أزمات وتحالفات وحروب بالوكالة تشعل القرن الأفريقي
تشهد منطقة القرن الأفريقي العديد من الأزمات والتوترات التي تؤثر على استقرارها، حيث تتداخل العوامل الخارجية والداخلية في خلق اضطرابات مستمرة في هذه المنطقة.
تتعلق هذه الأزمات بالصراعات داخل الدول أو بينها، بالإضافة إلى ارتباطات للعوامل الدولية ومصالح القوى الكبرى في المنطقة، وذلك نظراً لأهميتها الجيوسياسية والأمنية.
يهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على محركات الأزمة الحالية، والتحالفات التي تتشكل بين الفاعلين الرئيسيين والقوى المحلية في القرن الأفريقي، متناولاً تقاطع المصالح ومناطق التصادم، وآثار ذلك على المنطقة وما إذا كانت هذه التوترات قد تتطور إلى حروب جديدة.
إثيوبيا محور الأزمات
تعتبر إثيوبيا دولة محورية في القرن الأفريقي، وقد حرصت على تحقيق هذا الدور من خلال انخراطها في الشؤون الدولية، مدعية أنها تعرضت للاستعمار لفترة قصيرة فقط.
ومع ذلك، تراجع دورها بعد الحروب الطويلة مع إريتريا، مما جعلها دولة مغلقة. وترتبط الأزمة الراهنة في القرن الأفريقي بإثيوبيا بطرق معقدة، تتداخل فيها عوامل تاريخية وحديثة.
- مياه النيل وسد النهضة:
تستمر الخلافات حول مياه النيل بين إثيوبيا ومصر منذ سنوات، وقد ساهمت في زيادة التوترات في القرن الأفريقي، حيث أن أزمة سد النهضة قد أضافت بعدًا جديدًا للصراع بين البلدين.
- أزمة الدولة الحبيسة:
تعاني إثيوبيا من أزمة ساحلية، حيث أثر فقدانها للوصول إلى البحر بشكل كبير على حيويتها الجيوسياسية، خصوصًا فيما يتعلق بالممرات الكبرى مثل البحر الأحمر.
تتداخل العديد من العوامل في تشكيل الصورة الحالية في القرن الأفريقي، مما يؤدي إلى تشكيل تحالفات وتناقضات تهدف لتحقيق الأهداف الإستراتيجية لكل طرف.
رغم أن إثيوبيا قد استفادت من موانئ جيبوتي لنحو 30 عاماً، فإنها تسعى للحصول على منفذ مباشر للمياه الدافئة، وقد قامت بتوقيع اتفاق مع أرض الصومال لإنشاء قاعدة في خليج عدن مقابل الاعتراف بإقليم أرض الصومال.
الصومال ورحلة البحث عن حلفاء
أحدثت مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال زلزالاً سياسياً في الصومال، مما دفع مقديشو إلى البحث عن تحالفات لتأمين سيادتها لمواجهة التحديات الإثيوبية المستمرة.
بدأت الحكومة الصومالية في كسب دعم المجتمع الدولي بعد رفعها قضية انتهاك السيادة، حيث حصلت على تأييد من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وغيرها.
عادت العلاقات مع الإمارات لتتجدد مع وصول الرئيس حسن شيخ محمود، حيث دعمت الإمارات الحكومة الصومالية في وجه تهديدات إثيوبيا.
من جانب آخر، وقعت الحكومة الصومالية اتفاقيتين مع تركيا، الأولى في فبراير 2024 للتعاون الدفاعي، والثانية في مارس 2024 للتعاون في مجال النفط والغاز.
مصر تخلط أوراق آبي أحمد
في المقابل، بذلت مصر جهوداً في تعزيز روابطها مع دول القرن الأفريقي عقب المشاكل مع إثيوبيا بشأن السد. وتزامن ذلك مع الخلافات بين إريتريا وإثيوبيا وزيادة التوتر في جيبوتي.
وقعت مصر اتفاقيات مع الصومال، ودعمت جهود تدريب الجيش، ما زاد من تفاقم التوتر عقب مذكرة الأرض الصومالية.
في يناير 2024، صرح الرئيس المصري بأن مصر لن تسمح بتهديد سيادة الصومال، بعد المحاولات الإثيوبية للاعتراف بأرض الصومال.
مع تصاعد التوترات، تدخلت تركيا كوسيط بين الصومال وإثيوبيا، بينما اتخذت مصر خطوات هامة لتعزيز وجودها العسكري في الصومال.
التحالفات الجديدة في القرن الأفريقي
يمكن القول إن التحولات وتجدد الصراعات تشكل السمة الأساسية للقرن الأفريقي. لقد برزت العلاقات بين إريتريا والصومال من جديد، حيث تنطبق التنسيقات المتكررة بينهما في مواجهة التوجهات الإثيوبية، كما استئنفت العلاقات بين مصر وإريتريا.
تشير الأوضاع الحالية إلى تنسيق الأوضاع بين هذه الأطراف لمواجهة الأجندات الإثيوبية، بينما تسعى جيبوتي لحماية مصالحها الاقتصادية.
تعدد الاتفاقيات والفاعلين في الصومال
منذ تولي الرئيس حسن شيخ الرئاسة في مايو 2023، تم توقيع اتفاقيات عديدة مع دول مختلفة، مثل السعودية والإمارات وأوغندا وكينيا وإريتريا وتركيا ومصر.
بينما توفر هذه الاتفاقيات بعض الدعم للصومال، إلا أنها قد تؤدي كذلك إلى تضارب في المصالح بين الدول.
ستبرز الفروقات بين كيفية تعامل الدول مع الصومال، مما قد يؤدي إلى تصادم الاستراتيجيات في المستقبل.
اصطفاف أقاليم صومالية مع إثيوبيا
بدأت التدخلات الإثيوبية بعد أزمة المحاكم الإسلامية في 2006، وازدادت هذه التدخلات عبر وجودهم العسكري والأمني المدعوم باتفاقيات مع الحكومة.
ظهر تباين في المواقف بين الأقاليم الصومالية بعد زيادة التدخلات الإثيوبية، حيث برز إقليم بونتلاند كأبرز المعارضين للحكومة الفدرالية.
تزايدت التوترات مع وصول القوات المصرية إلى مقديشو، مما أثر على علاقات الأقاليم مع المركز، خاصةً إزاء دعم القوات الإثيوبية.
جولات تفاوض
سعت تركيا إلى تحقيق اختراقات عبر جولات تفاوض مع الأطراف المعنية، وعبر الأنباء التي تفيد بتقدم تلك المحادثات، جاء خبر وصول طائرات عسكرية مصرية ليزيد من التوتر في المنطقة.
بين التطورات المتسارعة، يبقى السؤال: هل ستنجح جهود تخفيف حدة التوتر عبر المحادثات أم أن المنطقة على وشك مواجهة صراع جديد؟
رابط المصدر