلية بالكامل. كما أن الحكام الجدد يمتلكون خبرة في إدارة مناطق مثل إدلب، التي كان عدد سكانها حوالي 4 ملايين نسمة أثناء الحرب.
## المسار السياسي
فيما يتعلق بالعملية السياسية، يشير الخبراء إلى ضرورة إحداث شرعية للسلطة الجديدة، وذلك من خلال التوافق بين القوى الرئيسية أو عبر تشكيل مجلس يضم ممثلين عن مختلف فئات المجتمع. من الأهمية بمكان أن تتضمن العملية جميع القوى المؤثرة في المجتمع لتفادي شعور أي جهة بالحرمان، مما قد يؤدي إلى تجدد الصراع.
## الحاجة لعقد اجتماعي جديد
ينبغي أن تؤدي المرحلة الانتقالية إلى صياغة عقد اجتماعي جديد، يعالج أسباب النزاع السابقة.ضرورة أن لا تستمر هذه الفترة طويلاً، حيث أن التأخر قد يخلق أزمات إضافية.
## تحديات الانتخابات
تجدر الإشارة إلى أن سوريا، التي تفتقر إلى المؤسسات القادرة على تنظيم انتخابات نزيهة، تواجه تحديًا في هذا المجال. أوضح قائد العمليات العسكرية المتحدة أن الانتخابات يمكن أن تتم بعد ثلاث سنوات، لكن يبدو أن هناك تدني في البنية التحتية اللازمة لضمان نزاهة الانتخابات.
## المسار الأمني
يرتكز المسار الأمني على ثلاث نقاط رئيسية:
1. تجريد المقاتلين من السلاح.
2. تسريح القوات العسكرية المستقلة.
3. إعادة إدماج هؤلاء في المجتمع.
تتعهد القيادة الجديدة بجمع السلاح ودمج الفصائل. يبقى السؤال حول كيفية إعادة إدماج المقاتلين وضمان عدم عودتهم إلى العمل المسلح، خاصة في حالة تراجع العملية السياسية.
## العدالة الانتقالية
تعتبر العدالة الانتقالية عنصرًا أساسيًا لضمان استقرار البلاد، ويمكن الاستعانة بتجارب دول مثل جنوب أفريقيا وسيراليون في هذا المجال. بعين الاعتبار للجرائم المرتكبة في سوريا، فإن أي إخفاق في تحقيق العدالة قد يعيد فتح باب الانتقام، مما يؤدي إلى دوامة جديدة من العنف.
## تحديات إعادة الإدماج الاقتصادي
يعد المسار الاقتصادي الأكثر تعقيدًا. يرتبط نجاحه بالتوقعات المتزايدة للناس بعد نجاح الثورة، حيث توقعاتهم بأن الإصلاحات ستؤدي إلى تحسينات سريعة في حياتهم. وقد يؤدي عدم توفر فرص العمل إلى شعور بالإحباط وعدم الثقة.
### العوامل الأساسية للنجاح
يمثل النجاح الاقتصادي تحديًا، ولا بد من العمل على جلب الاستثمارات وإعادة تأهيل البنية التحتية. من أجل ذلك، ينبغي رفع العقوبات الدولية للحصول على المواد الأساسية.
## أهمية الدعم الدولي
وجود دعم دولي قوي ضروري لتنفيذ عمليات الإعمار. ومن العوامل الإيجابية دعم تركيا وقطر والسعودية للثوار السوريين. يجب على الحكومة الجديدة أن تسعى لكسب ثقة هذه الدول وتعزيز العلاقات الاستراتيجية معها.
## خاتمة
يبقى مستقبل سوريا على المحك، ويعتمد على قدرة القيادة على اتخاذ قرارات صارمة وفعالة في جميع المجالات – السياسية، الأمنية، والاقتصادية – مع الحفاظ على السلم المجتمعي وتعزيز الثقة بين مختلف أطياف الشعب.## خطوات نحو الاستقرار في سوريا
في ظل الظروف الحالية، تعد المساعدات العاجلة وفتح قنوات التواصل مع المجتمع الدولي خطوة أساسية لبلوغ الاستقرار في سوريا. العديد من الدول أعادت فتح سفاراتها في دمشق، وزار وزراء خارجية دول هامة العاصمة السورية في محاولة لتعزيز الحوار مع القيادة الجديدة.
### التحديات السياسية
من الضروري أن يستفيد الثوار من الدروس المستفادة من تجارب الدول الأخرى، مثل تونس، التي أخفقت في إنشاء حزب مركزي قوي حل مكان الحكومة، مما أدى لتشظي البرلمان وفشل مشروعات الحكم.
### القوة الرافعة
الخطوة الأهم لسوريا في هذه المرحلة هي إنشاء “قوة رافعة وضابطة”. هذه القوة يمكن أن تمنح السوريين فرصة لنضوج العقد الاجتماعي الجديد وتحقيق الاستقرار.
#### أشهر التجارب العالمية
في أفغانستان والعراق، حاولت الولايات المتحدة توفير مثل هذه القوة ولكنها باءت بفشل كبير. بينما نجاحات مثل تجربة رواندا بعد سيطرة الجبهة الوطنية هناك تظهر طريقًا محتملاً لبناء الاستقرار، على الرغم من ما زالت طالبان تحاول تقديم الأمن في أفغانستان.
### الحاجة إلى تعددية سياسية
في سوريا، تبرز ضرورة التنوع وإشراك مختلف القوى في العملية السياسية. لكن يبقى نجاح ذلك مرهونًا بقدرة “هيئة تحرير الشام” على التحول إلى “قوة صلبة رافعة”. من المهم أن تتمكن هذه الهيئة من توحيد الفصائل المسلحة تحت قيادة أمنية موحدة.
#### الحيشان السياسية
يجب وجود كيان سياسي قوي يمثل الثورة، يمكن أن يتكون من ائتلاف حزبي أو حزب رئيسي يوفر غطاءً للعملية الانتقالية. يجب على الثوار أن يتجنبوا الأخطاء التونسية التي أدت إلى تفتت البرلمان.
### إعادة الإعمار والتنمية
في مجالات التنمية وإعادة الإعمار، ينبغي تبني استراتيجية مرنة تتيح مشاركة واسعة من الجميع. يجب تشكيل لجان تنمية في كل محافظة تضم الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، مما يسهل تحديد الأولويات والمشاركة في اتخاذ القرارات.
### ضرورة التحرك السريع
إذا استطاع الثوار توفير “القوة الرافعة” وتحقيق الأمن بسرعة، وفتح قنوات للمشاركة المجتمعية في عملية إعادة الإعمار، فإن ذلك سيمكن من بناء عقد اجتماعي يحافظ على وحدة السوريين ويحقق لهم مستقبلًا أفضل.
#### توجه المجتمع الدولي
أما عن مطالب المجتمع الدولي بإجراء عمليات ديمقراطية مبكرة، فالأمر قد يتسبب في صراعات داخلية إذا تم الإسراع بخطوات لم تؤخذ بعناية. لذلك، المضي بحذر وثبات يبقى أمرًا ضروريًا في هذه المرحلة الحرجة.
### النهج الحكيم
إذن، صمود الثوار وثباتهم سيكونان حاسمين في تشكيل مستقبل سوريا، الذي يستحق أن يكون وفاءً لتضحيات الشهداء الذين ضحوا من أجل هذه اللحظة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.